في ذكرى النكسة..عاطف المغاوري يكتب: قراءة فى جولات الصراع  بمعايير النصر والهزيمة ..(١)

(وباء الصهيونية أخطر من كل وباء)..

221

*بقلم عاطف مغاوري :

تحل على الأمة العربية هذه الأيام، الذكرى(53) للعدوان الإسرائيلي على دول الطوق العربى (مصر / الأردن / سورية)، التى تمثل ذكرى النكسة، نكسة يونيو ١٩٦٧ التى حلت بالحلم العربى لوقف العدوان الصهيوني، واغتصابه فلسطين(1948) وإزالة آثاره باستعادة الحقوق العربية فى فلسطين، والتي فقدت من جراء الهزيمة في حرب 1948، والتي تم تسميتها بالنكبة.
حيث تأتي النكسة بعد مرور(19) عاماً على وقوع النكبة التي لحقت بالأمة العربية، واغتصاب أغلبية الأراضي الفلسطينية، وبما يتجاوز ما تم تحديده لعرب فلسطين فى قرار التقسيم الظالم للحق الفلسطينى181/1947 ، والصادرعن الجمعية العامة للامم المتحدة، وبذلك جاءت النكسة لتمكن الحركة الصهيونية من أرض فلسطين التاريخية، بالإضافة إلى احتلال هضبة الجولان من سورية، وشبه جزيرة سيناء من مصر.
ومن حيث التقييم، وإخضاع جولات المواجهة العسكرية بين الأمة العربية والكيان الصهيونى، والتى انطلقت شرارتها في ١٤ / ١٥ مايو/آيار
من عام 1948، فلم يتمكن الكيان الصهيوني من إلحاق الهزيمة بالجانب العربي في معركة صفرية رغم فداحة الهزيمة، ورغم اختلال التوازن العسكري لصالح الكيان الصهيونى، والإعلان عن قيام الكيان الصهيوني عبر حلقات متتالية، ومرتبطة ببعضها البعض منذ نهاية القرن(19) وانعقاد المؤتمر الصهيونى بمدينة بازل بسويسرا، ومروراً بسايكس / بيكو 1916، ووعد بلفور المشؤوم عام1917، وصك الانتداب الصادرعن عصبة الامم (الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى) لبريطانيا العظمى على فلسطين، والذي ورد فيه وبالنص على أن مهمة سلطة الانتداب، الإعداد والتمهيد لإقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين، و ما تلى ذلك من عقد الهدنة، في أعقاب هزيمة 1948(النكبة) بين الكيان الصهيوني ودول الطوق العربي، كلٍ على انفراد، والتي تحولت فيما بعد حدود الهدنة الى حدود دائمة، نطالب بالعودة إليها بعد هزيمة 1967(النكسة).
وفي الحلقة الأولى لتناول ذكرى النكسة ضمن قراءة لجوالات الصراع، وفقا لمعايير النصر والهزيمة، تأتي الجولة الأولى 1948 :
والتى تم الترويج عنها كذباً بأن الكيان الصهيونى انتصر على الدول العربية، التي قررت خوض غمار المعركة دفاعا عن عروبة فلسطين وشعبها، ومنعاً لاكتمال الجريمة، التي تتمثل في سرقة وطن، واغتصاب حقوق شعبه فى الحياة بكرامة فى أرضه، وبين جنبات وطنه أسوة بباقى شعوب العالم، حيث أن الوثائق التاريخية أثبتت أنه على الرغم من اشتراك عدد غير قليل من الدول العربية فى هذه الحرب، فإن التفوق العسكرى كان للعصابات الصهيونية التي حاربت، وكونت إسرائيل فيما بعد.
وفي هذا الشأن يحدثنا أحد المؤرخين العسكريين العرب، وهو اللواء حسن البدرى في كتابه: “الحرب في أرض السلام” عن حجم الجيوش العربية (إذا جاز تسميتها جيوشاً) على حدود فلسطين في ١٤ مايو / آيار ١٩٤٨، فيقول:  كان إجمالي عدد كتائب الجيوش العربية النظامية ١٤ كتيبة، بإجمالي عدد أفراد (14926) فرداً، وموزعة على خمس قيادات عسكرية، غاب عنها أي تنسيق أو عمل عسكري مشترك، على النحو التالي (مصر والسعودية والسودان واليمن 5000فرد، شرق الاردن 4550فرد والعراق 2500، وسورية1876، ولبنان1000فرد)، مع ملاحظة (أنه مع انسحاب الانتداب البريطاني من فلسطين، انسحبت أغلب الكتائب الأردنية إلى شرق الأردن، ولم يتبق منها فى14مايو/آيار1948 سوى بضع سرايا في منطقة رام الله، وسرية في أريحا، وسرية في نابلس، وسرية فى الخليل).
ثم يتناول اللواء حسن البدري حجم القوات الصهيونية على الجانب الآخر من الوثيقة رقم(6873) من الكتاب الابيض عن “الارهاب الصهيونى” والصادرعن وزارة المستعمرات البريطانية!! والتى قدرت حجم القوات الصهيونية فى يوليو/تموز 1946 أي قبل نشوب القتال بحوالي عامين، وقبل الإعلان عن قيام اسرائيل، وقبل الإعلان عن انتهاء الانتداب البريطاني، والمقرر له فى النصف الأخير من عام 1948.. قوات عسكرية جيدة التسليح تتألف من الهاجاناه والبالماخ وحرس المستعمرات(40000)مقاتل، حرس وطني مدرب على العمليات، له قدرة محدودة على الحركة(16000) مقاتل، قوات ضاربة خفيفة الحركة عالية التدريب من البالماخ(6000) مقاتل، وقوات من الأرجون وشتيرن ونبلى(5000)مقاتل، وبذلك يكون إجمالي القوات الصهيونية(67000)مقاتل في مقابل(14926) مقاتلا عربيا، أما حجم القوات الصهيونية في 14مايو/آيار1948..وحسب تنظيمها الإرهابي التابعة له بإجمالى(32)كتيبة، موزعة على أكبر تنظيمين إرهابيين على النحو التالي ومن حيث عدد الكتائب السابق ذكره: ألوية بالماخ لواءقيادة3ك، لواء النقب3ك، لواء يفتاح 3ك، لواء هارليل 3ك) ـ ألوية هاجاناه(لواء جولانى3ك، لواء كارميلى 3ك، لواءاسكندرونى 3ك، لواءكرياتى 3ك، لواء جفعانى3ك، لواء عتمييونى5ك)، وبالمقارنة بالوحدات فإنها تكون(32)كتيبة صهيونية فى مقابل(14)كتيبةعربية، وباستبعاد الكتائب الأردنية التي انسحبت إلى الشرق مع انسحاب الانتداب البريطاني، تنخفض النسبة إلى الحدود الحرجة، ومن حيث الأداء وحسب ما أورده اللواء حسن البدري فى كتابه السابق الإشارة إليه، فيقول: (وهكذا لم يقتصر الأمر على غموض المهام، وضعف التنسيق والتعاون بين الجيوش العربية، بل زاد الأمر سوءً تبديل المهام في اللحظات الأخيرة قبل الحرب، ثم رفض بعض القيادات الانصياع لأوامر القائد العام لهذه الجيوش)، ثم يستطرد في موضع آخر فيقول”… دأبت إسرائيل، وأبوافها على الزعم بأنها هزمت سبعة جيوش عربية قامت بغزوها يوم مولدها، رغم أن هذا القول يجافي الحقيقة في أربع نقاط كما أوردها فى كتابه
ـ أن القوات العربية التي دخلت فلسطين يوم15مايو/آيار1948 لم تكد تبلغ جميعها حجم الجيش الميدانى الواحد(حجم الفرقة).
ـ المقارنة العددية البحتة تكشف أنها جميعا لم تكن تبلغ ربع حجم القوات الصهيونية.
ـ كما أن الحقيقة التاريخية تؤكد أنها لم تدخل فلسطين يقينا لتغزوها، ولا هي تعدت حدود القسم العربى من قرار التقسيم في أي وقت.
والحقيقة الأخرى والتى أدت إلى زيادة الفجوة بين القوات العربية، والأخرى القوات الصهيونية، هى العوامل النوعية من حيث التدريب، والعقيدة القتالية، حيث أن القوات التي تكونت منها العصابات الصهيونية، شاركت فى الحرب العالمية الثانية، ومن خلال قوات الحلفاء مما أكسبها مهارات، وقدرات قتالية تمنحها تفوقا نوعيا، ولا يمكن تجاهل الجرائم ، والمذابح التى ارتكبتها العصابات الصهيونية، في حق السكان المدنيين من أهالي فلسطين، ودفعهم إلى الهجرة والخروج من قراهم من جراء سياسات الترويع، والفرز، والتطهير العرقي، التى مارستها على مرأى ومسمع من المجتمع الدولى، وأثر ذلك على مسرح العمليات تمهيدا لتنفيذ المخطط الصهيوني، تحت المقولة الضالة والمضللة (شعب بلا أرض لأرض بلا شعب).
ويتم كل ذلك فى ظل غفلة أو تغافل عربى، إذ أنه ورغم الإعلان عن المخططات الصهيواستعمارية للاستيلاء على فلسطين لإقامة الكيان الصهيونى، والإجراءات القمعية لسلطة الانتداب فى حق الشعب الفلسطيني، وحرمانه من أبسط الحقوق التى تكفل له حق الدفاع عن النفس، واتباع سياسات التضيق، والخنق الاقتصادى، وفى الوقت الذى يتم فيه منح اليهود كافة التسهبلات، والمساعدات لإقامة مؤسساتهم التسليحية، والاقتصادية، والقانونية، واستقبال الهجرات اليهودية، برعاية وتمويل الوكالة اليهودية، وإقامة المستوطنات برؤية الوحدات القتالية، وتوفير كافة أنواع الأسلحة لسكانها، في الوقت الذى يتم فيه تجريم حمل السلاح على المواطنين العرب، وعلى إثر ذلك يصدر قرار التقسيم181/1947، مع وضوح تاريخ انتهاء الانتداب البريطانى على فلسطين فى النصف الثانى من عام1948، وفى ظل خضوع الدول العربية للهيمنة والسيطرة الاستعمارية، لم تسلم جيوشها من الخضوع للدول المستعمرة، من حيث القيادة، والتسليح، والإعداد للقيادة الأجنبية، فقد ضنت الدول العربية على قواتها غير النظامية قبل 15مايو/آيار ، ثم على قواتها النظامية بعد، ولم تحرك ساكنا ، أو تبذل جهدا لدرء الخطر قبل وقوعه، رغم وضوح المشهد، حيث كان من المنتظر أن تقوم الدول العربية بالتعبئة لقواتها عددا وعدة، ليناسب ما جهزته الحركة الصهيونية وكيانها الغاصب لفلسطين وحقوق شعبها.
ثم يستطرد اللواء البدرى عرضه للواقع المؤلم الذي عاشته الأمة العربية في مواجهة النكبة1948 ، إذ يذكر في موضع آخر من كتابه (إن جاز لنا أن نطلق اسم”جيش” على أى المفارز الخمس الصغيرة التي أرسلتها خمس دول عربية، لتقاتل فى فلسطين، أو على مجموع المجاهدين الذين ضم صفوفهم جيشا الإنقاذ
والجهاد المقدس، فلا يصح ولو تجاوزا أن نزعم أن ثمة تنسيقا جاداً أو تعاونا مشتركا، قد ربط بين أنشطتها الميدانية، على أى شكل، حيث لم تضمها قيادة متحالفة، أو رئاسة مشتركة، ولا جمعتها وحدة غاية منشودة، أو حافز أو هدف مرتجى، ولا هى حتى اتفقت فيما بينها على مجرد ضبط إيقاع أوجه نشاطها، مما يخدم مصالحها الذاتية، ثم يفيض بالخير على المصلحة العربية العامة فى مسرح فلسطين المحدود.
كما تخلل القتال أكثر من هدنة، حيث استغل السياسيون والعسكريون الصهاينة فرصة الهدنة الأولى لتصفية خلافاتهم وتوحيد صفوفهم، وإعادة تنظيم قواتهم، وتعزيز موقفهم العسكرى فى المسرح السياسى محليا ودوليا، أهدرها العرب فى مشاحنات، ومهاترات زادت موقفهم السياسى والعسكرى تدهورا وضعفا، فتسرب من أيديهم النصر، بقبولهم هذه الهدنة، ثم ألقى عليهم شبح الهزيمة ظله الكثيف .
ولم يتغير الأداء العربى بعد ذلك فى أثناء الهدنات الأخرى التي فرضها مجلس الأمن، وقامت العصابات الصهيونية باغتيال الوسيط الدولي برنادوت، لتزيحه من طريقها حتى تمضى قدما فى إنجاز مخططها المرسوم، وانتقلت المبادأة إلى الجانب الصهيوني تماما، وبذلك اجتاز الصراع العربى الصهيونى بعد أولى جولاته العسكرية، نقطة التحول نتيجة عدة عوامل:
ـ نجاح الكيان الصهيونى فى كسب سباق التسلح، فى الوقت الذى قاربت فيه مخزونات العرب على النفاذ، وخاصة فى الاسلحة والذخائر.
ـ خمود بعض الجبهات العربية، مما ترك قلة منها تواجه جيوش الكيان الصهيونى المتفوقة عليها أصلا فى الكم والكيف.
ـ انفجار الصراع بين الكتل والاحزاب العربية، وتزايد العزلة بينها، مع سريان تيار من الملل في الجبهات الأمامية والداخلية، وانتشار مشاعر الإحباط النفسي نتيجة شائعات كثيرة، عن مكاسب فئة راحت تتاجر بالأسلحة الفاسدة، فتهدر دماء الجنود سدى، وتدفع بالهزيمة إلى صفوفهم.
وكما قال المفكر العربي الكبير”نديم البيطار” فى كتابه الموسوعى”الفعالية الثورية للنكبة” وملخصه أن كل نكبة أو كارثة تحيق بأمة من الأمم، تكون نتيجة للأمراض الاجتماعية والسياسية التى تحيق بها.. وعندما تتعرف المجتمعات على سبب كوارثها أو هزائمها.. فهى تفتح بذلك الطريق إلى تجاوز الأزمة، بكشف السلبيات والثغرات، وإيجاد الحلول الجذرية، لتصحيح المسارات، وإعادة صياغة المجتمع والتصورات والسلوك والمفاهيم، والأمم الناضجة تقوم بالمهمتين معا: النقد والثورة على القديم المهترئ، وهو ما دخلت فيه الامة العربية، والتى وصفت بمرحلة التحرر الوطنى، والتصدى لسياسات الأحلاف الاستعمارية، والتى لم يكتب لها استكمال مسيرة النجاح ، واستكمال أهدافها لأسباب ذاتية، وأخرى وهى الاهم، المؤمرات والمخططات التى نصبت بإحكام، لأصطياد دولها وقياداتها.
ولنستكمل القراءة لجولات الصراع في ذكرى النكسة، لنضع أيدينا على مواضع الضعف، فنسعى مع الخيرين من أبناء الأمة، للعمل سويا لعلاجها، ونصل إلى مواضع القوة، فنعمل من أجل الحفاظ عليها وتعظيمها بعيدا عن لطم الخدود وشق الصدور، وإقامة مأتم النكسة، الذي يقام كل عام من قبل الشامتين، والمتربصين، والثأريين، والمستسلمين لشروط العدو، بمقولة الواقعية! وعدم القدرة على المواجهة ، و99% من أوراق اللعبة في أيدى أمريكا، وقراءتنا لجوالات الصراع على القاعدة التي تحكم كل صراع .. ما بين الصفرية، واللا صفرية، ودور السياسة، والتفاوض فى تعظيم نتائج المعارك، أو إهدارها، وإلى اللقاء.
وسيبقى#وباءالصهيونية أخطر من كل وباء

التعليقات متوقفه