الاقتصاد الروسي في العام الجديد 2024:المجمع العسكري الصناعى قاطرة الاقتصاد الروسي في الأزمة الحالية
رغم العقوبات الاقتصاد الروسي يحتل المركز الخامس عالميا والأول أوروبيًّا
نظرة الغرب لمستقبل الاقتصاد الروسي متشائمة … لكن الخبراء الروس يرون غير ذلك
إعداد للحزمة 13 من العقوبات يدل على أن الاقتصاد الروسي لم يتأثر كثيرًا
مما لا شك فيه أن الاقتصاد الروسي صمد صمودًا لم يكن حتى أكثر الخبراء تفاؤلًا يتوقع أن يصمده، خاصة مع العقوبات الغربية غير المسبوقة التي فرضت على روسيا ليس الآن فقط ومع العملية العسكرية في أوكرانيا ولكن منذ عام 2014، عندما استعادت روسيا شبه جزيرة القرم.
ففي منتصف ديسمبر من العام الماضى، قامت إدارة مراقبة الأصول لدى وزارة المالية الأمريكية من جديد بتوسيع قائمة العقوبات على روسيا، هذه المرة طالت العقوبات 200 شركة ومواطن روسي، ضمت القائمة عددًا من رجال الأعمال الروس المعروفين وبعض المصانع العسكرية الضخمة، والطريف أنه ضمن قائمة المصانع التي فرضت عليها عقوبات مصنع “تامبوف” لإنتاج الخبز، قد يعتقد البعض أن المصنع أصابته العقوبات بدعوى أنه يقوم بتوريد خبز للعسكريين الروس، لكن، لا، فقد تبين أن مصنع الخبز يقوم بتجميع طائرات مُسيرة إلى جانب مهمته الرئيسية في إنتاج الخبز.
تجميع الطائرات
وكما تقول إدارة الرقابة التابعة لوزارة المالية الأمريكية إن خمسة من العاملين الذين يقومون بإصلاح معدات وآلات المصنع بالإضافة لعملهم يقومون بتجميع طائرات مسيرة في غرفة صغيرة من المصنع، كما قال ذلك نائب المدير العام لمصنع “تامبوف” لإنتاج الخبز الكسندر روديك لبعض الصحفيين من قناة “روسيا ـ 1″، وكما قال إن ثمن الطائرة المسيرة الواحدة نحو 50 ألف روبل مشيراً إلى أن دخل المصنع من إنتاج المسيرات في الشهر نحو 12 مليون روبل، وهذا يعادل تقريباً ربع إنتاج المصنع من الخبز والمخبوزات الأخرى شهرياً.
وكما ذكر روديك إن المسيرات يشتريها بعض “المتطوعين” ويرسلونها إلى العسكريين في الجيش الروسي، عند هذا وتتوقف المعلومات فلا أحد يعرف ما إذا كان إنتاج المسيرات مربحًا أم لا ولا بأي رأس مال ومن أين بدأ الإنتاج، ولا يعرف أحد من أين يأتي المصنع بأجزاء الطائرات، فيما يقول بعض العارفين ببواطن الأمور إنهم يشترونها من جنوب شرق آسيا. وكما تقول قيادة المصنع أنه إذا تعاقد المصنع مع وزارة الدفاع فإنه سيكون لديه القدرة على إنتاج كميات كبيرة من المسيرات التي تخدم القوات المسلحة؟ المسيرات التي ينتجها المصنع ليست عالية التقنية، لكن لديها قدرة على المراقبة والتصوير ويمكن أن تحمل قنبلة لإلقائها على أى هدف.
معدات عسكرية
كما يقول بعض الخبراء إن حالة الاقتصاد الروسي خلال العام المنصرم 2023 تشبه إلى حد كبير مصنع الخبر في “تامبوف”، فالقطاع العسكرى ليس ضخماً مقارنة بنظيره المدنى، ومن ثم فهو يحاول اجتذاب الأموال والأشخاص إليه ويحاول كذلك لفت انتباه السلطات، نتيجة ذلك تحاول المصانع العسكرية إنتاج معدات بمعدلات غير مسبوقة، وكما يقول بعض الخبراء من هذا المنطلق تحول المجمع العسكرى الصناعي مقارنة بالصناعات المدنية، التي تقاعست بعض الشيء إلى قاطرة للاقتصاد الروسي ككل، لكن تمويل ومصروفات المجمع العسكرى الصناعى غير شفافة والإنتاج يعتمد على الاستيراد، ولزيادة الإنتاج أو حتى الحفاظ عليه بالمعدلات السابقة فإن الأمر يحتاج إلى زيادة في ميزانية المجمع العسكرى الصناعى.
ويتوقع بعض الخبراء أنه لأول مرة في العام الحالى 2024 في تاريخ روسيا الحديث، سيزيد الإنفاق العسكرى عن الإنفاق على المجالات الاجتماعية الأخرى التقليدية والمعروفة، حيث ستقوم الحكومة بتمويل العملية العسكرية بأي شكل وعلى حساب أى بنود إنفاق أخرى في الموازنة، ليس هناك أى اندهاش لأن روسيا كما قلت وأكثر من مرة أنها تخوض حربًا مصيرية ضد الهيمنة الغربية وهى حريصة على ألا تخسر هذه المعركة بصرف النظر أين تدور رحى هذه الحرب.
الاقتصاد والحرب
على أى حال ليس كل الإنفاق على العملية العسكرية ضار بالاقتصاد، فخلال العام الماضى حققت روسيا حوالى 3,5% معدل نمو في الناتج الإجمالي المحلى الداخلي رغم تعرضها لعقوبات غربية وحصار لم تتعرض لهما دولة من قبل. وفي شهر سبتمبر من العام الماضى توقعت وزارة التنمية الاقتصادية الروسية معدل نمو يقدر بنحو 1,2%، ثم رفعت توقعاتها إلى 2,8%، ومع شهر ديسمبر من العام الماضى رفعت التوقع إلى 3,5%، على أى حال زيادة معدل النمو لأكثر من 3% يعنى أن الاقتصاد الروسي بدأ الهبوط على غرار الذى حدث في عام 2022، حينها انخفض الناتج الإجمالي المحلى إلى 2,1%، ورغم أن خبراء كثيرين يتحدثون عن أن النمو الذى حققه الاقتصاد الروسي جاء بفضل الإنفاق على “الأمن القومى” الذى زاد على 30% عما كان مخططًا له أى نحو 6,4 تريليون روبل.
طفرة كبيرة
ويعتقد بعض الاقتصاديين الروس أن العام الجارى 2024 سيشهد طفرة كبيرة في الإنفاق العسكرى الروسي حيث خصصت روسيا نحو 10,8 تريليون روبل ميزانية عسكرية، بالإضافة إلى 3,4 تريليون روبل للأمن القومى وقوات الأمن وهو ما يمثل نحو 40% من إنفاق الموازنة العامة للدولة.
لكن هذا لا يعنى أن الإنفاق العسكرى هو كل الاقتصاد الروسي، ففي عام 2023 ساهم المجمع العسكرى بنحو 6% من الناتج الإجمالي المحلى، ومن المتوقع هذا العام أن يساهم بنحو 8% من الناتج الإجمالي المحلى. ينظر بعض الاقتصاديين بشك فيما يتعلق بمساهمة المجمع العسكرى الصناعى بنسبة كبيرة في الناتج الإجمالي المحلى على سبيل المثل البروفيسور سيرجى جوريف الذى قال إن النمو في القطاع العسكرى سيأتي على حساب القطاع المدنى.
الجميع يعرف أن ظروف المجمع العسكرى الصناعى أسهل كثيراً فيما يتعلق بتمويل الإنتاج لأنه يحصل على الأموال من الميزانية مباشرة، بينما القطاع المدنى يحصل على بعض التمويلات من خلال القروض وبفائدة وفق سعرها في السوق. وارتفاع الإنفاق في المجمع العسكرى الصناعى ناتج عن ارتفاع الرواتب ودفع مستحقات للعسكريين وأسرهم وهو ما ساهم في زيادة الإنفاق العسكرى في الاقتصاد وأصبح أكثر بكثير من الإنتاج في القطاع المدنى. نتيجة لهذا ارتفعت نسبة التضخم حيث بلغ عام 2023 نحو 7,5%، بينما قدرها المواطنون بنحو 17% في ديسمبر الماضى.
الإنفاق العسكرى
أما فيما يتعلق بالتوقعات للعام الجارى، من المتوقع ألا يحقق الإنفاق العسكرى معدلات النمو التي حققها في العامين الماضيين، حيث رفع الإنفاق العسكرى بدرجة كبيرة عما كان عليه في العامين الماضيين، ومع ذلك معدل النمو سيكون كما هو متوقعًا أكثر تواضعاً، وفق البنك المركزى الروسي 0,5% ـ 1,5% بينما تتوقع وزارة التنمية الاقتصادية نسبة نمو 2,3%، بينما معدل النمو في الوقت الحالى يقدر بنحو 1,5%.
لكن ورغم النظرة المتفائلة للرئيس بوتين الذى أعلن أن الاقتصاد الروسي يحتل حالياً المرتبة الأولى على مستوى أوروبا والخامسة على مستوى العالم، فإن بعض الاقتصاديين مثل يفجينى نادورشكين قد نصح الشعب الروسي في العام الجارى ألا يحاولوا الحصول على قروض، وأن يركزوا على الادخار.
نادورشكين يتوقع استمرار نمو النشاط الاقتصادي وكذلك زيادة الطلب والاستثمار، إلا أن هذا سيؤدى إلى صعوبة الحالة في سوق العمل ومن ثم زيادة التضخم، ويقول بعض المحللين إن العام الماضى انتهى بتحقيق نمو أعلى من 3% مما سيؤدى إلى انخفاض في العام الحالى 2024، بل يتوقع البعض ركودًا في النصف الأول من العام الجارى تحت تأثير ما يطلق عليه “سخونة” الاقتصاد في العام الماضى.
نمو رغم العقوبات
وسائل الإعلام الغربية أعربت عن دهشتها من النمو الذى حققه الاقتصاد الروسي في العام الفائت أكثر من 3% وقالت إن هذا تخطى لكل الحواجز رغم العقوبات المفروضة على روسيا. وكالة بلومبيرج قدرت نمو الاقتصاد الروسي في الربع الأخير من العام المنصرم 2023 وقالت إن الجزء غير المالى في الناتج الإجمالي المحلى الروسي إنه يتراوح من 5 ـ 5,5%، وهذا يعنى نمو الاقتصاد في حدود 3 ـ 3,5% كمحصلة للعام 2023، وهو ما أعلن عنه الرئيس بوتين. المساهمة الأساسية في النمو ستكون نتيجة تجارة الجملة والصناعات العسكرية وستمثل من الناتج الإجمالي حوالى 9,5% (صناعات كيميائية وماكينات ومعادن). يتوقع اقتصاديون استمرار ما يسمى “سخونة” الاقتصاد، والذى سيؤدى بالإضافة لتحقيق نمو في الناتج الإجمالي المحلى، سيكون له كثير من التأثير السلبى على الصناعة، سيظهر تأثير هذه السلبية في الفترة 2024 ـ 2025.
عقوبات جديدة
التوقعات تظل توقعات لكن الواقع في نهاية الأمر هو الحكم، في تقدير الكثير من الخبراء أن تحضير الغرب لحزمة عقوبات جديدة هى الثالثة عشرة منذ النزاع الروسي – الأوكرانى هو بلا شك يعطى انطباعًا بأن الاقتصاد الروسي تغلب بالفعل على العقوبات السابقة وإن كان يعانى بعض الصعوبات، كما أن الأزمات التي مر بها جعلت دولًا حليفة تهرع لمساعدة روسيا مثل أزمة البيض الأخيرة ولحوم الدجاج ما جعل دول مثل تركيا وأذربيجان وكازاخسان تسد النقص على الفور الأمر الذى فسره الرئيس بوتين بأن القدرة الشرائية للمواطنين زادات مع زيادة الرواتب وهو ما شكل ضغطًا على سلع بعينها خاصة مع فصل الشتاء.
التعليقات متوقفه