لا بديل عن الحفاظ على الوضع الحالى فى أوكرانيا..هل يجبر الغرب أوكرانيا على القبول بتسوية؟
بعد الانتخابات فى الاتحاد الأوروبى ستتحدد الصورة فيما يتعلق بدعم كييف عسكريًّا
احتمال نشر قوات بريطانية فى أوكرانيا.. وروسيا تعتبر هذا إعلان حرب عليها
مما لا شك فيه أن العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا وصلت لطريق أقل ما يقال عنه بأنه مسدود، أو بمعنى آخر تجمدت العملية بالنسبة لروسيا وأوكرانيا فى آن معًا. هذا الموقف فى صالح روسيا التى ترغب فى تجميد الصراع إلى أمد غير معلوم على طريقة 2014، فعندما استعادت القرم وكادت الدول الأوروبية أن تستسلم للوضع الجديد، فإن محاولة تنفيذ اتفاقيات مينسك 1 و2 وعدم رغبة أوكرانيا فى تنفيذها، الأمر الذى دفع روسيا للقيام بعمليتها العسكرية فى 24 فبراير 2022، مما جعل الدول الأوروبية تشعر بالخطر ومن ثم إلى التشدد فى مواقفها.
كانت الدول الأوروبية ومن خلفها الولايات المتحدة تتصور أن العقوبات إلى جانب العمليات العسكرية مع إمداد أوكرانيا الكثيف بالسلاح من شأنه أن يجعل روسيا تراجع موقفها وتتراجع. إلا أن روسيا صمدت أمام الضغوط الغربية سواء الاقتصادية أو العسكرية بدرجة امتياز، وكما أعلن الرئيس بوتين أصبح الاقتصاد الروسى من الاقتصادات الخمس الأولى فى العالم وفى نفس الوقت تعقد الأمر بالنسبة لأوكرانيا التى توقفت الولايات المتحدة عن دعمها فى انتظار توافقات بين الحزبين الجمهوري والديموقراطى، خاصة أن حرب إسرائيل فى غزة أصبح لها الأولية فى جدول أعمال واشنطن، أضيف إليها تهديد الملاحة فى البحر الأحمر، هذا بالطبع بالإضافة إلى قضية الهجرة التى تقض مضاجع الجمهوريين ولا يريدون الموافقة على المساعدات العسكرية لأوكرانيا إلا بعد التوصل إلى اتفاق مع نظرائهم الديمقراطيين بهذا الخصوص.
إحباط أوكرانى
الرئيس الأوكرانى الذى على ما يبدو بدأ يشعر بالإحباط توجه فى جولة فى عدة دول مؤيدة له على طول الخط وهى جمهوريات البلطيق ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا لتوقيع اتفاقات سواء تعاون فى تصنيع سلاح أو الحصول على سلاح غربى تحصل عليه الجمهوريات الثلاث بحكم عضويتها فى الناتو وعادة ما تتم عملية إحلال للأسلحة القديمة بأسلحة جديدة، كما أن الموقف على الجبهة الأوروبية بالنسبة لأوكرانيا يظل معقدًا وفيه من الترضيات أكثر ما فيه من الدعم الفعلى، فنجد أن أوكرانيا تحصل على حق التفاوض للانضمام للاتحاد الأوروبى وهو الأمر الذى لن يحدث فى أحسن الأحول إلا بعد عام 2030، وتحصل على وعود بإمكانية أن تحصل على 50 مليار يورو مساعدات أوروبية رغم اعتراض المجر.
الدفاع الإستراتيجي
الولايات المتحدة من الناحية العسكرية دعت أوكرانيا إلى خطة عسكرية جديدة سمتها “الدفاع الإستراتيجي” وهى تتلخص فى أن تلجأ أوكرانيا فى المرحلة الحالية للدفاع النشط باعتبار هذا هو ما سيجبر روسيا على اللجوء للتفاوض وفق الرؤية الأمريكية، بينما يرى الأوكران أن احتفاظ روسيا بالأراضي التى تسيطر عليها سيجعلها تقوم بعملية “روسنة” لهذه الأراضى وسيصبح من الصعب على أوكرانيا استعادتها ولو استعادتها فسيكون من الصعب عليها السيطرة على مواطنيها الذين أصبحوا مواطنين روسًا لا يمكن التعامل معهم بسبب ولائهم الكامل لروسيا. تحدث الرئيس الأوكرانى عن مسألة تجميد الصراع وقال إن بلاده ترفض هذا الأمر جملة وتفصيلًا وأشار إلى أنه إذا تجمد النزاع فإن روسيا ستلتقط أنفاسها وتعود من جديد لاستئناف العمليات العسكرية حتى تحقيق أهدافها.
تقسيم أوكرانيا
يعتقد بعض الخبراء أن الهجوم الواسع الذى تشنه روسيا فى الوقت الحالى فى شرق البلاد يهدف إلى تقسيم أوكرانيا بخط فاصل طبيعى هو نهر الدنيبرو، بحيث تكون الضفة اليسرى من النهر روسية بما فيها من مدن وتشمل مدنًا كبيرة مثل زابوروجيا وخاركيف وجزءًا من العاصمة كييف وبالطبع دنيتسك ولوجانسك، بينما تكون الضفة اليمنى من النهر فى أيدي أوكرانيا وهو أمر لو تحقق لضاعت الدولة الأوكرانية ولا يضمن أحد ألا تسيطر روسيا فى المستقبل على كامل الدولة الأوكرانية. الموقف ملتبس فروسيا تتفنن كل يوم فى اختراق الدفاعات الجوية الأوكرانية مع عدم تجديدها وإمداد كييف بالذخائر المطلوبة، فى نفس الوقت هناك أزمة فى القوى البشرية المقاتلة التى تعانى منها أوكرانيا وقانون التعبئة تمت إعادته للبرلمان مرة أخرى لعيوب به وستجرى مناقشته من جديد ناهيك عن أن عددًا ضخمًا من الشباب فى سن التجنيد فروا خارج البلاد فى الأيام الأولى للحرب ومن الصعب إجبارهم على العودة.
الموقف الأمريكى
فيما يتعلق بالأمريكيين الموقف مرتبط بقضايا داخلية أهمها الهجرة من الجنوب وخارجية غزة وكوريا الشمالية وتايوان، وبالنسبة للاتحاد الأوروبى المشكلة فى المنظومة فالقرار لابد أن يتخذ بالإجماع مما جعل المجر التى لها بعض القضايا التاريخية مع أوكرانيا من ناحية واحتياجها للنفط والغاز الروسيين جعلا منها حريصة على اتخاذ مواقف معرقلة لأى قرارات تتعلق بمساعدة أوكرانيا وهى معذورة فى هذا فهى دولة غير مطلة على البحر ومسألة إمدادها بالمحروقات لا تتم إلا عبر الأنابيب القادمة من روسيا، ثم تأتى سلوفاكيا التى صرح رئيس وزرائها بأن أى عقوبات توقع على روسيا من قبل الاتحاد الأوروبى تنعكس بالضرر على بلاده لن يوافق عليها، هذا بخلاف ما يمكن أن تسفر عنه أى انتخابات قادمة فى دول الاتحاد الأوروبى ومن توقعات بصعود تيارات شعبوية قد تقلب الطاولة على استراتيجية أوروبا فيما يتعلق بأوكرانيا.
تأخر المساعدات
ربما يكون هذا ما دفع الرئيس الأوكرانى زيلينسكى لأن يصرح بأن تأخر المساعدات العسكرية لأوكرانيا سيجعل الغرب يخسرها، وهو هنا يشير إلى الشروط التى يضعها الغرب على توريد السلاح لأوكرانيا فعلى سبيل المثال صواريخ “أتاكمس” الأمريكية البعيدة المدى نسبيًّا والشروط التى تضعها الولايات المتحدة والتى تحرم على أوكرانيا استخدامها فى ضرب أهداف داخل روسيا، ونفس الشيء ينطبق على صواريخ “توروس” الألمانية التى وعدت برلين بتزويد أوكرانيا بها ثم تردد المستشار الألمانى ولا أتحدث عن طائرات إف ـ 16 التى وعد الغرب بها كييف ولم ينفذ وعده حتى الآن رغم تدريب الطيارين الأوكران.
فيما يتعلق بروسيا الأمور لا تعتمد على استيراد سلاح من الخارج بل هو يأتي من حلفاء مثل إيران وكوريا الشمالية ودون أى تردد لأن الدولتين معاديتين للغرب والولايات المتحدة الداعمين الرئيسيين لأوكرانيا، وفى حين يرجو الرئيس الأوكرانى الغرب إرسال 6 بطاريات صواريخ باتريوت لسد ثغرات فى الدفاعات الجوية الأوكرانية، لا يجد استجابة لطلبه، وربما لهذا السبب ذهب فى زيارة عمل لجمهوريات البلطيق.
اعتقاد الغرب
وإذا كانت روسيا كما يقول بعض المراقبين قد دفعت إلى العملية العسكرية فى أوكرانيا بسبب الاستفزازات الغربية، حيث كان الغرب يعتقد بأن روسيا ستنهار تحت وطأة العقوبات الاقتصادية والحصار، إلا أنه أخطأ فى الحسابات، وصمدت روسيا والغرب يبحث لنفسه عن مخرج من الورطة التى وضع نفسه فيها خاصة الولايات المتحدة التى وجدت نفسها فى موقف حرج أمام حلفائها الأوروبيين، خاصة أن الانتخابات الأمريكية لا أحد يعلم ما قد تسفر عنه ، وأهم التخريجات ما تحدثت عنه وسائل إعلام حيث أشارت إلى ما طرحه مركز “راند” للتحليل السياسي عن أربع خطوات لتسريع عملية حل الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا، وتحت عنوان “كيف نتفادى حرب طويلة ـ سياسة الولايات المتحدة وتناولها للنزاع الروسى ـ الأوكرانى”. الخطوة الأولى: وفقًا للوثيقة الأمريكية توضيح المساعدات المستقبلية التى ستحصل عليها أوكرانيا. الخطوة الثانية: الالتزام بضمان أمن أوكرانيا. الخطوة الثالثة: ضمان حياد أوكرانيا. الخطوة الرابعة: خلق ظروف لتخفيف العقوبات على روسيا.
2 سيناريوهات
محللو مركز الدراسات افترضوا ثلاثة سيناريوهات لنهاية النزاع الأول منها انتصار ساحق لأحد الطرفين، والثانى هدنة ووقف العمليات العسكرية وبدء مفاوضات تسوية، وأكد الخبراء فى نفس الوقت على أن النزاع الطويل الأمد ليس فى مصلحة واشنطن. يبدو أن الجميع لا يجدون مخرجًا من الوضع الراهن، لا الغرب قادر على تقديم الدعم العسكرى لأوكرانيا حتى النهاية، ولا أوكرانيا قادرة على تحقيق نصر تكتيكى يدفع روسيا لقبول التفاوض حتى بنصف شروط أوكرانيا، والأوروبيون يعانون من مشكلات داخلية وفى نفس الوقت لا يستطيعون التخلى عن أوكرانيا التى أوهمتهم أنها مصد يدفع عنهم هجوم الدب الروسى ويجب عليهم مساعدتها، والولايات المتحدة رضيت أم لم ترض فإنها يجب أن تساعد أوكرانيا وإلا ما دورها فى أوروبا فقد يفقد الأوروبيون الثقة فيها وقد يقومون ببناء جيش خاص بهم للدفاع عن القارة والتخلى عن الدور الأمريكى فى حمايتهم، أشياء كثيرة يجب الانتباه إليها قبل أن نقول الموقف انتهى إلى هذا الحد، كل طرف له مصلحة فى انتصار هذا الطرف أو ذاك، ومهما قيل عن ملل الغرب من مساعدة أوكرانيا إلا أنه لا بديل له عن ذلك، فهو خرج بهزيمة مذلة من أفغانستان وإذا خسر معركة أوكرانيا سيفقد هيمنته لصالح روسيا والصين وقوى جديدة قد تظهر، لكن وكما ذكرت من قبل تدخل الناتو فى أوكرانيا حتميا، والدليل زيارة رئيس وزراء بريطانيا ريشى سوناك لكييف وحديثه عن إمكانية نشر قوات بريطانية فى أوكرانيا وفق اتفاقية ستوقعها لندن مع كييف، وهو ما دعا ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومى الروسى للتصريح بأن بلاده ستعتبر هذا إعلان حرب على روسيا من جانب بريطانيا، مع مرور الأيام وتحسن الظروف المناخية قد نشهد تطورات جديدة.
التعليقات متوقفه