أمينة النقاش تكتب : مات الملك.. عاشت المملكة

141

 ضد التيار

فى خلال ساعات من إعلان نبأ وفاة الملك كانت القرارات الأساسية التى تنظم شئون إدارة البلاد قد اتخذت طبقا للنظام الأساسي، فتولى الملك الجديد سلطته وحصل على البيعة من هيئة البيعة ومن أركان الدولة، وأعلن اسم ولى العهد وولى ولى العهد ووزير الدفاع، وكأنها رسالة طمأنة للملك الراحل عبدالله بأن ما وضعه من تنظيمات وأرساه من قواعد تحقق الهدف الذى قصده منه، وهو أن يظل نظام الحكم مستقرا، لا يتعرض لأى هزات أو صراعات أو تدخلات خارجية، استنادا إلى شعار مات الملك.. عاشت المملكة.

وكان الملك عبدالله الثانى يجمع بين عصرين وزمانين وصفتين أخذ أفضل ما فيهم، ففى طفولته كان أحد أبناء “عبدالعزيز” الذى تربى فى طفولة البادية وأخذ أفضل ما فيها، النقاء والوفاء والشجاعة والبساطة والعدل والنزاهة، وأنه فتح ذهنه إلى تطورات العصر واقترب منها.

ولذلك اتسمت فترة حكمه القصيرة التى لا تتعدى عشر سنوات بإنجازات تحتاج لتنفيذها أضعاف المدة التى حكم فيها، فدفع بالسعودية إلى الأمام، واقتحم مشاكل العصر وخاصة الفكرية منها التى تضفى لمسات عصرية على نظام حكم تقليدي، فى بلد يحكمه ظرف محوري، هو أنه مقر المزارات المقدسة لديانة سماوية كبري، يتجاوز عدد الذين يؤمنون بها فى أنحاء العالم نحو مليار ونصف.

طرح الملك الراحل موضوع تطوير الخطاب الدينى فى السعودية، وأقام منبرا للحوار الوطنى بين كل الاتجاهات، ودفع الأمور خطوات نحو تقنين الشريعة على نحو ييسر التقاضى ويضبط أحكامه فى إطار الشريعة، واهتم بتعليم البنات فى الأماكن التى تسمح بذلك وتتطلبه، واهتم أيضا بالتعليم بشكل عام، فأرسل الشباب السعودى للدراسة فى كل أنحاء العالم للاستمرار فى تكوين جيل يهتم بشئون العصر عبر العلم والمعرفة.

وكان أبرز أدوار الملك الراحل دوره على الصعيد العربى والإقليمي، إذ أدرك أن المكانة الدينية والاقتصادية للدولة التى يحكمها تفرض عليه واجب الوساطة فى حالة نشوب خلاف بين دولة عربية وأخري، أو دولة عربية ودولة إسلامية، بين إحداهما وإحدى دول العالم.

وبرزت حكمته وحزمه فى حل كثير من الخلافات، ما بين أطراف عربية ودولية وإقليمية، ونجحت الدبلوماسية السعودية فى عهده استنادا إلى سياسته، فى اقتحام غابة من المشاكل العسيرة بين العرب المسلمين وبينهم وبين دول العالم، شهدها العقد الأول من الألفية الثالثة وما تلاه فى لبنان وفى العراق وفى اليمن.. إلخ.

وكانت مشاعر الملك عبدالله تقرأ الخريطة السياسية للعالم العربى والإسلامى قراءة صحيحة ببصيرة نافذة، فقد أدرك أن مصر هى حجر الزاوية فى استقرار المنطقة وتنميتها وحمايتها من الاعتداء الخارجي، وكان هذا هو الذى دفعه إلى القيام بدور من أهم الأدوار فى حياته السياسية، عندما قرأ بوعى دلالة ثورة 30 يونيو بالنسبة لمصر، وبالنسبة للأمة العربية وللإقليم، والتقط بحسه السياسى المرهف الهدف الذى تسعى إليه هذه الثورة، فضلا عن أنها تعبر عن رغبة الشعب ومصالحه، فقد كانت تهدف كذلك إلى تطويق خطر الاحتراب الأهلى فى مصر، الذى لن تقتصر آثاره الضارة على مصر وحدها، بل سوف تهز استقرار الإقليم كله وتفتح الباب لاحتمالات خطر على استقلاله. وهكذا تقدم الملك عبدالله وبكل شجاعة البداوة وذكاء السياسة لكى يساند مصر 30 يونيو، ويصد عنها تدخلات وتحرشات الذين كانوا يتآمرون عليها فى تلك الأيام الصعبة، ويساهم فى بناء حلف عربى خليجى يساندها بالدعم الاقتصادى نقدا وعينا، والأهم من ذلك الدعم السياسى فى المحافل الدولية، إلى أن جاء الوقت الذى بدأ فيه العالم يستفيق، ويدرك أن ما حدث فى مصر 30 يونيو كان فهما مبكرا لخطر الإرهاب الذى يتآمر على استقرار المنطقة ويسعى إلى إشعال نيران التطرف بها ولعزلها عن العصر الذى تعيش فيه.

رحم الله الملك عبدالله الفارس الشجاع ووفق خليفته الملك سلمان فى أن يستكمل ويطور رسالته ويتصدى للمشاكل الصعبة التى أطلت برأسها، والذى نثق أنه سيكون أهلا للتصدى لها، ومجابهتها، معززا بالانتقال السهل واليسير للسلطة، وبقراره الجسور بفتح أبواب السلطة أمام الأحفاد.

 

التعليقات متوقفه