فريدة النقاش تكتب: طريق الانقسام من أوله

127

 قضية للمناقشة

 “التعليم العالى هو منحة من الدولة، وليس حقاً” هكذا أعلن د.طارق شوقى رئيس المجلس التخصصى للتعليم والبحث العلمى التابع للرئاسة والذى تم استحداثه لوضع سياسات تطوير التعليم والبحث العلمى.

قال”شوقى” ذلك بعد أيام قليلة من رحيل الدكتور “حامد عمار” شيخ التربويين والمدافع العنيد على مدى سبعين عاماً عن مجانية التعليم فى كل مراحله ولكل المصريين، استوقفنى فى تصريح الدكتور”شوقى” القول بأن “المجانية هى منحة” من الدولة، وكأنما تحصل الدولة على الأموال من جهد بشر فى المريخ وليس من جهد الشعب المصرى وثرواته إن فى باطن الأرض أو على سطحها وأن الدولة حين تنشىء نظاماً لمجانية التعليم إنما تأخذ من المصريين لتعطيهم، وهى تقوم بعملية تنظيمية بحكم أدوارها ووظائفها، وبحكم التوجهات والاختبارات السياسية والاقتصاديةوالاجتماعية للحكومة التى تدير هذه الدولة، “فالتعليم فى الأول والأخير هو عملية سياسية” كما قال شيخنا الراحل “حامد عمار”.

ويتناقض قول الدكتور “شوقى” تناقضاً صريحاً مع مواد فى الدستور تقول المادة التاسعة “تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز”، وفى المادة التاسعة عشرة تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية كما تعمل الدولة فى المادة 20 “على تطوير التعليم الجامعى، وتكفل مجانية فى جامعات الدولة ومعاهدها وفقاً للقانون”.

على ما يبدو فإن المجلس التخصصى للتعليم والبحث العلمى يريد أن يستبق انتخاب البرلمان الجديد الذى ستكون أولى مهماته إصدار التشريعات المنظمة لمواد الدستور وحيث مجانيةالتعليم الجامعى الحكومى لا لبس فيها.

وكما تقول الباحثة فى علوم التعليم “أمل أبوستة” وهى تقرأ مغزى تصريح “شوقى” إن السياسات الجديدة تعتزم تطبيق نظام المنح فى التعليم الجامعى العام القادم لتقتصر المجانية على المتفوقين من أصحاب الدرجات العالية فقط، وإتاحة التعليم لأصحاب الدرجات الضعيفة والراسبين مقابل مصاريف عالية.

وتعلق الباحثة على هذه الخطوة قائلة”إن من شأنها تفضيل الأغنياء، وزيادة التضييق على الفقراء، والقضاء على أى أمل لتحقيق العدالة الاجتماعية”.

ويعرف المولعون بنموذج البلدان الرأسمالية فى أوروبا وأمريكا أن التعليم كله خاصة فى أوروبا وصولاً إلى التعليم الجامعى كان ولا يزال تعليماً مجانياً يجرى تمويله من خزينة الدولة وليس من جيوب الفقراء، وأن هذا التعليم الإلزامى والمجانى كان آلية مهمة من آليات النهوض والتطور المجتمعى، ورأى فيه بعض حسنى النية أداة للقضاء على الإنقسام الاجتماعى وهو مالم يحدث فقد ظلت الطبقات موجودة بل والفروق الاجتماعية تتزايد، لكن الوعى الجديد سرى فى الطبقات الشعبية وتدلنا متابعة العملية الجهنميةالتى جرت فى بلادنا باسم تحرير الاقتصاد للإجهاز على تعليم الفقراء على النفوذ الهائل الذى تمارسه الأقلية المالكة للثروة والسلطة حتى بعد الموجات المتعاقبة من الثورة وهى تستخدم ضد النفوذ فى سعى محموم لإقصاء الطبقات الفقيرة عن عالم المعرفة والتطور العلمى وتملك أدوات العصر، وكأنهم يبدأون طريق الانقسام الاجتماعى الحاد من أوله مجدداً، وقد أفزعهم الدور الذى لعبه المتعلمون فى الثورة رحم الله الدكتور/ حامد عمار الذى قال.

إن أبناء الفقراء حين يلتحقون بالجامعات يستنشقون هواء الحرية.

 

 

التعليقات متوقفه