احمد سيد حسن يكتب :  جريمة شارل ابدو تطرح من جديد قضية المواجهة الدولية الشاملة للإرهاب

63

فى ظل موجات الإدانة التى جاءت من كل ارجاء الارض، ضد العملية الإرهابية الوحشية ، التى طالت  محرري ورسامى الكاريكاتير فى مجلة “شارلي ابيدو” وقتلت من صحفيي المجلة، تنوعت ردود الفعل وتباينت من بلد لآخر ومن اتجاه فكري لاتجاه فكري اخر ، ودخل الجميع فى سباق محموم لتوظيف هذه الجريمة الإرهابية البشعة ، لخدمة سياساته وأفكاره وتبرير مواقفه ، وإظهار اخطاء بل وجرائم الأخريين !

خطاب العنف

فى فرنسا نفسها حيث البلد الذى شهد الجريمة البشعة ، انفجرت خلافات كثيرة فى تقييم الموقف والخطوات التى يجب اتخاذها ، ومع توالى سقوط الضحايا والمخاوف الحقيقية من دخول فرنسا الى مواجهة دامية مع موجة خطيرة من العمليات الإرهابية ، ارتفعت حدة الخلافات ولذلك دعا الرئيس اولاند الى مظاهرة الاحد المليونية على نمط المظاهرات المصرية ايام مواجهة حكم الاخوان ، وذلك تحت شعارات موحدة لمواجهة الإرهاب ، وحماية الوحدة الوطنية للفرنسيين ، بعد ان تصاعدت صيحات وخطابات العنف والكراهية والتحريض على الانتقام والقتل خارج القانون ، والذى تواضع من اصحاب هذا الخطاب فقد دعا الى طرد المسلمين وأبعاد المهاجرين ، وعدم تقديم اى مساعدات للدول الاسلامية والعربية .

مليونية ضد العنف

فالرئيس الفرنسي أدرك منذ اللحظات الاولى خطورة توظيف الاتجاه اليمينى المتطرف لهذا الحادث ، للانقضاض على القيم والمبادئ والشعارات الكبري للثورة الفرنسية “حرية . إخاء . مساواة ” ، والاخطر دفع فرنسا التى يعيش بها اكثر من ستة ونصف المليون مسلم منهم اكثر من خمسة ملايين جزائري ، الى الدخول فى حرب طائفية ما ان تبدأ لن يعرف احد متى وكيف ستنتهي . ولذلك دعت قيادات الجاليات العربية والمسلمة وجمعيات المهاجرين الى المشاركة فى مظاهرة الاحد المليونية ، لتأكيد مواقفهم المتوافقة مع غالبية المجتمع الفرنسي والمؤسسات الرسمية والمدنية ، فى ضرورة مواجهة الإرهاب بكل السبل الامنية والفكرية ، وعدم السماح بتحويل تلك الحرب الى حرب كراهية ضد الاسلام والمسلمين ، وهو ما تم التأكيد عليه من جميغ الأصوات المعتدلة ، ولكن تلك المظاهرة والأصوات العاقلة المعتدلة لن تكفى لحصار الأصوات المتطرفة والمتشددة ، خاصة ان الضربة الإرهابية وجهت ضد الصحافة والصحفيين وحرية الرأى والإبداع ، وهو مايجعل الصحافة والإعلام بعيدا عن الاعتدال لفترة طويلة وبعد ان أكدت على صفحاتها الاولى كلنا “شارلي أبدو ” .

الليبرالية المتوحشة

أصوات محدودة للغاية توجهت بالنقد الى المجلة الفرنسية وصحفييها ورسامى الكاريكاتير ، الذين استهانوا بقدسية الأديان والأنبياء ، ومع وجود كل هؤلاء الملايين من المسلمين فى فرنسا ، ومعظمهم يعانى من التمييز الاجتماعى وفى مجال الحصول على الوظائف والسكن والخدمات المختلفة ، فان إطلاق عمليات النقد والسخرية من المقدسات الاسلامية ، تمثل استفزازا غير محسوب العواقب ، رغم تحذيرات كثيرة فى مناسبات مختلفة بخطورة الرسوم المسيئة ، وكان الرد الحكومى بانه لايمكن مواجهة حرية الصحافة بأي إجراءات ، والحل هو رفع قضايا امام المحاكم !

وعلى الرغم من ان العديد من الصحف.و المجلات الفرنسية. والأوروبية تعودوا على نقد الأديان والسخرية من كل الأنبياء والرموز الدينية مثل بابا الفاتيكان ، لكن الاستفزاز هذه المرة وصل الى درجة خطيرة من خلال الرسم الكارتوني الأخير الذى اظهر احد أفراد داعش يقوم بذبح النبى محمد “صلى الله عليه وسلم ” .

مسئولية أوروبا وأمريكا

وفيما يعلو صوت المتطرفين فى فرنسا ، يجادل كثيرون فى العالم العربي حول مسؤولية أوروبا وأمريكا عن زيادة عمليات الإرهاب ، حيث قامت تلك الدول بتوظيف بل وإنشاء تنظيمات إسلامية للحرب ضد الشيوعية فى أفغانستان ، وتعود الآن لدعم تلك التنظيمات التكفيرية للإطاحة بنظام بشار الأسد ، ودعم ما أسمته بالمنظمات الاسلامية المعتدلة مثل جماعة الإخوان للوصول الى الحكم فى مصر عبر ضخ ملايين الدولارات لدعم الأخوان مع تقويض الأنظمة الاستبدادية رغم انها صديقة للغرب . ويطالب هؤلاء الغرب باستخلاص الدروس الحقيقية وعدم التفرقة ما بين تنظيمات إسلامية معتلة وأخري متطرفة ، حيث المنابع واحدة وهو ما أكدت عليه تجربة مصر، حيث انفجرت عمليات ارهابية غير مسبوقة بعد الاطاحة بحكم الأخوان ، وهو ما أشارت اليه صحيفة واشنطن تايمز والتى طالبت بإعادة النظر فيما حدث فى مصر ضد الاخوان والتنظيمات الإرهابية، وبعد ان اصبح الإرهاب عالمى ولا يستوطن فقط فى الدول الاسلامية .

إسرائيل : الإرهاب إسلامى

وبالطبع فان اسرائيل لاتقبل وجهة النظر تلك حول عالمية الإرهاب وتعدد أسبابه ، وسارعت الى توظيف عمليات فرنسا ، لتوجيه مزيد من الاتهامات للعرب والمسلمين والفلسطينيين على وجه الخصوص ، بانهم اصحاب اتجاه فكري واحد مع توزيع الأدوار ، وان حماس مثل داعش والقاعدة ، وراحت تبحث عن تبريرات لحروبها واعتداءاتها المستمرة ضد الفلسطينين والعرب إجمالا ، وانتهزت الفرصة لتوجيه اللوم الى الحكومة الفرنسية التى أيدت الموقف الفلسطينى فى مجلس الأمن ، والى مخاطر الاعتراف بدولة للفلسطينيين ستصبح قبلة للإرهابيين من كل جهات العالم .

ونشر معهد دراسات الأمن القومى الاسرائيلى دراسة أشار فيها الى وقوع ٥٩٢عملية ارهابية العام الماضى ارتكبتها داعش نفسها ، وبزيادة ٩٤٪ عن العام الأسبق ، والى مقتل ٤٤٠٠ قتيل معظمهم فى العراق وسوريا وأفغانستان ونيجيريا على يد بوكو حرام الى افتتحت العام الجديد بقتل قرابة ٢٠٠ شخص فى عملية واحدة ، والى تصدير المنظمات الاسلامية التكفيرية مئات الانتحاريين الجاهزين للعمل فى أماكن مختلفة فى العالم .

١١ سبتمبر فرنسية

الولايات المتحدة استعادت ذكريات ١١ سبتمبر ، وأشارت معظم صحفها الى تكرار الهجمات الإرهابية فى فرنسا وقبل ذلك فى مدريد ، فيما رفعت إنجلترا حالة الطوارئ خوفا من عمليات ارهابية قادمة ، وهو نفس ما تشهده عواصم اوروبية مختلفة ، وأصبحت كل دولة تنتظر العائدين من العراق وسوريا ، حيث يعتبرون ان هؤلاء قنابل موقوتة قابلة للانفجار فى اى وقت ، خاصة ان عمليات التمييز العنصري حقيقية ، وخطط دمج المهاجرين لم تنجح بشكل كبير ، كما ان أفكار مثل نقل الحرب ضد الإسلاميين فى البلاد الاسلامية ، لم تنجح ولم تؤد عملية توظيف التنظيمات الاسلامية فى حروب داخل الدول الاسلامية ، الى ابعاد أوروبا عن مخاطر التعرض لعمليات ارهابية .

فشل الديمقراطية والتنوير

يبقى ان فاتورة العالم العربي والاسلامى باهظة ، وهو دفع ثمنا باهظا حتى الان ، ومع العمليات الجديدة من المرجح ان تزداد الفاتورة ، فالدعم للقضية الفلسطينية معرضا للتراجع بشدة ، ودعوات ترك العرب يقتلون بعضهم البعض فى العراق وليبيا وسوريا ترتفع ، وهو ما يفرض على مصر بالذات دورا كبيرا ومحوريا فى تطوير التحالف الدولى للحرب ضد الإرهاب ، الى تحالف يتجاوز العمليات العسكرية ، الى تحالف وتعاون سياسي وفكري واقتصادي ، يعمل على حل القضايا التى تسببت ولاتزال فى الصراعات مثل القضية الفلسطينية ، وإنهاء الحرب فى سوريا والتوقف عن الاستمرار فى إشعالها ، والتوصل الى خطط لإنهاء الحرب فى ليبيا ودعم المؤسسات المدنية المنتخبة .

التعليقات متوقفه