صفحة من تاريخ مصر: أحمد لطفي السيد.. لغز ديمقراطية الأعيان (11)

89

 

ولأن الصراع ظل بعد ثورة 1919 وأثنائها مشتعلا بين لطفي وجماعته وبين سعد زغلول ورجاله وكان اشتعالا لا تقارب فيه ولا تهادن.. فقد يكون ملائمًا أن نورد رأي لطفي في سعد قبلها بسنوات وتحديدا في عام 1912 وهو عام استقالة سعد زغلول من الوزارة.  ونقرأ “في إبريل 1912 استقال سعد من وزارة العدل ووقفت معه، فأنا من الذين يساندون استقالة الوزراء والموظفين إذا لم يستطيعوا أن يؤدوا واجبهم وكانوا في سراي عابدين وفي قصر الدوبارة (أي قصر الملك، ودار المعتمد البريطاني) متبرمين من سياسة سعد وصراحته وصلابته في الحق وحرصه علي الواجب” (ص82).. ويقول “كان سعد قد دخل الوزارة ليمثل فيها طبقة المتعلمين الأحرار الذين ليس علي عقولهم سلطان إلا للحق، ولا علي قلوبهم الا حب الوطن ونفعة فحقق في وزارة المعارف سلطة المصري وملأ كرسي الوزير بحق وتمكن بقدرته وعلو نفسه من وضع المستشار الانجليزي لوزارته عند حد القانون وحقق آمال الأمة في اكثر ما طلبت فجعل التعليم باللغة العربية وأعاد عهد البعثات وكان من اعماله انشاء مدرسة المعلمين ومدرسة القضاء الشرعي فلما تولي وزارة الحقانية لم يفرط بحقه كوزير حتي كان دفاعه عن اعتقاده مجلبه لتبرم الخديو والانجليز معا (ص83).

ويمضي احمد لطفي السيد في دهاء متعقل فيقول “ومهما قيل في هذه الأيام من أن الوكالة البريطانية كانت تساند سعدًا إلا أنه من المحقق ان الرجل كان في كل اعماله لا يخالف اعتقاده وكان يدافع عن رأيه امام السلطة الشرعية (الخديو) والسلطة الفعلية (الاحتلال) (ص84).. وليأذن لي القارئ أن استعيد عبارات قالها لطفي السيد في ذلك الزمان عن موضوع شبيه بما يثار في أيامنا هذه الآن عن الجنسية المصرية والتمسك بها ورفض أن يكون للانسان جنسيتان. ونقرأ “في نحو 1911 وفد علي مصر رجلان من أعيان الشام ولبنان وهما السيد شكري العسلي من دمشق و”السيد ثابت من اعيان بيروت وكانا يسعيان لضم سوريا إلي مصر وقد لقياني مرارا، ولم أكن متفقا معهما في هذا الرأي، لا لتعذر هذا الطلب فحسب بل  لأني لم أر فيه مصلحة لمصر.. وانتهي الامر بأنهما  لم ينجحا في سعيهما”. ثم يمضي لطفي السيد “وكنت منذ زمن طويل أنادي بأن مصر للمصريين، وأن المصري هو الذي لا يعرف له وطنا آخر غير مصر، أما الذي له وطنان يقيم في مصر ويتخذ له وطنا آخر علي سبيل الاحتياط فبعيد عن أن يكون مصريا بمعني الكلمة وقد دعوت السوريين المقيمين في مصر إلي أن يسجلوا اسمائهم في المحافظة ليكونوا مصريين. فقد كنت اريد أن يتحمل كل مقيم في مصر من الواجبات ما يتحمله المصريون لتحقيق القومية المصرية. وقد كان البعض في الماضي يقولون إن ارض الاسلام وطن لكل المسلمين وهذه رؤية استعمارية. فهي قاعدة تتمشي بغاية السهولة مع العنصر القوي الذي يفتح البلاد باسم الدين” ثم يقول “إن مصريتنا تقضي علينا أن يكون وطننا هو قبلتنا، وأن نكرم أنفسنا ونكرم وطننا فلا ننتسب لغيره والانتساب لمصر شرف عظيم متي كرم اهلوها وعزت نفوسهم فاستردوا شرفها وسموا بها إلي مجد آبائهم الأول (ص85).

ثم يذكرنا لطفي السيد بمولد أول نقابة للصحافة المصرية في عام 1912 وانتخب مسيو كانفييه صاحب جورنال الريفورم بالاسكندرية نقيبا والاستاذ فارس نمر وأنا وكيلين ومسيو فيزييه صاحب جورنال “لوكير” سكرتيرا.. ثم اعلنت الحرب.. وأتت عليها” (ص86).

ولعل نقابة الصحفيين تجري بحثا أكثر عمقا حول هذه النقابة ودورها. (ص87) ونواصل.

التعليقات متوقفه