جودة عبدالخالق: زلزال الدولار يضرب الاقتصاد القومي

53

50 قرشاً ارتفاعا فى سعر الدولار منذ تولى السيسى الحكم

المادة 18 من اتفاقية الجات تتيح لمصر فرض قيود على الواردات

التجمع يطرح مبادرة لتحديد السلع الكمالية لتطبيق المادة 18 ومساعدة وزارة الصناعة

4 رسائل إلى صانع القرار

1- لا يوجد على الساحة من يتولى إدارة الاقتصاد المصري

2- الحكومة تفتقر الرغبة والقدرة على الحفاظ على حقوق مصر فى إطار اتفاقية الجات

3- سياسة البنك المركزى تهدد العدالة الاجتماعية والاستقرارين السياسى والاجتماعي

4- غياب المشاركة المجتمعية فى المؤتمر الاقتصادى خطأ سياسى واقتصادى

الاحتكار في الاقتصاد المصري يرفع الأسعار بالضرورة

مغازلة الاستثمار الأجنبي تتم علي حساب الاقتصاد المصرى

 

حذر د. جودة عبدالخالق، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة وعضو المكتب السياسى للتجمع، من خطورة سياسات البنك المركزى الأخيرة التى أدت إلى انهيار قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية خاصة الدولار، مشيرا إلى ارتفاع سعر الدولار إلى خمسين قرشا منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم، وقال إن استمرار هذه السياسة تهدد العدالة الاجتماعية فى مصر بما تتضمنه من موجات متلاحقة من ارتفاع أسعار السلع وخفض الدخل الحقيقى للمواطن.

وأضاف د. جودة فى حواره مع “الأهالي” أن الحكومة لديها من التدابير التى يمكن اتخاذها من خلال عضويتها فى منظمة التجارة العالمية واستخدام المادة 18 من اتفاقية الجات لفرض قيود على الواردات، لكن الحكومة تنظر إلى عضويتها فى المنظمات الدولية على اعتبارها التزامات لا تنظر إلى الحقوق، وتساءل د. جودة عن من يدير الاقتصاد فى مصر؟، وانتقد غياب المشاركة الاجتماعية فى المؤتمر الاقتصادى المقبل.. وإلى نص الحوار…

 

زمن الانفتاح

* اتخذ البنك المركزى خلال الفترة الماضية إجراءات لضبط سوق العملات الأجنبية أدت إلى انهيار قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية خاصة الدولار.. فإلى أين تقودنا هذه السياسة؟

** الإجراءات الأخيرة والمتسارعة لخفض قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار سوف تقودنا إلى أيام الرئيس الراحل أنور السادات فى زمن الانفتاح الاقتصادى والاتجاه للاستيراد دون تحويل عملة.. وهو ما يدفعنا للتساؤل عن من يدير الاقتصاد فى مصر؟، ففى كل دول العالم هناك جهة مسئولة عن إدارة السياسات الاقتصادية وسعر صرف العملة المحلية، فسعر العملة يتم تحديده من خلال مؤسسات رسمية تتمثل فى البنك المركزى والجهاز المصرفى، وفى حالة مصر شركات الصرافة، ووضع سياسة قوية ومراقبة فعالة لسعر العملة، مع العلم أن شركات الصرافة ليست مسئولة عن تدبير العملة الأجنبية لتمويل الاستيراد.

 

إدارة عشوائية

* لكن فى مصر هناك وزارات التخطيط والمالية والاستثمار.. فضلا عن البنك المركزي.. ألا تعد هذه الوزارات مسئولة عن إدارة الاقتصاد فى مصر؟

** لا.. فوزارة التخطيط لا علاقة لها بالسياسة الاقتصادية ويقتصر دورها على تدبير الموارد، وإقرار المشروعات فقط أما وزارة المالية فيقتصر دورها على الإيرادات والمصروفات وعجز الموازنة أى أنها أشبه بالمحاسب القانوني، ووزارة الاستثمار تفعل أى شيء لجذب الاستثمارات والمستثمرين، ويبقى البنك المركزى المسئول عن السياسة النقدية وسعر الصرف، ومن الظلم أن تطلب من البنك المركزى إدارة الاقتصاد القومي، فدوره يقتصر على رسم السياسة النقدية وتحديد سعر الصرف وضبط التضخم بما يتفق مع الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع، فمثلا فى الولايات المتحدة الأمريكية وزارة الخزانة والبنك الفيدرالى “البنك المركزي” هما المسئولان عن إدارة اقتصاد الدولة.

 

أهداف اقتصادية

* هل يمكن تحديد الأهداف الاقتصادية والاجتماعية فى هذه المرحلة؟

** الشعب المصرى قام بثورة 25 يناير عام 2011، وكان شعار الثورة “عيش – حرية – عدالة اجتماعية – كرامة إنسانية” وهذا الشعار يحتوى على هدفين اجتماعيين اقتصاديين وهما العيش والعدالة الاجتماعية، فالعيش يعنى مستوى معيشة المواطن، فالمواطن له إيرادات وهى عبارة عن راتبه أو دخله، ومصروفات أى إنفاقه الشهري، ولابد أن يكون الدخل ملائما للمصروفات، وأى قرار اقتصادى يتم اتخاذه لابد أن يراعى ذلك ولا يزيد من المصروفات حتى لا ينخفض مستوى معيشة الأفراد.

* وما الإجراءات التى قد تؤثر على مستوى معيشة الأفراد؟

** هناك العديد من الإجراءات التى قد تؤثر على مستوى معيشة الأفراد، فالبنك المركزى مثلا إذا قام بطبع النقود، فهذا معناه زيادة النقود وبالتالى زيادة الأسعار، فالقاعدة الاقتصادية تقول نقود كثيرة وطلب قليل يعنى ارتفاعاً فى الأسعار، وهذه ضريبة يدفعها المواطن بلا قانون، وهى ضريبة جائرة لأن عبئها الأكبر يقع على غير القادرين، ويطلق عليها الاقتصاديون اسم الضريبة الرجعية، وهذه الضريبة على الضريبة التصاعدية التى يقع عبئها على الفئات الأعلى دخلا.

 

زلزال الدولار

* وماذا عن سعر الصرف؟

** العامل الثانى الذى يؤثر فى مستوى المعيشة هو سعر صرف العملة الوطنية وفى حالتنا هو الجنيه المصري، وخلال فترة تولى فاروق العقدة محافظ البنك المركزى بدأ بطرح عطاءات لتحديد سعر صرف الدولار فى البنوك، ثم سمح للبنوك برفع سعر الدولار 10 قروش على سعر العطاءات، ونتيجة ذلك انخفض سعر الجنيه وارتفع سعر الدولار 34 قرشا فى أسبوع واحد.

سعر الدولار عندما تولى المشير عبدالفتاح السيسى فى يونيو 2014 كان 7.14 جنيه والآن 7.63 قرش أى زيادة 50 قرشا خلال ثمانية أشهر فقط.

وتظهر خطورة هذا التدهور السريع فى سعر العملة الوطنية إذا علمنا أن الاقتصاد المصرى يعتمد على الواردات بنسبة كبيرة، سواء كانت واردات لسلع ضرورية أو كمالية أو سلعا وسيطة، فالاقتصاد يعتمد على الاستيراد بنسبة 50% على الأقل.

ومعنى ذلك أن كل تراجع فى قيمة الجنيه يعنى زيادة فى سعر الدولار، وكل زيادة معناها ارتفاعاً فى أسعار الدولارات بنفس النسبة، لكن التاريخ يقول لنا إنه نظرا للاحتكارات فى الاقتصاد المصرى فإن الأسعار سترتفع بدرجة أكبر.

وبالتالى فالبنك المركزى ساهم فى موجة تضخمية بهذا القدر خلال الأشهر الثمانية الماضية، مع ملاحظة أن التضخم لا يزيد بنفس نسبة تخفيض العملة.. وبالتالى فإن قرار تخفيض قيمة الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية يمثل زلزالا اقتصاديا.

 

أخطاء “المركزى”

* لكن سعر صرف الجنيه أمام الدولار لم يكن معبرا عن قيمته الحقيقية.. فهل أخطأ البنك المركزى فى إدارة سعر الصرف؟

** مشكلة سعر الصرف أن الطلب على الدولار أكبر من العرض، وهناك ضغط على الجنيه لأسباب كثيرة، لكن سياسة البنك المركزى فى إدارة سعر الصرف اعتمدت على جانب واحد فقط، هو أن رفع السعر يخفض المسافة بين الطلب والعرض، لكن عندما تدير الاقتصاد بشكل كلى وسعر الصرف بشكل جزئى فإن هناك عوامل عديدة فى هذه المسألة وليس عامل العرض والطلب فقط، وهذا يتطلب الاعتماد على عدة أدوات لإدارة سعر العرض وليس إدارة واحدة فقط.

فالخطأ كبير فى رفع سعر الدولار أو تخفيض الجنيه خصوصا فى ظل وجود احتكارات كبيرة فى السوق وشركات صرافة بها “عديدة” لا رقابة قوية عليها.

 

الحلول موجودة.. ولكن؟

* لكن ما الحل؟

** مصر بلد عضو فى منظمات دولية عديدة، منها البنك وصندوق النقد الدوليين، ومنظمة التجارة العالمية والعمل الدولية.. إلخ من هذه المنظمات، وهذه العضوية لأى بلد فى هذه المنظمات تتيح لها العديد من الحقوق وأيضا العديد من الواجبات والالتزامات، ومن الخطأ فى إدارة الشأن الاقتصادى أن ينظر إلى عضوية مصر فى هذه المنظمات على أنها تفرض التزامات على مصر فقط.

فالبنك الدولى فى زيارته الأخيرة إلى مصر أوصى بضرورة تحريك سعر الجنيه المصرى أمام العملات، والبنك المركزى فعل ذلك فى محاولة لمغازلة المستثمرين – خاصة الأجانب – على حساب المصريين.

والنغمة السائدة فى مصر أنها عضو فى منظمة التجارة العالمية وأن المنظمة تفرض عليها التزامات، لكن هناك على الجانب الآخر حقوقا تقرها اتفاقية الجات وهى جزء من اتفاقية منظمة التجارة العالمية، فمصر وقعت هذه الاتفاقية فى أبريل 1994 فى مراكش بالمغرب، وصدق عليها البرلمان المصرى منتصف 1995 وبالتالى أصبحت نافذة فى مصر.

فالمادة 18 من اتفاقية الجات تنص على أن البلد العضو الذى يتعرض لشدة اقتصادية أو أزمة اقتصادية أو تدهور حرج لفترة مؤقتة، من حقه أن يتخذ تدابير ووضع قيود على الواردات لاحتواء هذا التدهور.

* وهل ينطبق هذا على مصر؟

** بعد ثورة 25 يناير شهدت مصر انهيارا اقتصاديا، وانخفض الاحتياطى النقدى من 36 مليار دولار إلى 15.4 مليار، وهو ما يعادل واردات ثلاثة أشهر فقط، بالإضافة إلى التراجع الحاد فى تدفقات النقد الأجنبى بما يشكل ضغطا واضحا على سعر العملة الوطنية، والواردات المصرية فى حدود 50 مليار دولار.

والمنطق الاقتصادى يحتم أن أستفيد من اتفاقية الجات وأن نصف واردات مصر، ما بين واردات ضرورية وكمالية وسلع وسيطة، فهناك واردات غير ضرورية تمثل على الأقل نحو 20% من حجم الواردات المصرية، وهذا دور وزارة الصناعة والتجارة التى يرأسها منير فخرى عبدالنور، وأن يحدد الواردات التى يمكن أن يتم وضع قيود عليها.

وهناك آلية ولجنة ميزان المدفوعات فى منظمة التجارة الدولية نلجأ إليها ونشرح أسباب فرض هذه القيود على الواردات لإعمال المادة 18.

فالبيانات مثلا تشير إلى أن عدد السيارات التى دخلت مصر وتم استيرادها خلال العام الماضى بلغت 281 ألف سيارة، وبالتالى زيادة الطلب على الدولار فضلا عن تأثيرها على الحالة المرورية والاحتقان المروري، فالسيارات والأجبان المختلفة والكافيار وأكل القطط والكلاب سلع كمالية.

ونحن فى حزب التجمع لدينا القدرة ومستعدون لمساعدة وزارة الصناعة والتجارة على تحديد هذه السلع شريطة أن توفر الوزارة البيانات اللازمة.

فاتجاه البنك المركزى لتخفيض مستمر فى قيمة الجنيه بهذا الشكل السريع أصبح يهدد العدالة الاجتماعية.

 

وسائل اقتصادية

* وما الرسائل الاقتصادية التى توجهها إلى صانع القرار الاقتصادى والسياسي؟

** أولا: لا يوجد على الساحة من يتولى إدارة الاقتصاد المصري.

ثانيا: أن الحكومة تقتصر الرغبة أو القدرة على النظر إلى حقوق مصر والتزاماتها فى إطار المنظمات الدولية وخاصة منظمة التجارة العالمية.

ثالثا: سياسة البنك المركزى والتى اتبعها فى إدارة سعر الصرف والتى أدت إلى انهيار قيمة الجنيه أصبحت تهدد العدالة الاجتماعية وبالتالى الاستقرار السياسى والاقتصادى والاجتماعي.

رابعا: هناك أبواب للرحمة فى مجال حماية قيمة الجنيه ورعاية أحوال الفقراء ومتوسطى الحال وهى نص المادة 18 من اتفاقية الجات.

 

المؤتمر الاقتصادي

* من المقرر أن يعقد المؤتمر الاقتصادى فى مارس المقبل.. فما توقعاتك لهذا المؤتمر.. وهل تعتقد أن مصر استعدت له؟

** أولا نحن فى حزب التجمع لنا برنامج اقتصادى قائم على المشاركة الشعبية ومعناه ببساطة أن ولى الأمر وهو الرئيس لابد أن يعمل بإرادة الشعب وما يريده الشعب، وكان يجب أن يكون المؤتمر الاقتصادى موجها للشعب فهو الذى سيعمل فيه إلى جانب الأجانب والعرب والمستثمرون، وبالتالى كان على الحكومة المشاركة المجتمعية فى المؤتمر الاقتصادي، لكن الحكومة ترفع شعار “الاستثمار التام أو الموت الزؤام”، وبالتالى فإنها تعمل على تعديل أو إقرار قانون جديد للاستثمار فى سلسلة تنازلات لا مبرر لها لجذب الاستثمارات تتمثل فيما يقال عن تشجيع الاستثمار وكذلك خفض قيمة الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية فى محاولة لمغازلة الاستثمار الأجنبى وهذا خطأ سياسي.

ومن الناحية الاقتصادية فإن هذه التنازلات لا مبرر لها وعلى العكس تؤثر سلبا على الأمن الاجتماعى والعدالة الاجتماعية، حتى فى الدعاية للمؤتمر الاقتصادى وجذب المستثمرين فإن الحكومة المصرية تستجدى المستثمرين خاصة الخليجيين، فزيارة رئيس الوزراء للكويت والحديث عن جذب الاستثمارات الكويتية لمصر كان من الناحية السياسية يمثل نقطة ضعف، فمصر وقفت بجوار الكويت أكثر من مرة، كان آخرها فى حرب الخليج عام 1990، ولولا موقف مصر فى هذه الحرب ومشاركتها فيها ما رجعت الكويت.. والآن مصر تمر بأزمة اقتصادية مؤقتة وعلى الدول الخليجية أن ترد الجميل لمصر.

وأخيرا أقول إنه لا يجوز أن يتم تجاهل الشعب المصرى فى هذا المؤتمر ولابد من المشاركة المجتمعية، وليس هناك حتى الآن تحديد مقدار النفع من هذه التنازلات التى تقدمها مصر لجذب الاستثمارات والمزايا التى يحصل عليها المستثمرون، فلابد أن تكون ما تحصل عليه مصر أكبر بكثير من المزايا الممنوحة للمستثمرين.

 

التعليقات متوقفه