د.جودة عبدالخالق يكتب:السؤال اللغز: من نحن؟!

396

لقطات

السؤال اللغز: من نحن؟!

د.جودة عبد الخالق

لماذا هذا السؤال: من نحن؟ منذ أيام، أتيح لى أن أجلس مع مجموعة منهم على ضفاف النيل بالمعادى. كان اللقاء احتفاء بصديقى العزيز الدكتور مصطفى الخشاب، استشارى جراحة المخ والأعصاب في نيويورك، بمناسبة زيارته لمصر. كان لقاء جميلا، ضم ثلاثة أجيال من الجنسين (أكبرهم العبد لله وأصغرهم تلميذتى السابقة آمال رضا). كانوا من خلفيات ثقافية متعددة ومواقع عملية متنوعة. وهم جميعا من المصريين المهمومين بالوطن وقضاياه ومصيره. بعد الترحيب والاستفسار عن الصحة والأحوال وكل ما يخص الشأن الخاص، انتقل الحديث تلقائيا ودون أن ندرى إلى الشأن العام. مصر: من أين؟ والى أين؟ المجتمع المصرى وما يمر به من تغيرات وما يعج به من مشكلات. التعليم وقضاياه. منظومات القيم والسلوك المستجدة. المصريون: مصريو الداخل ومصريو الخارج، بل وأيضا مصريو الساحل (بمناسبة موسم الصيف). لكن معظم الحديث دار حول الأجيال الجديدة والتعليم والهوية.

كان الحوار موحيا وملهما. عَبَّرَ معظم الحاضرين عن قلق واضح من “حالة” المجتمع المصرى كما يرونها. وأشاروا الى عدة مظاهر لتلك الحالة. منها تشوش الهوية لدى النشء والأجيال الجديدة، والخوف من المستقبل، والتضارب الواضح في القيم وأنماط السلوك السائدة في المجتمع، والنزعة الصارخة الى العنف. تذكرت وأنا أتابع الحوار الممتد مقالا مهما للأستاذ احمد عبد المعطى حجازى يلقى الضوء على هذه الحالة (“لا أدرى لمن نشكو؟”، الأهرام اليومى، 18 اغسطس 2011). أقتبس من بين ما جاء في هذا المقال: ” نحن نعيش خارج التاريخ، … ، والذى يخرج من التاريخ يخرج من الحياة. نعم، لأن التاريخ القومى  … هو الحياة التى يحياها كل شعب ويلبى فيها حاجاته، … ، ويتعلم منها ما يستطيع به أن يفهم حاضره ويرسم مستقبله.  وهذا لا يتحقق إلا بمعرفة الماضى الذى يهيئ الإنسان لرؤية الحاضر والتنبؤ بالمستقبل”. يبدو أننا أدرنا ظهرنا لتاريخنا.

لاحظت أن أغلب حديث المجموعة كان يحوم حول الهوية والانتماء، بالذات عند الأجيال الصاعدة. من نحن؟ هل نحن مصريون أم مسلمون أم عرب؟ لماذا يفضل النشء الحديث بلغة اجنبية بدلا من العربية؟ إن تشوش الهوية لدى معظم المصريين، خصوصا الأجيال الجديدة أمر بالغ الخطورة. إنه أكبر تحديات أمننا القومى على الاطلاق. إنه أخطر من كل التحديات الخارجية التي تحدق بنا على مختلف الاتجاهات الاستراتيجية. الأمر هنا يتعلق بالذاكرة الوطنية، خصوصا بثنائية الوطن والدين. وأقولها بصراحة موجعة، هناك بيننا من لا يعترف بمصر كوطن خصوصا بين فئة الشباب.  مثلا، بعضهم يرى أننا جزء من أمة الإسلام، وأن انتماءنا يجب أن يكون لدولة الخلافة. هؤلاء يضعون الدين فوق مصر الوطن وقبل مصر الوطن. وهم ينكرون تراثنا القومى في مرحلة ما قبل دخول الإسلام باعتباره دليل الوثنية. بل يتجاهلون تاريخ كفاحنا الوطنى. ولهذا سقطت المناسبات الوطنية الكبرى من ذاكرتنا كشعب. وهذه مصيبة كبرى.

في كتابى “إحياء ذاكرة المصريين”، كتبت أنه منذ عدة سنوات حلت ذكرى السادس من أكتوبر وليلة النصف من شعبان في أسبوعين متتاليين. لكن أحزننى أنه عندما وجهت التهنئة للأهل والأصدقاء بمناسبة 6 أكتوبر لاحظت أن معظمهم لم يكن يتوقعها. بل ان معظمهم لم يتبادل التهنئة مع أحد بهذه المناسبة. والكثيرون أبدوا دهشتهم من تصرفى هذا. في المقابل، كان كل من وجهت اليهم التحية بمناسبة ليلة النصف من شعبان يتوقعها. وكلهم تقريبا تبادلوا التهانى مع الآخرين بهذه المناسبة. فلنتأمل هذه المفارقة عزيزى القارئ: المناسبات الدينية تهم كل الأطراف- حكومة وأهالى، أما المناسبات الوطنية فالناس يعتبرونها مناسبة الحكومة وحدها. ورغم عظمة عيد السادس من أكتوبر، لا يزال مجتمعنا يعتبره مناسبة تخص الحكومة وحدها رغم أن الشعب هو الذى ضحى بالدماء وقدم الشهداء، وليست الحكومة. والسؤال: كيف نعالج هذا التشوش في الهوية؟ والاجابة الموجزة: التعليم والاعلام والسياسات الحكومية. ولهذا حديث آخر.

التعليقات متوقفه