آفاق الحل في الأزمة الأوكرانية وفق خبراء أمريكيين
تقرير يشير إلى إرهاق الغرب بسبب النزاع الأوكرانى الروسى
التقرير لا يستبعد الصدام النووى أو الحرب مع حلف الناتو
المتحدث باسم الكرملين: روسيا حققت أهدافها جزئيًّا من العملية العسكرية
بوتين: يجب دفع القوات الأوكرانية بحيث لا تهدد المناطق التى تسيطر عليها روسيا
تصريحات المسئولين الروس تعنى اتجاه موسكو لتجميد النزاع
تعتبر الولايات المتحدة اللاعب الرئيسى في الأزمة الأوكرانية ومن خلفها بالطبع الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو، ومن ثم فإن افتراضات الخبراء الأمريكيين للتوصل إلى حل أو حلول لهذه الأزمة تحتل مكانة خاصة وتحظى باهتمام الخبراء على مستوى العالم، خاصة بعد دخول الصين بمبادرتها أو موقفها من الأزمة -وفق تعبير الجانب الصينى- واقتراحها مبادرة من 12 نقطة، لم تأخذ حقها من الدراسة من كافة الأطراف رغم أنها تلقى قبولًا مبدئيًّا من بعض الأطراف وإن كان لهم بعض التحفظات.
نشر مركز «راند» للأبحاث في تقرير له تحت عنوان «كيف نتجنب حربًا طويلة: سياسة الولايات المتحدة ومسار النزاع الروسى – الأوكرانى». التقرير يتوقع أربعة سيناريوهات من الممكن أن تتطور على أساسها المواجهة العسكرية الحالية بين كييف وموسكو. كما حاول الخبراء التنبؤ بما يمكن أن ينتهى إليه هذا النزاع، وتطرقوا للخطوات التى من الممكن أن تلجأ إليها واشنطن لتسويته، وإلى القارئ هذه السيناريوهات.
السلاح النووي
السيناريو الأول: أن تستخدم روسيا السلاح النووي.
ويقول التقرير إن روسيا لديها القدرة على استخدام السلاح النووى أثناء العمليات العسكرية، نظراً لأن الكرملين يعتبر هذا النزاع بالنسبة له «مسألة وجودية». ولا شك أن قرار الرئيس بوتين، وفق التقرير، اجتياح أوكرانيا رغم تحذيرات الغرب لروسيا من الآثار الكارثية على روسيا نتيجة هذه الخطوة، إلا أن الرئيس الروسى أظهر أنه مستعد لدفع «ثمن أعلى» واتخاذ “إجراء أكثر قوة” لتحقيق أهدافه في أوكرانيا. وربما إعلان التعبئة العامة في سبتمبر 2022 في روسيا تشير بحسم الرئيس بوتين فيما يتعلق بأوكرانيا.
ويتوصل السيناريو الأول إلى أن إمكانية عدم التصعيد النووى لدى روسيا محدودة، إذا تطورت الأمور على خط الجبهة أو أن تصبح خطوط التماس ليس في صالح روسيا، هنا من غير المستبعد أن يقوم الكرملين باستخدام السلاح النووى، وهذا من الممكن أن يؤدى إلى مواجهة مباشرة بين روسيا والناتو. في تقدير خبراء آخرين هذا السيناريو لا يحظى بدعم كبير لأن الأراضى الروسية سوف تتأثر بالإشعاع النووي، والأراضي التي دخلت روسيا للدفاع عنها في شرق البلاد (لوجانسك ودنيتسك) ستكون أول المتضررين، ولذلك أنا استبعد مثل هذا القرار من جانب موسكو.
روسا والناتو
السيناريو الثانى : بداية حرب بين روسيا والناتو، رغم سعي الغرب الحثيث لعدم الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا، إلا أن ما يحدث في أوكرانيا من الممكن أن يتطور إلى نزاع مسلح بين روسيا ودول حلف الناتو، والدليل على ذلك هو مشاركة عدد كبير من دول الناتو في النزاع بشكل غير مباشر، وهذا واضح من خلال تزويد أوكرانيا بالسلاح والضغط على موسكو اقتصادياً من خلال العقوبات ناهيك عن تدريب الجنود والضباط الأوكران على استخدام السلاح الغربى، إضافة إلى مشاركة خبراء من هذه الدول في إدارة العمليات العسكرية للجيش الأوكرانى. هذا السيناريو محتمل وفق التقرير نظراً لأن عددًا من دول الناتو لها حدود مشتركة مع أوكرانيا وبالتالي فإن اندلاع مواجهة من الممكن أن تحدث حتى بدون قصد، مثل أن يسقط صاروخ روسى على أرض دولة من دول الناتو مما قد يؤدى إلى رد فعل. على أى حال الرئيس بوتين سبق أن أعلن أنه لا يريد مواجهة مباشرة مع حلف الناتو، ونسيت أن أشير إلى أن دول الناتو حذرت كذلك من إصابة أراضيها بالإشعاع سواء من ضربة نووية لأوكرانيا أو إحداث ضرر بمحطة زوبوروجيا النووية ومن ثم فإن سيناريو المواجهة المباشرة سوف يحاول الطرفان تجنبه بأى شكل.
هجوم مضاد
السيناريو الثالث: أن تستعيد أوكرانيا الأراضى التى سيطرت عليها روسيا. لا تألو كييف جهداً في محاولة استعادة الأراضى التى تسيطر عليها روسيا حالياً نتيجة العملية العسكرية التى بدأتها في 24 فبراير 2022، ويشير التقرير إلى أن مثل هكذا سيناريو مفيد للولايات المتحدة لأسباب إنسانية لأن هذا سيعنى استعادة أراضى ستساهم بشكل كبير في تحقيق نمو اقتصادى لأوكرانيا، بالإضافة إلى أن واشنطن كما يقول التقرير تكون قد حققت مبدأ مهمًا وهو الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضى الأوكرانية التى يقول التقرير عنه إن الولايات المتحدة حريصة عليه وفق القانون الدولى.
غير أن الأمر وفق التقرير من الممكن أن يمتد لشهور ومن الممكن لأعوام، نظراً لأن روسيا استطاعت التغلب على قلة الكوادر العسكرية في قواتها المسلحة، بالإضافة بالطبع إلى قيامها بإنشاء حواجز دفاعية بطول خط المواجهة في الأراضى التى تسيطر عليها. على أى حال كما يقول التقرير هذا احتمال ضئيل للغاية أن يقوم الأوكران باستعادة أراضيهم بالقوة حتى الحدود الدولية (أى استعادة القرم كذلك)، لأن روسيا سوف تعتبر فقدان القرم تهديدًا جديًّا لأمنها القومى واستقرارها، ومن هنا حتى لو تمكنت أوكرانيا من استعادة جزء من أراضيها فإن وصولها للحدود الدولية 1991، يعتبر أمرًا شبه مستحيل.
استمرار الحرب
السيناريو الرابع: نزاع ممتد وطويل. ووفق هذا السيناريو أن تستمر العمليات العسكرية لوقت غير محدد، وهذا من شأنه أن يجعل أولويات القوات الروسية هى العمل في المعارك بأوكرانيا، ونتيجة لذلك لن تستطيع روسيا الدخول في نزاعات مع دول أخرى. في نفس الوقت سيؤدى هذا إلى استنزاف القوة العسكرية الروسية والاقتصاد سيضعف، ومن غير المستبعد أن تصبح روسيا أكثر اعتماداً على الصين، وأوروبا ستكون مضطرة لتقليل اعتمادها على الخامات الروسية وفى نفس الوقت ستزيد من نفقاتها الدفاعية.
استمرار النزاع وفق التقرير الأمريكى سيؤدى كذلك إلى مزيد من المعاناة للشعب الأوكرانى، وزيادة أسعار المحروقات والغذاء، بالإضافة إلى تباطؤ النمو الاقتصادى على مستوى العالم. وفى لحظة معينة من الممكن أن تكون المساعدات العسكرية لأوكرانيا غير منتظمة، نظراً لأنه في الوقت الحالى احتياطيات السلاح والذخيرة لدى الأوروبيين والأمريكيين قد انخفضت بدرجة كبيرة ويحاولون الشراء من دول ليست حليفة. وهنا قد يزداد التصعيد ويبرز من جديد الخطر النووى، وقد يحدث نزاع عسكرى بين روسيا وحلف الناتو، علاوة على ذلك فإن الولايات المتحدة بسبب النزاع المستمر في أوكرانيا قد لا تستطيع التركيز على التهديد الرئيسى للأمن القومى الأمريكى – الصين.
3 سيناريوهات
وهنا يبرز سؤالًا تقليديًا ما العمل إذاً؟ وكيف وعلى أى شيء سينتهى هذا النزاع، فالقاعدة تقول إن كل حرب أو نزاع ينتهى على مائدة المفاوضات ولا بد من نهاية للنزاع الحالى، مركز “راند” الأمريكى للأبحاث حدد ثلاثة سيناريوهات لإنهاء العمليات العسكرية في أوكرانيا.
1 ـ انتصار حاسم لأحد طرفى النزاع
2 ـ هدنة ووقف للعمليات العسكرية
3 ـ تسوية سياسية (ليس هناك فرق بين المدخلين الثانى والثالث من الناحية العملية، كما يؤكد المحللون) رغم أن الأوكران من وجهة نظر كافة محلليهم يرفضون الهدنة على أساس أن روسيا ستقوم بتجميع قواها وتستأنف العمليات العسكرية من جديد بعد التقاط الأنفاس.
النصر الحاسم لأحد الأطراف الذى يفترض حدوثه السيناريو الأول، يفترض تشكيل حكومة جديدة في الدولة المهزومة واحتلال أرض للخصم، وهذا من الصعب حدوثه. لكن من الممكن أن تعقد هدنة وتجمد العمليات العسكرية والقيام بمفاوضات لتسوية النزاع. وكما يؤكد مركز “راند” مطالب الطرفين واضحة، موسكو تريد عدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، بينما أوكرانيا تطالب بضمانات أمنية من جانب الدول الغربية بسبب أزمة الثقة بينها وبين روسيا، على أى حال لقد تخطى الطرفان هذه المرحلة وأوكرانيا تقريباً سلاحها في معظمه أصبح غربيا، أى أنها أصبحت في الناتو واقعياً.
لا مفاوضات
المفاوضات في الوقت الحالى غير متوقعة نظراً لأن كلًا من روسيا وأوكرانيا لديه ثقة في أنه سيحقق الانتصار في العمليات العسكرية الدائرة، وكل منهما لديه الأمل في تحقيق انتصار عسكرى. من ناحية أخرى كان يمكن للولايات المتحدة الإسراع في تسوية النزاع، إذا ضمنت حجم الدعم الخارجى الذى ستحصل عليه أوكرانيا، وضمانات أمنها وحيادها وخلق الظروف التى بمقتضاها تقوم الولايات المتحدة بتخفيف العقوبات المفروضة على موسكو. كانت وكالة بلومبيرج قد تقدمت بسيناريو تنبأت فيه بانتهاء العمليات العسكرية في منتصف العام الحالى 2023 أو 2024، لكن حتى الآن لا تبدو هناك أى مؤشرات على اقتراب انتهاء النزاع أو حتى هدنة مؤقتة. على أى حال يبدو أن السيناريوهات الأمريكية جاءت في الوقت الذى كانت فيه أوكرانيا تتفاوض سواء في بيلاروسيا في اسطنبول، الآن تخطت العمليات العسكرية والمطالب الروسية هذه المرحلة، وفى الوقت الذى نرى فيه أن روسيا قد قلصت من أهدافها في العملية العسكرية إلى حد أن الرئيس بوتين حددها في إحدى كلماته بهذا الخصوص بأنه يريد إبعاد القوات الأوكرانية بحيث لا تطال المواطنين في مناطق دنيتسك ولوجانسك، فإن السكرتير الصحفى بيسكوف أعلن أن بلاده “حققت جزئياً أهدافها من العملية العسكرية”، وهو ما يوحى بأن روسيا ترغب في تجميد النزاع بوضعه الحالى. هذا في الوقت الذى يتشدد في الجانب الأوكرانى ويرفع من سقف مطالبه ويريد العودة لحدود 1991، وهذا شبه مستحيل إلا أن التشدد لا يعنى سوى أن رفع السقف سيؤدى حتماً للحد الأدنى المرضى للجانب الأوكرانى، وسبق أن تحدثت أوكرانيا عن تأجيل التفاوض بشأن القرم لمدة 15 عامًا.
التعليقات متوقفه