ليلة في محبة الراحل “حلمي سالم” بالتجمع

97

د. رفعت السعيد: حقق الحلم والمعجزة بالمزج بين إيمانه بالماركسية والوازع الصوفي

د. عبدالمنعم تليمة: صعد للصف الأول في شعر الحداثة لحبه للغة

متابعة نسمة تليمة

تصوير: خالد سلامة

«لو شح الخبز..سنأكل عشب حدائقنا ونقاتل لو شح الماء سنشرب عرق سواعدنا ونواصل لو قل الحبر سنكتب برصاص بنادقنا أنقي كلمات قصائدنا نضرب ونغازل..»

هي كلماته التي ترددت في أذهان الحضور في قصيدته السبعينية الصريحة، أما هو فحضر معهم في مشهد ليلي داخلي بحزب التجمع ظل مراقبا للجميع من يشهد بفنه وفلسفته وإنسانيته ونبله ومن يشهد بحبه ورفاهية أحاسيسه، ومن يستمع منتبها لأقصي درجة، تلاميذه وأصدقاؤه وأسرته ظل الجميع السبت الماضي في حضور النبيل حلمي سالم، ما بين ذكريات ومستقبل كتب ملامحه في قصائد رائعة وبين صوت وصورة أعادت للجميع دهشة الفراق المفاجئ، «إضاءة» حلمي سالم ظلت تضئ أرواح الجميع منذ السبعينيات وحتي رحيله، وهي الإضاءة التي أهداها لأجيال قادمة علها تعرف يوما قيمته، ذلك الرجل الخلوق الذي لا يحمل أي ضغينة للحياة حتي أنه يصف «الرزايا» بالعطايا.. حاول جمهوره ومحبوه أن يقدموا له التحية ولكن علي طريقتهم الخاصة حين نظم حزب التجمع ومجلة «أدب ونقد» وجريدة «الأهالي» حفل تأبين الرجل المبتسم دائما ذو الأصدقاء الكثيرين الشاعر النبيل الكبير حلمي سالم.. وحضر الجميع حتي نهاية الحفل وحضر هو يرقبنا من أعلي ويحتفظ بابتسامته وينادينا بصوته المميز.

بدأ حفل التأبين بالوقوف دقيقة حدادا علي روحه الطاهرة وبعدها تم عرض فيلم تسجيلي عن حياته علي أصوات كلماته «المحترفة» من قصائده الخالدة، كان عنوان الفيلم «حلمي سالم باق بيننا» وأعدته الزميلة رشا العازر شاكر، تناول ذكرياته من خلال صوره في الجامعة ومع أسرته وأصدقائه وأثناء حصوله علي جوائز أدبية رفيعة ثم صوره مع زملائه وتلاميذه بـ «الأهالي» و«أدب ونقد» علي صوت قصيدته البديعة «ارفع رأسك عالية انت مصري» عقب الفيلم تقدم محمود حامد كلمة خاصة عنه معتبرا إياه مناضلا من طراز تاريخي واصفا كلمته بالمقاومة دائما سواء في مصر أو بيروت، ما بين الحركة الطلابية بالجامعة والمقاومة الفلسطينية ببيروت ظل «سالم» يعزف علي وتر «الحق والعدل والنضال».

يا أنا

ثم تحدث د. رفعت السعيد رئيس حزب التجمع بادئا كلماته بقول «غاية العشق أن يقول المعشوق للعاشق يا أنا.. وحلمي سالم صاح في شرفة ليلي مراد محدثا مصر «يا أنا» فأجابته: «ماذا تريد مني يا أنا؟، أنت مني وأنا منك».

واستطرد «السعيد» قائلا: أصبح حلمي سالم قطعة من هذا الوطن، فاستطاع أن يحقق الحلم والمعجزة بأن يمزج بين إيمانه بالماركسية وإيمانه بالوازع الصوفي واستطاع أن يكون صوفيا يقاتل في صفوف حزب التجمع فكتب عن عشق مصر، فاحت منه رائحة الياسمين وعندما أقامت مصر في ميدان التحرير أقام معها وجلس يحكي لها شعرا ويبدع ما لم يستطع أن يبدعه جالسا في مكتبه، واعتبر «السعيد» رحيل «سالم» علامة لعدم رضاه لما جري في مصر فلم يكن محتملا أن تنتقل حيازة «الأنا» «مصر» إلي آخرين، فمعشوقته ذهبت لتيار متأسلم.

وأضاف قائلا: إن «سالم» استطاع أن يمزج بين عشق الوطن والسياسة والانتماء بالفعل والقول والعمل وكان مناضلا جيدا وشكر السعيد الحضور وأكد أن التجمع سيواصل ذات المعركة التي بدأها حلمي سالم، سيشارك بكلمات ليست بذات المستوي من العشق ولكن سنظل نطل من شرفته ونصرخ «يا أنا» وبعد كلمته أهدي «السعيد» درع حزب التجمع للثقافة والفنون لزوجة الشاعر الراحل «أمل بيضون».

وهنا بدأ جزءاً جديداً من حفل التأبين حيث تقدم الشاعر عيد عبدالحليم ليقدم الاحتفالية واصفا «سالم» بالباني والمعماري الجميل والشاعر المختلف، الأستاذ والصديق والحبيب متذكرا الأمسية الأخيرة «لسالم» بحزب التجمع والتي حرص علي حضورها رغم كل شيء ورغم تحذير الأطباء له بعدم الذهاب إلا أنه فضل أن يمضي علي إقرار بالخروج من المستشفي ويلتقي بأحبائه مقدما نفسه من خلال ديوانه الأخير «معجزة التنفس».. حاضرا يتجدد حضوره علي الدوام.

الصف الأول

فيما تحدث الناقد د. عبدالمنعم تليمة – أستاذ الأدب العربي عن حلمي سالم الشاعر الفذ وقصيدة النثر مؤكدا صعوده ضمن الصف الأول فالشعر العربي متحدثا عن الخيال وطاقات الإبداع واصفا إياه في الوقفة الثالثة لقصيدة النثر وشعر التفعيلة، حيث كتب الشعر المعاصر بكفاءة عالية وموهبة وسيطرة علي الأدوات اللغوية مضيفا «رحل حلمي وقد رحلت معه لأنه يحمل في أربعين عاما ما خفي عن كل أحد فلا يعرف من صغائري وسرائري وحقاياي ما لا يعرفه أحد، رحل حلمي فرحلت معه وإذ بقيت بقي معي بهذه الذخائر التي لا تهدأ.

أما الناقدة فريدة النقاش فقالت عنه: «أحد أصدقاء عمري القلائل الأوفياء، هو رفيق درب طويل مدافعا عن قيم الجمال الخاص في الأدب وفي العلاقات الإنسانية فالمسيرة التي قطعناها معا علي مدي 25 عاما من عمر مجلتنا «أدب ونقد» استشراقا دءوبا لأهداف ثورة 25 يناير والتي أنا علي يقين أنه مات سعيدا لأنه رآها وعاش أصداءها وشارك فيها وكتب عنها وقرأ شعره لفرسانها رآها تمشي علي الأرض ورأي أيضا عملية الانقضاض عليها من «الكابات والعمائم» وألمه ذلك ألما عظيما وإن فجر لديه سؤال المقاومة التي سبق أن قال هو ساعتها «عرفت أن الفقر هو استخدام الفقر لإذلال الروح كما علمنا الحلاج» ومع ذلك ظل حلمي علي يقين أن كل صبح في مآسينا راحل، وبقيت الدولة رغم كل شيء امرأة يأبي جسدها إلا أن يتم نوره»

وأضافت «النقاش» أن «معجزة التنفس» – آخر إنتاجه الشعري – ظلت معجزة بحق ترد علي سؤال الفكر، واستشهدت بحديث حسن طلب عن «الراحل» أحد مؤسسي حركة «إضاءة» والتي منحت للحياة الثقافية أصواتا شعرية مهمة رغم تعثرها الفكري ومحاولتها للخروج من عباءة الماركسية.

قال عنه إنه قاد الطليعة الشعرية من جيل السبعينيات وهي شهادة مهمة في حق «سالم» رغم نزاع عنيف نشأ بين الصديقين اللدودين، فخروج حلمي سالم منطلقا صوتا فريدا في فضاء قصيدة النثر مستلهمة علي العادي رغم قدرته علي الغناء فلا حدود للمغامرة الإبداعية لديه فعشرون ديوانا يمثل إبداعا حقيقيا لديه.

فيما استطردت «النقاش» حول خصائص عالمه الشعري قائلة: إن الشخص جزء لا يتجزأ من السياسي عنده وهي فكرة ما بعد حداثية بامتياز، أيضا اتسم بنزوع إلي التحرر من عالم الفكر بالنزول إلي الأرض والتخلص من الوهم التأملي، مقدما في الوقت ذاته نقدا من وجوه ما بعد الحداثة ولعله يكون الأكثر شيوعا في حديثه عن «سائق الجرافة» الذي قتل الشابة الأمريكية ريتشل كوري حيث وقفت أمام جرافة إسرائيلية في رفح فمنع هدم بيت فلسطيني متخيلة أن جنسيتها الأمريكية ستشفع لها من منع هدم المنزل، ما وصفته «فريدة» بجماليات الذبح التي تنتمي الوجه السلبي لما بعد الحداثة والإمبريالية وتوحش الرأسمالية في حين جعل حلمي من الأحداث اليومية العادية مادة للشعر مدهشة.

سالم من وجهة نظرها يعود إلي الجانب المضيء فيما بعد الحداثة يفتح شباكا واسعا علي التضامن الاممي بين المقهورين والمعذبين في الأرض، وأنهت «النقاش» حديثها باكية إنها لا تصدق نفسها حيث تتحدث عنه بضمير الغائب وتقف أمام كلماته «إن الرزايا عطاء».

أما شاعر العامية سيد حجاب فبدأ حديثه قائلا: أحسن ولاد للحياة ليه بدري بيموتوا».

متحدثا عن الراحل عندما عرفه في ندوة «مجلة الشباب» التي كان يعقدها «حجاب» والتي كان يحضرها حلمي سالم ومن أطلقوا عليهم فيما بعد جيل السبعينيات وكانوا رواداً وصناع هذه الندوة وكان تحديدا حلمي سالم وعلي قنديل يحسنان طرح الأسئلة مضيفا «حياة حلمي تمحورت حول الحرية، الحب، الجمال».

وتحدث د. عماد أبوغازي عن ذكرياته مع حلمي سالم في الجامعة واصفا إياه بالأخ والصديق الأكبر الذي عرفه منذ أربعين عاما في عام 1972 وأول سنة لأبوغازي بكلية الآداب حينما استقبله حلمي مع زملائه المرحبين بالطلاب الجدد وكانت فاتحة خير لحياة جديدة تعرف من خلالها علي أسماء كثيرة ظلت في حياته ومنهم حلمي سالم حيث اشتركوا في الحركة الطلابية 72 – 1973 وكان بالنسبة له أحد رموزها حيث تفتح وعيه السياسي بعد هزيمة 1967، ومن بعدها قابله كثيرا في ندوات وأمسيات نظمتها أسرة «مصر» بكلية الآداب وأسرة «عبدالحكيم الجراحي» في سياسة واقتصاد وغيرها وكانوا يقدمون أشعارهم بجوار جيل سبقهم مثل زين العابدين فؤاد ومحمود الشاذلي ويستطرد «أبوغازي» قائلا: «تعرفت علي وجه جديد لحلمي في هذه الأمسيات يختلف عن الزميل الذي يستقبل الطلاب أو المناضل الثائر في المظاهرات فكان وجه الشاعر، ويروي تفاصيل صدور أول ديوان لحلمي سالم حينما ساهم كل الزملاء في إصداره لطباعه الديوان وكانت فرحتهم كبري وهو الديوان الذي فقد أبوغازي نسخته منه في أول مرة ثم القبض عليه واعتبر الضابط اسم حلمي سالم يستحق مصادرة الديوان.

وتحدث الصحفي محمد فراج أبوالنور عن صداقة عمرها خمسون عاما مع حلمي سالم، وأيضا الشاعر جمال القصاص الذي قدم قصيدة مهداة إليه.

وأيضا الشاعر زين العابدين فؤاد الذي رأي أن الكتابة كانت وسيلة حلمي سالم الوحيدة لمواجهة الحياة.

راويا اشتراكه في حركة الجامعة، المجلات، وارتباطه بالشعر الذي كان محركا أساسيا في حياته، أيضا تحدث عبدالفتاح الشبتي الكاتب الليبي عن حلمي الموقف والإنسان وعن قدرته العالية علي الوصف والكتابة، أما الكاتب العراقي خضير ميري الذي أثني علي أعمال «سالم» الشعرية من الناحية الأدبية والإنسانية.

فيما قدم المطرب أحمد إسماعيل فقرة غنائية من كلمات فؤاد حداد وألحانه.

وقرأ الشاعر عبده الزراع قصيدة عن الراحل وكذلك الشاعرة شيماء بكر.

وتحدث الناقد د. صلاح السروي عن حلمي سالم الإنسان الذي تميز بعشق خاص للحياة وللثقافة قائلا عنه أنه كان عاشقا بامتياز ولذلك أحبه الجميع لأنه تميز بشخصية متسامحة.

التعليقات متوقفه