لبنان تنتظر الحكم التاريخى بشأن مقتل ” الحريرى” .. وخبير يكشف تفاصيل جديدة  حول القضية    

206

بعد مرور 15 عاما على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق ، “رفيق الحريري “، في تفجير شاحنة ملغومة ببيروت ، والذى كان بداية لاضطراب الأوضاع الإقليمية، تصدر محكمة أسستها الأمم المتحدة حكمها على أربعة متهمين من حزب الله ، غدا ” الثلاثاء”  في تطور قد يهز البلاد من جديد، حيث ينتظر اللبنانيون ان تسدل المحكمة الدولية الستارعلى بإصدار حكمها في هذا الملف الذي يستحوذ على اهتمام الجميع ، خاصة وان حكم المحكمة لا يتعلق بقضية اغتيال الحريري فقط ،وإنما عملية التفجير نفسها التي أدت لمقتل الوزير السابق باسل فليحان وآخرين وأضرار هائلة، كانت بداية مسلسل إرهابي شمل جرائم أخرى مروعة .

ويستبعد مراقبون انعكاس الحكم المنتظرعلى البلاد لعدة أسباب أهمها أن الاتهام ليس جديداً، بالاضافة الى إن رئيس الحكومة اللبنانية سابقاً سعد الحريري (نجل رفيق الحريري) استبق قرار المحكمة الدولية المنتظر بنشر رسائل تؤكد عدم نيته بالتصعيد، اضافة الى الأوضاع الأمنية المتردية التي يعيشها لبنان منذ 2005، لحظة اغتيال الحريري وما تلاها من اغتيالات وأحداث وهزات أمنية وصولا لانفجار بيروت قبل نحو أسبوعين والذي أطلق عليه “الثلاثاء الأسود”.

من جانبة، قال دكتور” أيمن سلامة ” أستاذ القانون الدولى والدستورى، وأحد الاطراف المشاركة دوليا فى الملف والمعنية به منذ بدايته، إن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، المختصة بملاحقة الجريمة الإرهابية قد حسمت الجدل الفقهى حول تعريف الجريمة الإرهابية في حكمها التاريخى غير المسبوق في 16 فبراير 2011، مؤكدا ان المحكمة قضت بأن الباعث من الجريمة الإرهابية لايقتصر فقط على ترويع وترهيب المدنيين العزل؛ لكن أيضا الابتزاز السياسي والضغط على الأنظمة السياسية والحكومات لتحقيق منافع سياسية،كما وقع في حادث وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم.

واضاف ” سلامة” ان هناك العديد من الصعوبات والتعقيدات التى اطالت امد التحقيق والمحاكمات، اولا الصعوبات الناجمة عن طبيعة القضايا الارهابية ، ثانيا تعقيد قضية الحريرى على وجه التحديد ونطاقها الواسع ، ثالثا ضخامة حجم الملفات التى احالتها السلطات اللبنانية، رابعا ضرورة ترجمة المستندات المحررة باللغة العربية، خامسا الطابع الدولى للاجراءات والصعوبات المتعلقة بهذه الاجراءات، سادسا مصلحة الامن الوطنى اللبنانى.

واوضح ” سلامة “، انه بعد اغتيال الحريرى فى فبراير 2005، طلب ” فؤاد السنيورة” رئيس الحكومة فى ذلك الوقت من الامم المتحدة من مجلس الامن والامين العام للامم المتحدة،  ان ترسل المنظمة بعثة لتقصى الحقائق حول هذا الحادث  المأساوى ، وبين رئيس وزراء لبنان الدولة العضو فى الامم المتحدة بأن السلطات البنانية لا تستطيع الكشف او حتى مقاضاة مرتكبى الحادث ، وان حجم الانفجار الذى وقع هو اكبر من قدرات المؤسسات التحقيقية والامنية والقضائية اللبنانية.

وقال ” سلامة”: اعتبر مجلس الامن فى بيانه الرئاسى ، الذى صدر بتاريخ 15 من فبراير2005، اغتيال الحريرى عمل ارهابى ، وبناء على طلب من مجلس الامن قرر االامين العام بتاريخ 18 فبراير 2005، ارسال بعثة لتقصى الحقائق الى بيروت وعهد برئاستها الى الايرلندى ” بيتر فيتز جيرالد”، وطلب منه وضع التقرير المطلوب.

وحول سؤال ” ما الذى ضمن استمرار عمل المحكمة ونجاحها بالرغم من تشكيك بعض القوى اللبنانية فيها؟، يرى” سلامة”، ان هناك العديد من العوامل التى أمنت وضمنت نجاح استمرار عمل المحكمة على مدار هذه الاعوام الطويلة، اولها ان النظام الاساسى للمحكمة يتضمن ان تراعى هذه المحكمة اعلى معايير العدالة الجنائية الدولية وضمانات المحاكمة العادلة للمتهمين، اضافة الى ان قضية الحريرى بالنسبة لقضاه المحكمة ليست قضية شخصية يريدون استغلالها من اجل تحقيق ما يؤمن لهم الشهرة، فهم يدركون تماما حجم مسئولياتهم ويتصرفون على اساس انهم يمثلون مجلس الامن والمجتمع الدولى والعدالة الدولية فى مواجهة المتورطين فى اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى الاسبق ورفاقه،علاوة على ان مقر المحكمة ليس فى لبنان ومن ثم فمقر المحكمة فى لاهايا مدينة القانون الدولى فى المملكة الهولندية أمن للمحكمة العديد من الاعتبارات والظروف السياقية الامنية المهمة بعيدا عن التجاذبات اللبنانية.

اما عن ما اذا كانت هناك دول اخرى طلبت من الامم المتحدة انشاء محاكم دولية لة نفس المنوال للتحقيق فى جرائم ارتكبت فى اقاليمها “، يقول ” سلامة”، نعم ، الرئيس السيراليونى، ارسل رسالة موجهه للامين العام للامم المتحدة فى العاشر من اغسطس عام 2000، يطلب انشاء محكمة ايضا خاصة بسيراليون ، محكمة مشابهه بمحكمة لبنان ، تتشكل من عنصرين ، عنصر دولى وعنصر من القضاء السيراليونى ، تماما مثل لبنان بحيث يكون ثلثى القضاه دوليين والثلث من القضاه الوطنيين، ولكن اذا كانت المحكمة الخاصة بلبنان مختصة بالكشف عن ظروف وملابسات ومن ارتكب الحادث الارهابى الذى وصفه مجلس الامن بانه حادث ارهابى يهدد السلم والامن الدوليين ، فان الحكمة الخاصة بسيراليون التى انشأتها الامم المتحدة وكان مقرها فى العاصمة السيراليونية “فرى تون” لم تكن تختص بملاحقة جرائم ارهابية ولكن ملاحقة جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ارتكت اثناء الحرب الاهلية التى وقعت وضربت هذا البلد فى نهاية التسعينات فى القرن الماضى.

وقد توجه التحقيق الدولي فى قضية ” الحريرى”،  أولا نحو سوريا، لكن ما لبث أن توقف عن ذكر دمشق، ووجّه الاتهام إلى 5 عناصر في مليشيات حزب الله، بالتخطيط وتنفيذ الاغتيال لكن الأخير رفض تسليم المطلوبين، باستثناء مصطفى بدر الدين، القيادي العسكري السابق في حزب الله والذي قتل في سوريا عام 2016، تقتصر المعلومات عن المتهمين الأربعة الآخرين على ما قدمته المحكمة الدولية،  ولا يُعرف شيئاً عن مكان وجودهم، وقد أسندت للمتهمين الأربعة، سليم عياش ،وحسن مرعي ،وحسين عنيسي ،وأسد صبرا، اتهامات عدة أبرزها “المشاركة في مؤامرة لارتكاب عمل إرهابي، والقتل عمداً، ومحاولة القتل عمداً” ويواجه المتهمون، في حال إدانتهم، السجن المؤبد، حيث أعدت الأجهزة الأمنية اللبنانية ، خطّة استباقية لاحتواء أي تداعيات لقرار المحكمة الدولية، وأطلعت الحريري عليها الذي أبدى بدوره تعاونا.

بينما يرى أنصار الحريري ومنهم ابنه “سعد “، الذي شغل أيضا منصب رئيس الوزراء إنهم لا يسعون للثأر أو المواجهة لكن يجب احترام قرار المحكمة، ليكون يوماً للحقيقة والعدالة من أجل لبنان، ويوماً للاقتصاص من المجرمين، فيما يرى “رشيد درباس”، نقيب محاميي طرابلس السابق، أن الحكم ليس نهائيا ، “أي أن مكتب الدفاع لا شك أنه سيستأنف القرار حتما، والمدعي العام سيستأنف أيضا إذا برّئ المتهمون، بحيث تكون الجلسة الأولى لإعلان الإدانة والثانية للعقوبات، وبعد ذلك يودع الحكم لدى أمين عام الأمم المتحدة، ويتحول إلى وثيقة دولية صادرة عن محكمة تحت الفصل السابع،موضحا ان دور الدولة اللبنانية في هذا الإطار ، سيكون كالاتى” الحكومة ستعمد إلى “تأجيل المؤجل عبر تسلّحها وراء انتظار الاستئناف”.

جدير بالذكر ، ان موعد حكم المحكمة الدولية كان مقررا له 7 أغسطس لكنه أرجئ إلى يوم الثامن عشر من الشهر نفسه بسبب فاجعة انفجار مرفأ بيروت، والتي أدت لسقوط حوالي 200 قتيل وأكثر من 6 آلاف جريح ،وقد أدى اغتيال الحريري إلى احتجاجات شعبية في بيروت وموجة من الضغط الدولي أرغمت سوريا على إنهاء وجودها العسكري الذي ظل قائما في لبنان على مدى 29 عاما بعد أن ربط محقق عينته الأمم المتحدة بينها وبين التفجير، وبعد مطالبات لبنانية بتشكيل لجنة تحقيق دولية، أنشئت المحكمة الخاصة بلبنان تحت الفصل السابع الملزم بمحاكمة المتهمين بتنفيذ الهجوم، في عام 2007، بعد قرار من مجلس الأمن الدولي، وقد اثار تشكيل المحكمة الدولية منذ البداية جدلاً وانقساماً في لبنان بين مؤيدين لها من حلفاء الحريري وآخرين من أنصار حزب الله شككوا في مصداقيتها واعتبروها “مسيّسة”، ومن المرجح أن يحضر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الجلسة في لاهاي، حيث من المفترض أن يتلى الحكم من قاعة المحكمة مع مشاركة جزئية عبر الإنترنت جراء وباء “كوفيد-19”.

التعليقات متوقفه