سياسة أردوغان الخارجية العدوانية:تصرفات تركيا تغلق باب الانضمام للاتحاد الأوروبى.

.روسيا تعتبر أنقرة شريكًا وليس حليفًا..الرئيس التركي يرقص على الحبال بين واشنطن وموسكو

14٬762

ضاق حلف الناتو بتصرفات الرئيس التركى، وكما تحدثت فى الأسبوع الماضى عن ضيق روسيا بالرئيس أردوغان لدرجة أن روسيا خلعت عنه صفة الحليف، واكتفى وزير الخارجية الروسى بكلمة الشريك، وهى درجة أقل بكثير من التحالف. وبدا الأمر أن روسيا ملت هوائية الرئيس التركى، وإذا تمادى فى حرب كاراباخ فإن روسيا قد تقوم بفسخ حتى هذه الشراكة، خاصة أن الرئيس التركى يبحث فى أذربيجان عن مصادر الطاقة ممثلة فى النفط والغاز، وهو ما يعدل الميزان التجارى مع تركيا الذى تجعله السياحة الروسية والمحروقات يميل بشدة لصاح روسيا.

لكن يبدو أن الولايات المتحدة أيضاً بدأت تضيق ذرعاً بتصرفات الرئيس التركى ورقصه على الحبال، فتارة يقوم بتجربة صواريخ ويعد بشراء المزيد من السلاح من روسيا، لتتركه ينجز مهمته فى أذربيجان التى فى حالة نجاحها ستريق موسكو دماء وجهها وتأثيرها فى منطقة جنوب القوقاز، وإن شئت فى وسط آسيا.

عضو مجلس النواب الأمريكى، تولسى جابارد، اقترحت استبعاد تركيا من عضوية حلف الناتو، وقدمت مشروع قرار أدانت فيه تصرفات أنقرة فى التعامل مع أزمة ناجورنو كاراباخ، جابارد أدانت الدعم التركى الواضح لأذربيجان فى العمليات العسكرية الدائرة بين أرمينيا وأذربيجان، كما أدانت سعى تركيا لجلب عناصر إرهابية من “تنظيم الدولة” إلى منطقة النزاع، وأشارت عضو مجلس النواب إلى إسقاط أرمينيا لطائرة تركية من طراز إف ـ 16، وهو ما يثبت أن تركيا تستخدم قواتها المسلحة فى النزاع الأذرى- الأرمينى، هذا فى الوقت الذى يدعو فيه حلف الناتو الطرفين إلى وقف إطلاق النار وحل النزاع بالطرق الدبلوماسية وعن طريق التفاوض.

أشارت عضو الكونجرس كذلك إلى القرار الذى اتخذته كندا بالامتناع عن توريد السلاح إلى تركيا لاحتمال استخدامه فى النزاع بين أرمينيا وأذربيجان.

يذكر أن أرمينيا انضمت لحلف الناتو عام 1952، فى عام 2016 احتلت تركيا المركز الثانى من حيث عدد القوات فى الحلف (411 ألف جندى وضابط)، بينما تحتل الولايات المتحدة المركز الأول بعدد ثلاثة أضعاف عدد الجنود والضباط الأتراك.

من الناحية الاسترتيجية تعتبر تركيا دولة مهمة جداً لحلف الناتو، منذ أن كان الاتحاد السوفيتى موجوداً، وكانت موجهة ضده معظم قوات حلف الناتو، فبالإضافة لوجود تركيا جنوب الاتحاد السوفيتى، فإنها تسيطر على مضيقى البوسفور والدردنيل، ولديها مخارج على البحرين المتوسط والأسود، فيما يتعلق بالأخير فهو يلامس الحدود الروسية، ولهذا حتى اليوم مواقع الناتو قوية بفضل موقع تركيا. حالياً تركيا تدخل ضمن مجموعة قوات جنوب أوروبا والتى تضم كلا من جيوش اليونان والمجر وإيطاليا وأسبانيا.

كما أن أنقرة تنفق الكثير من الأموال على التسليح فى إطار الناتو، منذ أربع سنوات انفقت تركيا 1,56% من الناتج الإجمالى المحلى على التسليح، من الممكن أن يكون المبلغ أقل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لكن المبلع يعتبر كبيرا بالنسبة لألمانيا وإيطاليا والنرويج وإسبانيا، فى العام الحالى 2020 أنفقت تركيا 5 مليارات دولار إضافية على التسليح.

مع الأخذ فى الاعتبار كل هذه العوامل، فإن الولايات المتحدة المعروفة بمدخلها البراجماتى والصبر فى الحصول على مصالحها، من غير المحتمل أن تتخذ إجراء ضد وجود عضوية تركيا فى الناتو، على الأقل فى المستقبل القريب.

لكن البعض اعتبر أن القرار الذى تقدمت به عضو الكونجرس قد يكون مجرد إنذار لأنقرة يوحى بأن صبر واشنطن أوشك على النفاد بسبب تصرفات تركيا، وإذا لم تقم تركيا بالنزول بطموحاتها الجيوسياسية فإن العلاقات مع واشنطن فى المستقبل من الممكن أن تتدهور، وفى تعليق له على العلاقات الحالية بين تركيا والولايات المتحدة قال بوريس روجين المحلل السياسى “على أى حال ورغم عدم الرضا الأمريكى عن سياسة أردوغان، تحاول واشنطن ألا تغلق الباب فى وجه التعاون معه وتراهن على أن هذه السياسة قد تتغير فى ظروف أخرى، واعتبر مشروع القرار الذى تقدمت به عضوة الكونجرس مجرد رسالة لتركيا ولم يعتبره تهديدًا”. من غير المستبعد أن يوافق الديموقراطيون فى الكونجرس على مقترح “جابارد” الخاص بطرد تركيا من عضوية حلف الناتو، لكن لا يضمن أحد أن تتم الموافقة على القرار فى مجلس الشيوخ، حيث الأغلبية من الجمهوريين.

ورغم أن مسألة طرد تركيا من الناتو لم تثر من قبل، فإن مقدمات لهذا قد أثيرت بعد تسعة أيام من بداية الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، وفى السادس من أكتوبر 2020 أعلنت اللجنة الأوروبية أن المباحثات حول ضم تركيا للاتحاد الأوروبى قد وصلت لطريق مسدود، بالإضافة إلى “تراجع أردوغان عن الديموقراطية وسيادة القانون”.

وهناك سبب آخر وهو “سياسة أردوغان الخارجية التى وصفت بالعدوانية”. تركيا أعلنت عن دعمها لأذربيجان فى المعارك وعلى طاولة المفاوضات.بينما كانت بروكسل تتابع الموقف التركى باهتمام بالغ، وفى بيان الاتحاد الأوروبى “يجب على تركيا أن تأخذ فى اعتبارها علاقات حسن الجوار، والاتفاقيات الدولية والتسوية السلمية للنزاعات وفق ميثاق الأمم المتحدة، واللجوء فى حال الضرورة إلى محكمة العدل الدولية”.

لكن يبدو أن هناك طموحات أخرى لأنقرة من الممكن أن تحفز حلف الناتو على طرد تركيا من الحلف، بالإضافة إلى وجود القوات التركية فى سوريا والعراق والتدخل فى النزاع الليبى، أعلن أردوغان فى نهاية الصيف عن خطة لتحويل مدينة فاماجوستا الساحلية فى قبرص إلى تركية بعد أن استولت عليها تركيا عام 1974، بينما يعتبر المجتمع الدولى فاماجوستا مدينة قبرصية، ورغم ذلك لم يعتبر الناتو ذلك سبباً لطرد تركيا من الحلف، لكن منذ ثلاثة أشهر أرسلت أنقرة سفينة بحث وتنقيب عن النفط والغاز إلى البحر المتوسط فى مناطق الحدود الاقتصادية لليونان، وهى دولة عضو فى الناتو والاتحاد الأوروبى، غير أن الولايات المتحدة أخذت الأمر بتساهل على عكس الاتحاد الأوروبى، ودعى وزير الخارجية الأمريكى للتهدئة، ولم يذكر حقيقة السلوك العدوانى لتركيا، غير أن موقف الولايات المتحدة المهادن اصطدم بالتدخل الفج لتركيا فى نزاع ناجورنو كاراباخ، وبخلاف النزاع حول قبرص كان رد فعل واشنطن عاصف على شراء تركيا صواريخ إس- 400 الروسية على اعتبار أن المنظومة الروسية تقوض أمن الناتو، بل ورفضها شراء أطقم باتريوت الأمريكية، وهى بذلك تصرفت ليس كشريك لأمريكا فى الناتو.

لم يكن مشروع قانون عضو الكونجرس تولسى جابارد هو الإنذار الأقوى لأردوغان، فقد صوت مجلس النواب فى الفترة السابقة وعلى إثر شراء الرئيس التركى لصواريخ إس – 400 من روسيا على الاعتراف بالإبادة الجماعية التى ارتكبها الأتراك فى حق الأرمن فى بدايات القرن الماضى، لكن مشروع القانون توقف عند مجلس الشيوخ ولم يتم إقراره، لكن المؤكد أن صبر الولايات المتحدة سينفد فى لحظة ما.

لكن الموقف العجيب هو موقف روسيا من قضية كاراباخ والتدخل التركى فيها، بينما دعا الناتو لوقف إطلاق النار واعتبر التدخل التركى لا علاقة له بالناتو رغم عضوية تركيا فى الحلف، وأثناء منتدى فالداى السنوى السابع عشر، أشار الرئيس بوتين إلى مدخل موسكو لحل مشكلة كاراباخ حيث تدور الآن رحى حرب حامية منذ أكثر من أربعة أسابيع، وفى سؤال عن دور روسيا ومصلحتها فى وقف الحرب بين أرمينيا وأذربيجان قال الرئيس بوتين فى رده على سؤال مستفز إن روسيا لها علاقات تاريخية وعسكرية منذ زمن بعيد بأرمينيا.

لكن الرئيس بوتين أضاف وبأذربيجان أيضاً، وأكد على أنه فى روسيا يعيش ملايين الأرمن والأذريين مثلهم مثل الروس، وأكد على أنه بالنسبة لموسكو كلا البلدين شركاء لموسكو على قدم المساواة، وهو بهذا الشكل قطع الطريق على من يقول إن أرمينيا أقرب لروسيا لكونها مسيحية، وقال إن 15% من سكان روسيا، أى 22 مليونًا هم من المسلمين، لهذا لا تعتبر أذربيجان دولة غريبة بالنسبة لنا.

المهم هنا هو التدخل التركى وعلاقة تركيا بالقرم ورفض أردوغان الاعتراف بها كجزء من الأراضى الروسية قال الرئيس بوتين “إنه مع شريك “أردوغان” ليس فقط أن تعمل معه شيء طيب، ولكنه ينفذ ما يقول وحول عدم اعتراف الرئيس التركى بالقرم كجزء من روسيا قال الرئيس بوتين هناك أيضاً دول كثيرة صديقة لها نفس الموقف، وأشار الرئيس بوتين إلى أن لبلاده علاقات شراكة طيبة ومؤثرة وتتعاون بحرية مع تركيا، كان الرئيس بوتين يرد على من قال إن لتركيا خططا معادية لروسيا من اشتراكها فى حرب جنوب القوقاز، وقال ليس لهذه الفرضية أى أساس.

وقال الرئيس أردوغان ينتهج سياسة مستقلة ومن السهل الاتفاق معه أفضل من الأوروبيين وعقد مقارنة بين السيل التركى الذى تم إنشاؤه وافتتاحه والسيل الشمالى ـ 2 الذى تتعرض فيه أوروبا لضغوط أمريكية مما عطل العمل بالثانى.

ولم يتحدث الرئيس بوتين عما تقوله أرمينيا عن استقدام تركيا لعناصر إرهابية من سوريا وليبيا وهكذا أغلق الرئيس الروسى كل الأمور التى تتعلق بالتدخل التركى فى حرب كاراباخ، معتبراً أن على أرمينيا أن تعيد الاراضى التى استولت عليها حول كاراباخ وتسوية مشكلة الأخيرة على أساس المصالح المشتركة للبلدين.

مما ذكرنا نلاحظ أن أردوغان يغامر فقط بعلاقته بالغرب، خاصة مع الولايات المتحدة بعد تجربة صواريخ إس ـ 400 الروسية، وأزماته مع فرنسا والرئيس ماكرون وقطع علاقته بالاتحاد الأوروبى خاصة بعد تطرفه الدينى الذى يهدد وحدة القارة الأوروبية من خلال خلق محور على أساس دينى فى قلب القارة.

 

 

 

 

التعليقات متوقفه