د. رفعت السعيد  يكتب: صراع الإسلام والتأسلم حول تجديد الفكر الدينى ( 31 )

63

وما أن رحل الإمام محمد عبده حتى خلع رشيد رضا عباءة التجديد ونزع قشرة الصوفية النقشبندية واكتفى بكونه حنبلياً تابعاً لأفكار ابن تيمية المتشددة وبدأ حملته السلفية الشديدة التطرف مناقضاً لكل ما قاله أستاذه محمد عبده . وهو ما دفع سلامة موسى وهو يعرض كتاباً للأستاذ أحمد الشايب عن الإمام محمد عبده الى القول “هذه الترجمة لحياة الإمام محمد عبده والتى كتبها الأستاذ أحمد الشايب هى من خير ما يقرأ عن حياة هذا المصلح العظيم ، وقد كتبها الأستاذ الشايب بروح العطف . ويمكن للقارئ أن يرى الفارق بين مثل هذا المؤلف لرجل نزيه قد اعتدل ذوقه بالأدب وبين ما كتبه الشيخ رضا ومازال يكتب عن الشيخ محمد عبده بروح كلها بغض واحتقار وكراهية” [المجلة الجديدة – العدد الأول – أول نوفمبر 1929 – الافتتاحية] ولم يكن غريباً أن يبدأ سلامة موسى الصفحة الأولى من العدد الأول من مجلته بالهجوم على رشيد رضا الذى تطاول على الجميع من مخالفيه فى الرأى ، والذى خاض سلسلة من المعارك الفاشلة لمواجهة قوى الدفاع عن المسار الليبرالى فى السياسة والتجديد الدينى مستخدماً فيها أشد المواقف رجعية وأكثر الألفاظ بذاءة . وعندما أسقط أتاتورك الخلافة وعاش الملك فؤاد وهم أن يصبح خليفة وضع رشيد نفسه فى خدمة الطموح الملكى وكرس جريدة المنار لهذه القضية، ونقرأ فى المنار “حفاظاً على مقام الخلافة واستمرارها تقرر دعوة ممثلى جميع الأمم الاسلامية الى مؤتمر يعقد فى القاهرة برئاسة شيخ الأزهر للبحث فيمن يجب أن تسند إليه الخلافة ومكان وجوده وحدد شهر شعبان من العام التالى لانعقاده” [مجلة المنار – المجلد – 25-19 شعبان 1342هـ – الموافق 25 مارس 1924] وعندما أصدر دعاة المؤتمر من شيوخ الأزهر مجلة تدعو لعقد هذا المؤتمر سميت “المؤتمر” تصدر العدد الأول منها مقال للشيخ رشيد رضا أكد فيه أهمية وضرورة انعقاد المؤتمر “لأنه أول مؤتمر اسلامى عام يشترك فيه علماء الدين والدنيا من كل الأمم الإسلامية ، خاصة أن مهمته هى وضع قواعد للحكومة الإسلامية المدنية التى يظهر فيها علو التشريع الاسلامى واختيار خليفة وإمام للمسلمين” [المؤتمر – العدد الأول – ربيع أول 1343هـ] وعندما نهض الشيخ على عبد الرازق لمواجهة فكرة الخلافة فى كتابه الشهير “الإسلام وأصول الحكم” كان أول المحرضين ضده الشيخ رشيد رضا الذى كتب فى المنار “لا يجوز لمشيخة الأزهر أن تسكت على هذا الكتاب لئلا يقول صاحبه وأنصاره أن سكوتها عنه إجازة له ، أو عجز عن الرد عليه” [المنار – 21 يونيو – 1925] وتنشب معارك قلمية شديدة القسوة ويتصدى للدفاع عن قوى الليبرالية والتجديد عدد من الكتاب لكن أكثرهم صراحة كان سلامة موسى .. ونقرأ كنموذج مقالاً بعنوان “دعاة الرجعية فى مصر ثلاثة من الكتاب يكرهون الشباب المصرى ويدعون الى البغضاء” جاء فيه “يعيش الشيخ رشيد رضا بسب المجددين المصريين واتهامهم بالكفر ، وهو يتمرغ الآن فى الضياع والعقارات التى جمعها مستخدماً النعرة الدينية ، ويتساءل الإنسان هل هذه غيرة على الدين أم غيرة للعيش” والاثنان الآخران هما محب الدين الخطيب ومصطفى صادق الرافعى وهو أقذرهم لساناً وأشرهم عداوة لشبابنا” [المجلة الجديدة – العدد الرابع – أول فبراير – 1930 – صـ433] ويواصل رشيد رضا هجومه على سلامة موسى ودعاة التجديد ، ويصدر كتابا شديد اللهجة يهاجم سلامة موسى وبدون ذكر لاسم المؤلف ويقول سلامة موسى رداً على الكتاب “وسألت عن كاتبه فى إدارة المطبوعات فعرفت أنه ابن أخ رشيد رضا الصحفى المعروف الذى وفد على بلادنا كما تفد الطواعين وخص نفسه بشتم الشبان المصريين واتهامهم بالإلحاد والشيوعية وقد تناولنا السافل بشتائم بذيئة بحيث تحتاج إلى أن تغسل يديك عقب قراءة الكتاب، قد تناولنا هذا السافل بتهمة الشيوعية والدعوة لها فوضع نفسه فى الموضع الذى يستحقه وهو موضع الجاسوس” [المجلة الجديدة – أول يوليو 1930] وتمضى المعركة سجالا بين رشيد رضا وأتباعه واستخدمت فيها اشد الألفاظ سوقية مثل اتهام العقاد بأنه كاتب “مراحيضى” وطه حسين بأنه جاهل كافر وسلامة موسى نصرانى كافر وعدو الإسلام . واشتعلت نار السجال وكان رشيد رضا خلف ذلك كله .

التعليقات متوقفه