فريدة النقاش تكتب : عزيزة حسين

135

 قضية للمناقشة

رحلت عن عالمنا الرائدة الوطنية والنسائية “عزيزة حسين” بعد كفاح امتد لسبعين عاما دفاعا عن حقوق الإنسان وفى القلب منها حقوق النساء، وذلك دون أن تنجرف فى تيارات “الموضة” التى صورت كفاح النساء من أجل حقوقهن كمواطنات باعتباره كفاحا ضد الرجال بصرف النظر عن النظام الاقتصادى الاجتماعى السائد، وكان هذا التوجه إحدى صيحات الحركة النسوية فى أمريكا التى سرعان ما اندثرت.

التفتت “عزيزة حسين” مبكرا جدا – وببصيرة صافية – لجريمة ختان الإناث وبذلت جهودا كبيرة – دائما مع فريق – لتبصير الأسر – الفقيرة خاصة – بالآثار الكارثية لهذه الممارسة التى لا علاقة لها بالدين.

كما نشطت فى مقدمة الجماعات النسوية وبالتعاون مع حكومات متعاقبة لنشر مبدأ تنظيم الأسرة، وإقناع النساء باستخدام وسائل منع الحمل سواء فى الريف أو الأحياء الفقيرة.

ثم جرى انتخابها رئيسة للاتحاد الدولى لتنظيم الأسرة عام 1977 ولت سنوات ثم أعيد انتخابها مرات عديدة ثم رشحتها الحكومة المصرية لتمثيل البلاد فى لجنة أوضاع المرأة فى الأمم المتحدة بعد أن كانت قد مارست نشاطا دوليا ممتدا سواء فى إطار الأمم المتحدة، أو عبر إقامتها فى أمريكا حين كان زوجها “أحمد حسين” سفيرا لمصر هناك ثم مندوبها الدائم فى الأمم المتحدة. مارست “عزيزة حسين” عبر رؤيتها ونشاطها نفوذا هائلا فى لجنة أوضاع المرأة فى الأمم المتحدة حتى شاركت فى وضع بنود الاتفاقية الدولية لإلغاء كل أشكال التمييز ضد النساء، وأدخلت فى أدبيات الأمم المتحدة لأول مرة قضية تنظيم النسل.

وأصبحت هذه الاتفاقية التى وقعت عليها مصر بتحفظات مرجعا مهما للحركة النسوية الجديدة فى البلاد والتى تطورت فى موجات إثر موجات منذ نهاية القرن الثانى عشر حين شاركت النساء فى الثورتين ضد الحملة الفرنسية على البلاد لتكون عزيزة حسين بشخصها وإنجازها علامة مضيئة ومميزة من علاماتها.

عبرت الراحلة مرارا وتكرارا عن اعتزازها بالتطور الذى أنجزته الحركة النسوية الجديدة وهى تواصل البناء على التراث الممتد للوطنية المصرية التى ظلت الحركة النسوية جزءاً عضويا منها دون أن تفقد طابعها النوعي، وهى تكافح الآن من أجل قانون أحوال شخصية جديد يتأسس على هذه الاتفاقية مع إسقاط تحفظات الحكومة المصرية على بعض بنودها وعلى رأسها المادة الثانية التى تنص على مبدأ المساواة وهى جوهر الاتفاقية، وربما كانت هذه التحفظات جنبا إلى جنب بقاء ممارسة الختان وانتشار الفقر فى الريف وبروز الأحياء العشوائية والأوضاع البائسة فيها هى مجتمعة التى جعلت الراحلة ترد عن سؤال أحد الصحفيين عن ما إذا كانت أوضاع النساء قد تغيرت منذ بدأت كفاحك.. فقالت: ربما إنها كما هي.

وفى انتظار صدور كتابها “المرأة بين ثورتين” حتى لو لم تكن قد أنهته قبل موتها فإن كل القوى الديمقراطية من منظمات نسوية وأحزاب ونقابات وحركة حقوق الإنسان مطالبة جميعا بأن تبتكر أشكالا متنوعة للاحتفال بالإنجاز العبقرى لهذه المرأة لتكون سيرتها جزءاً أصيلا من ذاكرة الأجيال الجديدة من الفتيات والشبان، وهى الأجيال التى راهنت عليها الرائدة منذ أن رفضت منصب وزيرة الشئون الاجتماعية فى ظل “السادات” وفضلت أن تكرس كل وقتها للعمل التطوعى مع الجمعيات الأهلية التى أسست منها العشرات، وبقيت هى نفسها نموذجا باهرا لامتزاج الأقوال بالأفعال.

رحم الله عزيزة حسين.

 

 

التعليقات متوقفه