ماجدة موريس تكتب:  مصر لا تتوقف عن الإبداع

168

حدثان سعيدان فى هذا الأسبوع الذى ينتهى اليوم – الأربعاء – وينتهى معه العام 2014 نفسه والذى كان عاما غير سعيد على الكثيرين منا الذين فقدوا أحباء من ذويهم أسريا أو إنسانيا، وليصبح الفقد مضاعفا حين يكون من بين هؤلاء عدد غير قليل من المبدعين فى مجالات الكتابة والتمثيل والإخراج للسينما والمسرح والتليفزيون، ولهذا كثرت سراداقات العزاء فى العام الذى يرحل مساء اليوم، وكثر الألم على رحيل من أضاءوا لنا الحياة بإبداعاتهم، لكن مصر الولادة لا تكف عن تعويضنا بأجيال جديدة من المبدعين، وكما تستعيد لنا أيضا جزءا من إبداع شامخ تعطل، ومن هنا جاء حدثا الأسبوع، هما إعادة افتتاح المسرح القومى المصري، وحصول الشاب المصرى الصاعد “محمد شاهين” على لقب “ستار أكاديمي” بعد منافسة كبيرة مع موهوبين كثر.. وقبل هذا بأسبوعين حصول فيلم “فتاة المصنع” للمخرج الكبير محمد خان على جائزة أفضل إبداع سينمائى للعام فى المهرجان القومى للسينما المصرية وكلها أحداث سارة ثقافيا وفنيا تعنى أنه فى السنوات القادمة سوف تشهد الثقافة المصرية بكل تجلياتها تقدما فى اتجاه استعادة أهميتها على كل المستويات.

مساء الأحد الماضي، كان افتتاح المسرح القومى هو الافتتاح الأهم بعد الافتتاح الأول بحفل بروتوكولي، وليبدو هذا المكان العريق مستعيدا لرونقه القديم من خلال ملامحه التراثية فى الديكورات مع صياغة عصرية تخص تقنيات العرض المسرحى نفسه وهو “بحلم يا مصر” مسرحية الكاتب الكبير نعمان عاشور عن حياة رفاعة الطهطاوي، والتى أعدت عن نعمان عاشور تم دمجهما فى هذا العرض وفقا لكلمة المخرج عصام السيد والذى قدم عرضا أوليا فى افتتاحه للاحتفالية حول تاريخ المسرح القومى وعلاقته به وكأنه يتحدث عن علاقتنا جميعا بهذا المكان والكيان الذى شكل جزءا من تكويننا الثقافي.. ترى هل من الممكن أن يشكل هذا المسرح – الكيان – جزءا من حياة الأجيال الجديدة من رواده.. الشباب تحديدا؟ وهل يمكن لحركة الثقافة المصرية فى السنوات القادمة أن تلد حركة مسرحية مزدهرة مثلما كان الحال فى زمن مضي؟ أسئلة رددتها وأنا أتابع حضور العمل الذين كانوا خليطا من رواد المسرح القومى وفنانيه وكتاب ومفكرين ومحبين للمسرح، وأيضا كان هناك بعض الوزراء الذين دعاهم د. جابر عصفور وزير الثقافة النشط والذين لبوا الدعوة، ربما لحبهم للثقافة وربما لوجود رئيس الوزراء نفسه المهندس إبراهيم محلب الذى تابع للنهاية ولم يوقع ويغادر.. نعمان عاشور المفكر والمسرحى الراحل حضر من خلال ابنته وابنه اللذين كرمهما الوزير، ومن خلال سرده البديع لرحلة رفاعة رافع الطهطاوى الأزهرى الصعيدى إلى باريس مع أول رحلة أرسلها الوالى محمد على باشا حاكم مصر الجديد وقتها إلى جامعات أوروبا لتلقى العلم وكيف كشف رفاعة عن نفس محبة للتغيير والتجديد وعقل مستنير أدرك أن العلم حياة ومفتاح لكل تقدم ولم يضع وقته فى الغربة.. لوحات متتالية جمعت بين التمثيل والغناء والكتابة على الشاشة داخل خشبة المسرح وخارجها مع استخدام خلاق للإضاءة وحضور متوهج لبطل العرض على الحجار، كصوت وأداء، وإذا كان صوته المتفرد والعذب له مكانته الراسخة مهما غاب إعلاميا، فإن الحجار هنا كممثل يفرض حضورا وأداء ساطعا ويعبر بصدق شديد عن إشكالية التخلف التى وضع فيها مرارا وبعد إنجازاته الحاسمة أثناء بعثته لأوروبا وبعدها، وإلى جواره سطعت “مروة ناجي” إحدي نجمات العام، والتى خرجت من رحم الأوبرا والهامش المتاح لفنانيها إلى رحاب المنافسة العلنية عبر المسابقات لتدخل سريعا عالم دراما التليفزيون “تفاحة آدم” وتثبت جدارتها كممثلة أيضا، ثم إلى القومى فى هذه المسرحية فى دور زوجة رفاعة – أم على – تنافس بجدارة وتسطح بصوتها مع كوكبة من نجوم كبار داخل العرض وعلى هامشه فى إطار النسيج المسرحى “نبيل ومحمد وفيق”.. فى الطريق للخروج اكتشفت المساحات الجديدة للمسرح المخصصة للاستراحة، والكافتيريا والمدخل، والشارع والباحات وقد عادت كما كانت أماكن نظيفة وأنيقة لكى يسير فيها البشر ويتنفسون بدون أن يحاصرهم من يريد بيع بضاعته لهم بالقوة!.. هكذا كان المسرح القومى زمان، والشارع “القومي” حوله أيضا.. فهل يمكن أن يستعيد هذا المكان البديع بهاءه دائما.. وبدون أن يكون هذا هو مجرد إجراء استثنائى يخص الافتتاح فقط؟

ستار أكاديمي.. آخر طابور الموهوبين

مساء الجمعة الماضي.. حصل محمد شاهين على المركز الأول ضمن مسابقات برنامج “ستار أكاديمي” فى عامه العاشر.. ووقف الشاب الأسمر جميل الحضور يحيى جمهور قاعة الاحتفال فى بيروت ومعه زميلتان، الأولى لبنانية هى “ليا” والثانية تونسية هى “غادة” ليأتى التصويت فى صالحه تماما، وفى الموهبة يتساوى الثلاثة، بل وغيرهم ممن خرجوا فى الحلقات السابقة، لكن محمد شاهين كان كالنسمة التى تشتد أسبوعا بعد آخر، كان زميله المصرى “مينا” الأكثر حضورا طوال الحلقات لشخصيته القادرة على صنع التساؤلات والتحديات، وكان “شاهين” كما يبدو يعمل على نسق هادئ، قدراته فى التعبير عن أى أغنية يختارها ليست محددة فقط بإجادة اللحن والغناء ولكن الانسجام مع الصورة والزمن مع دماثة وطيبة تشعان منه وملامح تشبه غالبية الشباب فى عمره.. إنه نجم من نوع جديد يمتلك مفاتيح عديدة للمستقبل ويؤكد للمرة المليون أن هذا البلد ملئ بالمواهب والقدرات وأن المشكلة ليست فى الكشف عنها وإنما فى دعمها وتقديمها فيما بعد.. ولنسأل أنفسنا ماذا يفعل الآن هؤلاء الذين حصدوا المراكز الأولى فى هذه البرامج التى تكتشف النجوم.. وآخرهم محمود محيى الدين ابن أسيوط وصاحب لقب “ستار أكاديمي” فى الموسم السابق، إنهم جيش من الموهوبين فى مصر.. شباب يبحث عن نفسه بعد أن أدى ما عليه فى هذه المسابقات.. فهل نتركه يعانى الفراغ والإحباط أم لدينا خطة من أجل هؤلاء وغيرهم.. السؤال موجه لوزير الثقافة وكل من يهمه الأمر.. وإلى إدارة قنوات CBC أيضا التى تنتج هذه البرامج وتقدمها على شاشاتها مع قناة LBC اللبنانية.

التعليقات متوقفه