قصور الثقافة.. لماذا تخلت عن تثقيف الشعب؟

130

 – الهيئة تحولت إلى غابة من الموظفين وغابت الأنشطة

– كثير من بيوت وقصور الثقافة أصبحت خرابات ومرتعاً للإهمال

– الصراعات الإدارية أفقدت العمل الثقافى دوره

– وزارة الثقافة ودورها الغائب فى دعم الهيئة

 

الهيئة العامة لقصور الثقافة، هى الهيئة المنوط بها توصيل الخدمة الثقافية لكل القرى والنجوع فهى تمثل عصب الثقافة المصرية، وهذا هو دورها الذى أنشئت من أجله وهو رعاية المواهب واكتشافها من أجل مجتمع تسوده العقلانية وحرية التفكير والإبداع.

لكن يبدو أن الهيئة فى السنوات الأخيرة حادت عن طريقها الذى أنشئت من أجله بعد ثورة يوليو 1952، وامتلأت بالصراعات الإدارية وقضايا الفساد، لدرجة أنه تناوب على رئاستها عدد كبير من المديرين مما يدل على عدم الاستقرار، ووجود منظومة خاطئة سواء داخلها أو فى تعامل وزارة الثقافة معها، فى حين كان يجب على الهيئة أن تقوم بدورها الثقافى من خلال بيوت وقصور الثقافة المنتشرة فى المحافظات المختلفة، والتى اكتظت بالموظفين الذين يتقاضون أكثر من ثلثى ميزانية الهيئة دون نشاط حقيقي، وكثير من قصور الثقافة تحولت إلى خرابات.

أما المبدعون فهم خارج الحسابات، لذا كان لابد من فتح هذا الملف.

يشير الفنان عزالدين نجيب إلى الدور الذى قامت به قصور الثقافة فى وقت ازدهارها عندما كانت تسمى “الثقافة الجماهيرية” حيث يقول: كانت هناك قافلة الثقافة التى تجوب القرى النائية حاملة منتجات الثقافة: الكتاب والمسرحية والفيلم والأغنية والقصيدة والأمسية الموسيقية، وكان هناك مسرح السامر فى الأجران المفتوحة، يستلهم المؤلفون من خلاله ومن واقع القرية رؤاهم المخضبة بثقافة الشعب مصاغة بحس حداثى متقدم، مثل مسرحيات يوسف إدريس وألفريد فرج وسعدالدين وهبة ومحمود دياب وميخائيل رومان وعلى سالم ويسرى الجندي، وصعد معهم مخرجون كبار على نفس المستوى أمثال كرم مطاوع ومحمود مرسى وعبدالرحيم الزرقانى وحمدى غيث وسمير العصفورى وحسين جمعة، وقامات شاهقة من الممثلين صاروا نجوما ساطعة فى ذاكرة الشعب أكثر لمعانا من نجوم الكرة آنذاك واليوم وكانت هناك فرق الفنون الشعبية التى تستلهم من التراث الأصيل ورقصاتها وكلماتها وتعيد صياغتها برؤية جمالية مبهرة، وكانت هناك فصول الهوايات الفنية والأدبية التى تكشف عن المواهب وتساعدها على التحقيق.

 

سلاح المواجهة

ويرى نجيب أن الثقافة هى أهم سلاح لمواجهة التطرف والإرهاب وكذلك الأمية، وهما أكبر عدوين يتحديان مستقبل مصر القريب والبعيد وكلاهما يصب فى الآخر، وكلاهما عائق أساسى للثورة ولأى مشروع للتقدم والتنمية إن الذين نشأوا على الأفكار المخاصمة للحياة وعلى التفكير ذى البعد الواحد ثم انقادوا إلى العنف والإرهاب لتطبيق أفكارهم، لم يمارسوا طوال حياتهم فنا أو أدبا ولم يستمعوا إلى موسيقى ولم يشاهدوا عرضا مسرحيا أو سينمائيا أو معرضا للوحات التشكيلية، قبل أن يلقنوا بأن الفنون جميعا أشكال من الفن ورجس من عمل الشيطان لذا يجب تفعيل دور الهيئة العامة لقصور الثقافة فى الأقاليم وفتح أبواب القصور وبيوت الثقافة للجميع مع ضرورة تفعيل النشاط الثقافى بها والذى يجب أن يكون قائما على فكرة التنوع.

 

رسالة ثقافية

د. محمد فتحى فرج – أستاذ علم وظائف الأعضاء بكلية العلوم بجامعة المنوفية – يقول: دورها فى المرحلة الناصرية كان رائدا فى تثقيف الناس وكانت تنزل الريف والصعيد والدلتا وكان لها دور على المستوى الإقليمي.

اسمها الآن يدل على “القصور” وعدم الأداء وأدعو إلى رجوع اسمها القديم “الثقافة الجماهيرية” هناك عدم دقة فى اختيار الكفاءات والقيادات لدرجة أنه تم تغيير أربعة رؤساء هيئات فى وقت وجيز.

المفترض أن يصل نشاط الهيئة إلى الجمهور فى السينما والمسرح والفن التشكيلى وأن تصل برسالتها. أجد أن دورها حاليا مركز فى عمليات النشر فقط التى تكشف عنها التحقيقات.

ويضيف د. فرج قائلا: دور المثقف يجب أن يكون مثقفا عضويا لا يقبل أن يعيش فى صومعته، ينبغى الالتحام بالجماهير من خلال مناقشات الكتب والمحاضرات ونشاط المسرح والنشاط الفنى بأوجهه المختلفة، والكشف عن الطاقات الإبداعية فى الريف.

عندنا 6 آلاف قرية مصرية بها فنون وفلكلور وأوجه نشاط ثقافى كثيرة تحتاج لتعريضها للضوء.

عندنا نشاط السجاد فى مركز أشمون قرية “ساقية أبوشقرة” كانت قديما تصدر منتجاتها إلى ألمانيا قطع فنية وتزاحم هيئة الكتاب، هذا دور جيد، لكنه ليس الدور المنوط به.

نحن فى مرحلة يجب فيها تكثيف الجهود لتنوير رجل الشارع، وهذا لن يتأتى إلا بالالتحام مع الجماهير والاهتمام بالثقافة العضوية، ثقافة الحوار والنقاش والوجود وسط الجماهير، وليس إعادة نشر الكتب القديمة، هذه مرحلة ثانية اسمها مرحلة “الرفاهية”.

للأسف الشديد بيوت الثقافة وقصور الثقافة لم يتم العناية بها، ولم تأخذ الأمور التى تحافظ عليها وتحافظ على مرتديها، ولن ننسى ما حدث فى حريق مسرح بنى سويف وحريق عدد كبير من المثقفين ورجال المسرح.

يجب العناية بهذه القصور وإنشاءها بعيدا عن الفساد واللعب من تحت الترابيزة يتهافت عليها المشترون وهناك قرية “الحرانية” وقرية “كرداسة” وفى سيناء ومطروح.

لابد من التنقيب والتلاحم مع الفنانين المغمورين.

 

تقسيمات خاطئة

ويؤكد الشاعر عبدالقادر طريف – من محافظة مطروح – أن الثقافة الجماهيرية من أهم القطاعات الثقافية، فهى الجهة الوحيدة التى لها مواقع فى كل مناطق مصر تقريبا إلا أن السلم الإدارى للهيئة يعتمد على أفرع فى المحافظات تتبع أقاليم حيث قسمت الجمهورية إلى خمسة أقاليم.. غرب ووسط والقاهرة والقناة وجنوب وشمال الصعيد، وبالتجربة ثبت أن هذه الأقاليم هى تجسيد للبيروقراطية ولا معنى لها، وطالبنا بإلغائها على أن تتبع الأفرع للهيئة مباشرة تيسيرا للعمل، ومازلنا نطالب بهذا حيث إن أمثلة التعطيل كثيرة ولا تحصي.

أما الشق المالى فله جانبان.. الأول ميزانية الهيئة ككل والتى يجب زيادتها لأنها الجهة الوحيدة التى تخدم الجمهور فى الأقاليم وتقدم خدمة أدبية وتثقيفية مهمة، منها مؤتمر أدباء مصر وهو مؤتمر سنوى مهم يضم كل الأقاليم ولكن المشكلة أنه يعتمد على استضافة المحافظين للإقامة والإعاشة ومحافظ يقبل وغيره لا يقبل والهيئة مضطرة لضيق ذات اليد وعدم توفر الميزانية.

وهناك مشكلة حقيقية وهى أجدر بالبحث وهى وجود فجوة خطيرة وهوة سحيقة بين المثقف والمتلقى الطبيعى باستثناء نادر هنا وهناك، والأدباء يخاطبون بعضهم فقط سواء على مستوى أندية الأدب أو مؤتمرات الأقاليم أو المؤتمر العام.

ويشير الأديب أحمد أبوخنيجر – أسوان – إلى التخلص من المركزية فى العمل الثقافى حتى نستعيد التنوع الهائل والثرى لمكونات الثقافة المصرية بكل أطيافها، وعلى الهيئة أن تحدد ميزانية كل فرع ثقافى وتعطى له، على أن يقوم المثقفون والمبدعون التابعون لهذا الفرع بوضع الخطط والبرامج التى سيقوم الموظفون بتنفيذها ومتابعتها، وعلى الإدارة المركزية المتابعة الإدارية فقط.

وحول دور المسرح الإقليمى يقول أبوخنيجر: كيف لعرض مسرحى وحيد فى السنة لا يتجاوز عرضه أحد عشر يوما والمحاصر داخل بيوت وقصور الثقافة بلا دعاية وفى حراسة رجال الأمن أن يترك أثرا ثقافيا فى البيئة المحيطة به؟

الأمر فى المسرح يمكن قوله بنفس الطريقة على كل الأنشطة المحاصرة داخل أروقة بيوت وقصور الثقافة وكأنها أنشطة سرية، لا يستقبلها ويستفيد منها إلا نفر قليل من رواد الثقافة وللأسف أغلبهم منتجون لتلك الفنون والأعمال أو مشاركون فيها.

إن المستقبل يأمرنا أن نطلق حدود الحرية لأقصى مدي، وأن يبتعد الحس الأمنى من إدارة أمر الثقافة والإعلام والتعليم، وأن تعود أنشطة وزارة الثقافة إلى الشارع وإلى التجمعات، أن تخرج من جدران وحوائط البيوت والقصور وتتحول لأنشطة علنية تقدم خدمة حقيقية للناس فى أماكنهم يشارك فيها المثقفون والمبدعون فى وضع خططها وبرامجها وتنفيذها.

ويؤكد المخرج جمال ياقوت أن نوادى المسرح تعانى كثيرا من عدة مشاكل منها تدنى المستوى الفنى لعروض النوادي، وهو ما يبدو جليا فى عدم الاهتمام الكافى ببعض أبجديات العرض المسرحي، وعدم الاهتمام بتدريب الفنانين ممثلين ومخرجين.

ويطالب ياقوت بمنح فرص الممارسة للمخرجين الشباب وكذلك الممثلين الشباب، مع إتاحة مناخ من الحرية فى ممارسة العملية المسرحية، بحيث لا يكون هناك رقابة على فكر المخرج والممثل، مع زيادة الميزانية المخصصة للمسرح فى الهيئة.

 

التعليقات متوقفه