سمير كرم  يكتب: المرحلة التالية للإخوان مرحلة تراجع وانطفاء

55

لم يختلف دور الاخوان في الحرب الباردة، في صيغتها الخاصة بالشرق الاوسط، منذ تاسيس تنظيم الاخوان في عام 1928 وحتى الان. ولكن دور الاخوان في الحرب الباردة – على الرغم من قدمه إلى هذا الحد – ازداد ضراوة في السنوات الأربع الأخيرة. حدث هذا بشكل خاص بعد ان نشط الاخوان في محاولة الاستيلاء على السلطة في مصر. ثم بعد أن نشطوا في محاولة الاستيلاء على السلطة في العراق وسوريا. وهي محاولة لا زالت مستمرة.

صعود الإخوان

ولابد لنا أن نعي أن صعود دور الاخوان – على الرغم من انهياره بعد ذلك في مصر – وهذه بداية لانهيار هذا الدور في الوطن العربي ككل، وخاصة في سوريا والعراق – هو نتيجة مباشرة للتحاف بين تنظيم الاخوان بمستوييه: في مصر وفي الوطن العربي بعد ذلك. والامر المؤكد ان غياب الفكر القومي – او على الاقل تراجعه – في الوضع العربي الراهن هو نتيجة مباشرة لصعود الدور الاخواني. كما لابد ان نعي ان صعود الدور الاخواني هو كذلك نتيجة مباشرة لتراجع الفكر القومي. والامر المؤكد إضافة الى هذا هو ان تراجع الفكر المادي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وما تركه من أثر عالمي هو احد اسباب صعود الاخوان المادي عالميا وبصفة خاصة في الشرق الاوسط وبالتحديد في الوطن العربي في هذه المنطقة.

نتائج سريعة

إن مسئولية غياب الفكر القومي عن صعود الاخوان ثم متلا ذلك من تطورات آخذ في الاتضاح ابتداء من تراجع أحوال الاخوان في مصر بصفة خاصة، وهو ما سيؤدي بدوره الى سقوط الاخوان وتنظيمهم وحروبهم في المنطقة العربية وبصفة خاصة في سوريا والعراق. إن حركة الاخوان محكوم عليها بالسقوط حتى لو تصورنا ان حربها في الوطن العربي يمكن ان تطول. من ناحية لان التأييد الأمريكي والاوروبي لحركات الاخوان في هذه المنطقة امر لا يمكن ان يطول بحد ذاته. هذا التأييد هو في النهاية مرهون باعطاء نتائج سريعة تفيد الاهداف الاستعمارية الامريكية والاوروبية. ولان الاخوان – بعد ما صار لهم في مصر – أصبحوا عاجزين عن تحقيق اي أهداف سريعة في الوطن العربي، وبصفة خاصة في سوريا والعراق، فان الولايات المتحدة واوروبا لن تتصوران امكان تحقيق نتائج مادية ملموسة خلال وقت قصير يتفق مع ما تتمنيانه.

الابتعاد عن النفوذ

ولقد ادركت أمريكا واوروبا من الان ان عمالة الاخوان لهما ولاهدافهما في منطقة الشرق الاوسط ليست مهيأة لتحقيق أهداف سريعة، مهما كان ما يجري في مصر وبعد ذلك في سوريا والعراق وأيضا في اليمن وحتى في المغرب العربي ابتداء من تونس والجزائر والمغرب. ولهذا يمكن التنبؤ بأن أمريكا واوروبا ستتراجعان عن تأييد الاخوان في هذه البلدان خلال وقت قصير وفي الحدود التي يمكن ان تطبقاها.

وإذا افترضنا بعد هذا امكانية صعود الفكر القومي ودوره في الوضع العربي الراهن فانه سيكون من المتصور ومن المنتظر أن يواكب هذا الصعود للفكر القومي العربي محاولة جادة من جانب أمريكا واوروبا للتصالح مع هذا الفكر وملاقاته في منتصف الطريق بدلا من مقابلته بالتحدي فضلا عن محاولة وقف مسيرته. ذلك ان أمريكا واوروبا تقيسان اهدافهما بمعايير مادية بحتة. وهما تدركان الآن أن اتصالات الاخوان الخارجية – أي خارج المنطقة العربية –  لا يمكن ان تتحول للاتجاه صوب تآزر العلاقات مع أمريكا واوروبا. ولعل بامكاننا ان نستنتج من الان ان مصير الاخوان في اوروبا وأمريكا يقترب ابتداء من الان من الابتعاد عن اي نفوذ له في هاتين المنطقتين الكبيرتين.

تراجع ممائل

إن ضرورة الوعي بأهمية بل خطورة علاقات الاخوان الخارجية – أي العالمية – من أجل الحصول على دعم وتاييد من أمريكا واوروبا في المنطقة العربية يسير في طريق الاضمحلال. فقد كان الهدف الرئيسي لهما (أمريكا واوروبا) استخدام الاخوان وسيلة للسيطرة على المنطقة الواسعة التي نطلق عليها الوطن العربي. والان يتضح بما لا يدع مجالا للشك ان عوائد هذا السلوك تعود على الاخوان ولا تعطي نتائج لأمريكا واوروبا. بل ان العوائد التي تعود على الاخوان تضاءلت وتراجعت بشكل لا يسمح بالاحتفاظ بالامل بامكان تحقيق نتائج من وراء نشاط الاخوان العسكري او المسلح او التخريبي. لقد كان أمل الاخوان في الفترة السابقة – قبل اربع سنوات على وجه التحديد – ان يتمكنوا من  خلال التنسيق مع اوروبا وأمريكا من تحقيق السيطرة على الحكم في هذه المنطقة الشاسعة. أما الان فان تراجع الاخوان اصبح نمطا سلوكيا واضحا في منطقة الشرق الاوسط ولابد ان يتلوه تراجع مماثل في خارج هذه المنطقة التي توحدها اللغة والارض بالدرجة الاولى.

ولعل هذا هو السبب في ان الاخوان تراجعوا عن تقديم انفسهم لأمريكا بشكل خاص كعملاء. فحين لم تعد أمريكا تميل اليهم في هذا الاتجاه لانها ادركت انهم كانوا يبالغون في قدراتهم على السيطرة ونقل هذه السيطرة الى أمريكا لتتمكن هذه الاخيرة من تحويلها الى سيطرة على الشعوب العربية بما فيها مصر. والان اتضح ان مصر تمكنت من الخروج من هذا الاطار الضيق وانها تمد ايديها الى روسيا والصين وأفريقيا وكذلك الى أمريكا اللاتينية. ومن الطبيعي ان الاخوان قد اصابهم نتيجة لذلك تراجع أكيد وواضح في قدرتهم على حمل الاخرين على التصور بانهم يتقدمون.

معيار حقيقي

وعلى هذا الاساس لابد من الاقتناع بان تراجع الاخوان في مصر ونتيجة لذلك في المنطقة العربية يحدث تأثيرا قويا في الاتجاه نفسه على وضع الاخوان الجماعي في اوروبا وفي أمريكا. ولابد من التركيز هنا على تأثير التراجع الأمريكي والاوروبي على مكانة الاخوان وعلى قدراتهم في هذين المجالين – اي في أمريكا واوروبا – بما يعني ان مكانة الاخوان تتراجع بالمثل في أمريكا واوروبا، والاخيرة بشكل خاص. ولعل في التراجع الذي يتضح لمكانة الاخوان في بريطانيا بالذات معنى اكثر وضوحا وأشد تأثيرا من اي مكان آخر كانوا يتصورون – اي الاخوان انفسهم – انهم حققوا فيه مكانة بارزة غير قابلة للتراجع. ولا يعني هذا على الاطلاق امكان التراجع الكامل عن ادراك خطورة المكانة التي حققها الاخوان في بريطانيا او في اوروبا. انما الامر المؤكد هو ان بامكان الحكومات الاوروبية ان تدرك من الان ان من الضروري مراقبة النشاط الجماعي الاخواني في بلدان اوروبا من أجل العمل على اقناعهم جماعيا بضرورة اخذ تراجع مكانة الاخوان كمعيار حقيقي لتراجع دورهم خارج اوطانهم الجديدة، أي الاوطان الاوروبية. هذه الاوطان التي تعبوا كثيرا حتى توصلوا فيها الى مكانتهم الحالية.

الأعمال العسكرية

ان الاخوان يخوضون الان مرحلة تراجع. ولا ينطبق هذا على مصر وحدها، انما ينطبق ايضا على المنطقة العربية ككل وعلى البلدان الاوروبية وعلى الولايات المتحدة بالمثل. وفي هذه المرحلة الحرجة سيكون من المحتم على تنظيم الاخوان السياسي الذي يقود أعمالهم العسكرية في المنطقة العربية ان يبحث لنفسه عن مكان آخر وعلى دور جديد. ولن يكون هذا من قبيل العمل السهل. لقد كنا مقتنعين بان دعم الدولة الاكبر للاخوان هو الذي كان مسئولا عن دورهم في هذه المنطقة وفي اوروبا وأمريكا. ويمكن لنا الان ان نجزم بان ثمة تراجعا لتنظيمات الاخوان ولقوتهم العسكرية والسياسية – ولم يكن لهم في اي وقت تقدما فكريا يمكن الحديث عنه او عن تأثيره – يتواكب مع تراجع تنظيماتهم “القيادية” – على الرغم من انهم عاشوا طويلا منذ ان تأسس تنظيمهم بداية في عام 1928.

لقد تراجع الاخوان عن تطلعاتهم التي كانت أقرب الى الاحلام منها الى الواقع, وستشهد المرحلة القادمة جهودهم في البحث عن مواطن جديدة تقبل مجرد وجودهم فيها. وعندئذ سيحيط بهم الصمت وذكريات الماضي.

التعليقات متوقفه