بعد تفشى ثالوث الإثارة ” الشعوذة والجنس والإلحاد” فى برامج الفضائيات..خبراء الإعلام يؤكدون: خطة ممنهجة متفق عليها لإلهاء الشعب عن القضايا الأساسية على الساحة وإشاعة الفوضي والتلاعب بالعقول
حالةً من الفوضى والارتجال، وعدم الموضوعية والإثارة, والتضليل البعيدة كل البعد عن المسئولية والمهنية, تسيطر على الإعلام المصرى مستغلة مناخ الحرية الذى أعقب ثورة 25 يناير, مع تزايد عددالفضائيات مما تسبب فى تَدنِّى المحتوى الإعلامى المقدم.
وتذكرنا حالة الضياع التى يعيشها اعلامنا وتتصدره الفضائيات بموجة سادت السينما المصرية عقب نكسة 67 وكان مزاعم صناعها حينذاك بان هذا النوع من افلام الهلس يعكس الوضع السياسى والمزاج العام وهو ما أدي لمثل هذا الانتاج، وفيما ينتظر المصريون استحقاقات مهمة ستكون فارقة في مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي، ينشغل الإعلام بقضايا مثيرة تتدحرج من برنامج على قناة فضائية إلى آخر، ليجد الشارع نفسه أسير جدال غير مجدٍ عن الجن والجنس والإلحاد، و”ثالوث الإثارة” بات يلهي المصريين عن قرب إجراء انتخابات مجلس النواب الذي ستكون لها كلمة لفصل في اختيار الحكومة المقبلة.
فضائح جنسية
غير أن استعدادات الانتخابات وتجهيزات المؤتمر غابت عن أجندة الإعلام، لمصلحة اهتمام متزايد بمواضيع مثل الجن والسحر والجنس والمثلية والإلحاد باتت وجبات دائمة على شاشات الفضائيات.
وطفت قبل أسابيع قضية الإلحاد على سطح الأحداث في مصر، وتسابقت الفضائيات في استضافة أشخاص قالوا إنهم “ملحدون”، وتبارت في عقد مناظرات بينهم وبين رجال دين مسلمين ومسيحيين، ظلت تدور حول جدال عقيم تناول قضية الإلحاد بسطحية لافتة، بعيداً من أي منطلقات فلسفية أو عمق تحليلي لتلك الظاهرة التي حذر منها شيخ الأزهر ودار الإفتاء في تقريرهما الأخير.
واللافت في الأمر أن الدولة بدت مستعدة للتعاطي مع هذا الجدال العقيم، فشنت السلطات حملة موسعة نالت قدراً من الرواج الإعلامي لغلق مقهى في وسط القاهرة، قالت السلطات إنه مقهى الملحدين، ما منح وجبات الإثارة مكوناً إضافياً.
وفي موازاة الإلحاد، كانت قضايا جنسية حاضرة بقوة في البرامج الفضائية ، بعد تسريب لفضائح جنسية لأشخاص غير معروفين اعتادوا تصوير علاقاتهم مع نساء واحتفظوا بها في أفلام وجدت طريقها إلى مواقع الإنترنت، لتكون موضوعاً لبحث ونقاش لا جدوى منه في الإعلام حول ما اصطلح على تسميته “العنتيل”، وهو اللفظ الشعبي لوصف الرجل المتعدد العلاقات الجنسية.
عالم الجن
وبعدما خفتت إثارة قضايا العلاقات الجنسية لـعناتيل مصر، وجد الإعلام ضالته في المثليين، حتى أن برامج فضائية استضافت شباباً قالت إنهم شواذ ظلوا يحكون كيف ولماذا سلكوا هذا الطريق، ووصل الأمر إلى حد تصوير حمام شعبي ووصفه بأنه وكر للشواذ، و داهمته السلطات وألقت القبض على رواده، في صحبة كاميرا قناة فضائية أشعل انفرادها معركة مع منافسين لجأوا إلى مناقشة قضايا المتحولين جنسياً، واستضافة الجنس الثالث لمواكبة حرب الإثار، وبعدما قتلت قضايا الجنس بحثاً، لم تجد الفضائيات المثير في عالم الإنس، فلجأت إلى الجن للبحث عن ضالتها، حتى بات المشعوذون و السحرة نجوماً في الفضائيات، يحاربون قبائل الجن، ويقتلون أمراءهم على الهواء مباشرة، و يتنقلون من برنامج إلى آخر ليقصون بداية علاقتهم بالجن، بعدما خاضوا معركة استخراج شيطان من جسد فتاة تتصارع مع شقيقاتها في مشهد أشبه بمباريات الملاكمة.
وعلى رغم أن تلك النوعية من البرامج ليست جديدة على الإعلام، لكن اللافت أنها باتت تجد طريقها إلى قنوات تقليدية معروفة برصانتها بعدما كانت حكراً على قنوات الإثارة.
والسؤال هنا هل الوضع فى البلاد بعد ثورتين يبرر تفشى برامج الدجل والشعوذة والالحاد والجنس والرقص والمخدرات التى يقدمها القائمون على الفضائيات بدم بارد بعد ان تملكهم سعار مداعبة الغرائز والتشرذم المجتمعى؟
التوك شو
وأكد دكتور “محمود عطية” أستاذ الإعلام السياسى أن تداول أخبار الشعوذة والجن والإثارة كلها تصب فى محاولة إلهاء الشعب عن القضايا الأساسية المطروحة على الساحة كارتفاع أسعار الكهرباء والمياه والوقود، وما يحدث فى الشارع من حراك سياسي وتظاهرات شبه يومية ورفض للواقع السياسي وغيرها من القضايا التي تهم المواطن.
وأضاف ان هذه البرامج ليست وليدة الفترة، وإنما كانت موجودة منذ فترة طويلة، لكنها زادت بشكل كبير، وأتوقع أن تزداد فى الفترة المقبلة، فى ظل غياب ميثاق الشرف الاعلامى وعدم وجود آلية لمحاسبة مقدمى هذه البرامج والقائمين عليها.
وتوقع أن محاولات الإلهاء هذه لن تنجح، علي اعتبار أن العالم أصبح قرية صغيرة، والمواطن يقارن ما تقدمه هذه البرامج مع ما ينشر في وسائل الإعلام الأخرى.
ومن جانبها ترى دكتورة “سهام عبد اللطيف” أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أن تداول وسائل الإعلام أخبار الجن والشعوذة والجنس والجريمة والفضائح وغيرها من الأخبار التى ظهرت ، كلها أساليب من شأنها إلهاء المواطنين عن القضايا الأساسية والمشكلات الحقيقية، موضحة أن هذا الأسلوب كان متبعا منذ الستينيات لإلهاء الشعب، كما حدث في قضية “ظهور العذراء” آنذاك.
وأضافت ما يحدث الآن بوسائل الإعلام يعد خطة ممنهجة متفقا عليها لإلهاء الشعب، تتنوع ما بين مشاجرات ما بين إعلاميين والتوك شو وما إلى ذلك، بحيث يتم تدمير خلايا الوعي لدى المواطن .
تغييب العقول
اما دكتور ” ياسر عبد العزيز” الخبير الاعلامى فقد اثار سؤالا يحتاج لتفكير هؤلاء المسئولين عما يحدث حيث قال “هل باع مقدمو البرامج المجتمع فى غفلة من غياب الضمير المهنى لتحقيق مصالح حفنة من رجال الأعمال آمنوا بأن المال بحاجة لآلة إعلامية تحميه؟
واكد ” ياسر” أننا نواجه أكبر عملية تجريف وتغييب للعقول تمارسها الفضائيات لصالح رؤوس أموال متهمة بمحاولة تفريغ الثورة من مضمونها، والإبقاء على رموز الفساد والعودة بعقارب الساعة إلى الوراء المتآمرون على أخلاقيات وقيم هذا المجتمع يتحدون توصية الرئيس بأن تقوم الأذرع الإعلامية بدورها فى توعية المجتمع وإعداده لمرحلة البناء, ليبرهنوا أنهم أكثر ولاء لأجنداتهم التى توجهها مصالح خاصة دون اكتراث بأن ممارسات فضائياتهم الفاضحة تنذر بالمزيد من السقوط الأخلاقى للمجتمع.
واوضح ان حالة الحرية التى تعيشها مصر بعد ثورتين وعقب عقودٍ من تكميم الأفواه، لا تعنى الفوضى والتلاعب بعقول المجتمع والحط من قدره من خلال تقديم مادة إعلامية متدنية، فالحرية الإعلامية يجب أنْ تقابَل بمسئوليةٍ مهنية تجاه المجتمع وينبغى على الإعلاميين أن يعوا جيدا الدور الوطنى المنوط بهم فى المرحلة الحرجة التى يعبرها الوطن .
الأخلاقيات
بينما يرى دكتور” رفعت الضبع” عضو مجلس امناء اتحاد الاذاعة والتليفزيون انه من العيب أن نترك تلك القنوات تبث سمومها، مشيرا الى أن الفضائيات الهابطة انتشرت بشكل مبالغ فيه وتعمل ضد منظومة الثقافة والأخلاقيات ولا تحقق الحد الأدنى من القيم المعرفية أو الخلقية أو التربوية، ورغم ذلك باتت قوة مؤثرة في سلوك الشباب ونمط تفكيرهم وتوجهاتهم حيث تظهر قناة جديدة كل فترة، وبالإضافة إلى تلك القنوات التي تبث مواد أقرب للإباحية تعمل قنوات أخرى تحت ستار ديني وتمارس الدجل والشعوذة وتروج لهما، وتضرب بمبادئ الإعلام الصحيح والهادف عرض الحائط على الصعيد المهني .
وأشار إلى أن السلطات القضائية والقوانين الداخلية يجب أن تحارب هذا النوع من الممارسات الشاذة، بعد أن أصبحت وسيلة لاستنزاف عقول المواطنين.
وعن الحل من وجهة نظره يقول اننا نحتاج الى تقنين الممارسات الإعلامية والعمل على ايجاد قانون موحد لأخلاقيات العمل الإعلامي، ولابد من وضع استراتيجية يلتزمون من خلالها بقيم وأخلاقيات المجتمع ويقرون بحقه ممثلا في وزارة الإعلام في سحب حق البث فور خرق تلك المحاذير، ومن واجبنا في الفترة المقبلة أن نجد تشريعا موحدا ينظم أخلاقيات الإعلام.
مسالك هروبية
اما أستاذ الإعلام دكتور “صفوت العالم” فيرى أن الإعلام المصري يشهد تحولاً في مجمله، وهناك تنوع في أشكال التحول بعيداً عن المهنية، مشيرا الى أن هناك قنوات لها توجه سياسي تشهد شططاً في تناولها الأمور السياسية، ودعوة إلى انقسام المجتمع حول قضايا فرعية وتدعم توجهات سابقة على الثورة..
وأضاف أن هناك قنوات أخرى لجأت إلى مسالك هروبية بعيداً عن السياسة، فتناولت جوانب التابوه واللامساس وقضايا الإثارة والغيبيات التي تجذب الجمهور بغض النظر عن محتواها القيمي والأخلاقي أو فائدتها،، خاصة اذا كانت تلك البرامج تخلق إثارة بتناول العلاقة بين الرجل وزوجته والممارسات المعيبة في العلاقة الزوجية والأمور الاستثنائية في العلاقات الجنسية والمثلية، والجوانب المثيرة عن الجن ومس الشياطين، وللأسف هذه البرامج تجد نوعية من الضيوف ونماذج تمنحها الجانب المثير، لتخلق إثارة وجدلاً يهدر القيم الأخلاقية في المجتمع، ولا يسعي إلا للترويج عبر الاثارة!
التعليقات متوقفه