بعد أكثر من 100 يوم من القصف.. هل تقضي إسرائيل فعلًا على حماس؟
تشير تقديرات وكالات الاستخبارات الأمريكية إلى أن القوات الإسرائيلية قتلت ما بين 20% و30% من مقاتلي حماس، وهي حصيلة لا تحقق حتى الآن هدف إسرائيل المتمثل في تدمير الحركة، وتظهر قدرتها على الصمود بعد أشهر من الحرب التي دمرت مساحات كبيرة من قطاع غزة.
على جانب آخر وجد التقدير الأمريكي لخسائر الجماعة أن حماس لا تزال تمتلك ما يكفي من الذخائر لمواصلة الهجوم على إسرائيل والقوات الإسرائيلية في غزة لعدة أشهر، وأن الحركة تحاول إعادة تشكيل قوات الشرطة في أجزاء من مدينة غزة، وفقًا لمسئولين أمريكيين عبر تقرير سري نشر في غضون أيام.
واعترف المسئولون الإسرائيليون بأنه على الرغم من الحملة الجوية والبرية العدوانية داخل غزة التي قتلت الآلاف من المدنيين، إلا أنهم لم يحققوا هدفهم المتمثل في تدمير حماس، الحركة التي تدير غزة منذ الإطاحة بالسلطة الفلسطينية في عام 2007. وقال محللون عسكريون إن مقاتلي الجماعة عدلوا تكتيكاتهم وعملوا في مجموعات أصغر واختبأوا بين كمائن للقوات الإسرائيلية، في حين من المرجح أن يتولى المقاتلون الأفراد المزيد من المهام لتعويض عن مهام رفاقهم القتلى.
سحبت إسرائيل آلاف الجنود من غزة بعد ضغوط من الولايات المتحدة للانتقال إلى معارك أكثر دقة وأقل تأثيرًا على المدنيين في حربها ضد حماس، لكن مسئولين عسكريين يقولون إن الحرب قد تستمر لعدة أشهر أخرى. أثار بقاء حماس تساؤلات داخل إسرائيل والأراضي الفلسطينية وخارجها حول ما إذا كان بإمكان إسرائيل تحقيق أهدافها العسكرية.
في غضون ذلك، بدأ مسئولو إدارة بايدن في تقليص توقعاتهم بشأن الحرب، مما أدى إلى تراجع حماس كتهديد أمني من تدميرها التام. وحثت الولايات المتحدة إسرائيل على تحويل الحرب نحو عمليات أكثر دقة تستهدف قيادة حماس وليس تدمير القطاع.
على الرغم من أن حماس تكبدت آلاف الخسائر البشرية، وفقًا للتقييمات الأمريكية والإسرائيلية، إلا أنها قادرة ببساطة إلى النجاة من هذا الصراع، كما قال مسئولون عسكريون إسرائيليون حاليون وسابقون.
وقال مسئول عسكري إسرائيلي كبير عن استهداف حماس:” ليس عليك الفوز،عليك فقط ألا تخسر”.
خسائر حماس
أسفر هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر عن مقتل أكثر من 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وأخذ أكثر من 200 آخرين كرهائن. ودفع ذلك إسرائيل إلى محاولة اقتلاع المجموعة بالكامل والقضاء عليها كتهديد لأول مرة. قبل ذلك، اعتبر معظم المسئولين والمحللين الإسرائيليين والأمريكيين أن حماس تشكل تهديدًا يمكن التحكم فيه.
أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من 25 ألف فلسطيني، ثلثهم من الرجال، وفقًا لمسئولي الصحة الفلسطينيين. وقد فر حوالي 1.9 مليون من سكان غزة، أي حوالي 85 ٪ من سكان القطاع ، من منازلهم، وفقًا لمكتب الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة. ولا تميز أرقام وزارة الصحة الفلسطينية بين المقاتلين والمدنيين.
وفي نفس السياق, نفت حماس أن تكون قواتها قد تكبدت خسائر فادحة، دون إعطاء أرقام محددة عن عدد مقاتليها الذين سقطوا.
قدرت الولايات المتحدة أن حماس، وهي منظمة صنفتها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، كان لديها ما بين 25000 و 30000 مقاتل قبل الحرب بالإضافة إلى الآلاف من قوات الشرطة والقوات الأخرى. كما قدرت إسرائيل أن المجموعة تضم 30.000 مقاتل أو أكثر.
و هذا التقدير الأمريكي لعدد المقاتلين المتبقين لدى حماس، الوارد في تقرير سري في وقت سابق من هذا الشهر، مستمد من الاتصالات التي تم اعتراضها لقيادات حماس، وتحليل الأنقاض في غزة، ومراقبة الطائرات بدون طيار، والمعلومات الاستخباراتية التي قدمها الإسرائيليون.
لدى الجيش الإسرائيلي تقديرات أعلى قليلًا: فقد قدر أنه قتل حوالي 9000 من مقاتلي حماس في غزة منذ بدء الحرب إلى جانب أكثر من 1000 خلال أكتوبر, أي ما يصل إلى حوالي 30 ٪ من إجمالي القوة القتالية للمجموعة. كما أن تقييم إسرائيل لعدد الجرحى من مقاتلي حماس الذين تم إخراجهم بشكل دائم من القتال أعلى بكثير من تقييم الولايات المتحدة.
يقدر المسئولون الإسرائيليون أن ما يصل إلى 16,000 من مقاتلي حماس قد أصيبوا وأن حوالي نصف هؤلاء لن يعودوا إلى ساحة المعركة، وفقًا لمسئول عسكري إسرائيلي كبير. وقال مسئول أمريكي مطلع على التقييم إن تقديرات الولايات المتحدة تشير إلى إصابة ما بين 10500 و11700 متشدد وإن العديد منهم قد يعودون في نهاية المطاف إلى ساحة المعركة.
قتل حوالي 190 جنديا إسرائيليًا في غزة منذ بدء الحملة البرية الإسرائيلية، وأصيب حوالي 1200، وفقًا لجيش الدفاع الإسرائيلي.
حماس تحكم القطاع
في العقيدة العسكرية الأمريكية، تعتبر القوة التقليدية التي تخسر 25 ٪ -30 ٪ من مقاتليها غير فعالة في القتال. لكن حماس قوة غير نظامية تخوض حربًا دفاعية في بيئة حضرية كثيفة ولديها إمكانية الوصول إلى مئات الأميال من الأنفاق تحت غزة. قال الجنرال المتقاعد جوزيف فوتيل، الذي قاد العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، إن ذلك أظهر أنه لا يزال بإمكان حماس القتال، لكن الخسائر “لا تزال تضع المزيد من الضغط على شبكة حماس”.
وقال” قد يضطر عنصر واحد الآن إلى القيام بوظيفتين أو ثلاث وظائف”.
وفي علامة أخرى على صمود حماس، في الشمال، حيث دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية والقتال جزءا كبيرا من مدينة غزة ومناطق أخرى، تحاول حماس إعادة تأكيد سلطتها من خلال وضع مجموعات صغيرة من قوات الشرطة وخدمات الطوارئ للقيام بدوريات في الشوارع، وفقًا لمسئولين إسرائيليين وسكان فلسطينيين. وقال سكان في مدينة غزة إن وجود الشرطة كان ضئيلاً وإن المدينة لا تزال خالية إلى حد كبير من النظام المدني.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، أطلقت حماس وابلًا من الصواريخ على إسرائيل من منطقة في وسط غزة كانت القوات الإسرائيلية تعمل فيها قبل يوم واحد، مما يبرز مخاوف البعض في إسرائيل من أن حماس ستعيد تأكيد نفسها ببساطة في أي مناطق لا تسيطر عليها القوات الإسرائيلية.
وقال ضابط عسكري إسرائيلي إن سلطات حماس المرتبطة بوزارة الداخلية في غزة عادت إلى المدينة، بما في ذلك المناطق التي كان الجيش الإسرائيلي يسيطر عليها سابقًا، والتي خضعت لتخفيض كبير للقوات في وقت سابق من هذا الشهر.
وقال مايكل ميلشتين بهذذ الصدد، الرئيس السابق للشئون الفلسطينية في المخابرات العسكرية الإسرائيلية:” إنها مسألة وقت فقط حتى تستعيد حماس سيطرتها إذا لم تكن لإسرائيل قوات على الأرض في هذه الأماكن”.
نهاية حماس مأزق لليمين الإسرائيلي
القضاء على حماس يبدو من المهام الصعبة بل والمستحيلة, وفي حقيقة الأمر لايبدو أن الهدف الإسرائيلي في القضاء على حماس هو الهدف الأسمى أو الأكثر صدقًا, فعلى مستوى عسكري ولوجيستي يبدو الأمر غير ممكن, كذلك على مستوى الترتيبات السياسية, من الصعب على أي حكومة في إسرائيل أن تتعامل مع فصائل فلسطينية غير منقسمة بين طرفين كبيرين هما فتح وحماس, فبعد القضاء المفترض على حماس تصبح حركة فتح الممثل الأهم للفلسطينيين.
وهي مشكلة بالنسبة لإسرائيل تحت حكم بنيامين نتنياهو, حيث يقدم هذا الوضع مزيدا من الشرعية للسلطة الفلسطينية المؤسسة على اتفاقية أوسلو, وهو ما يتناقض تمامًا مع مستهدفات نتنياهو واليمين الإسرائيلي في تهميش السلطة الفلسطينية المعتدلة, وذلك بهدف إضعاف وإبعاد أي أساس لقيام دولة فلسطينية شرعية ومكافئة.
على جانب آخر, تتفق حماس مع تهميش للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية هي الأخرى, منذ تأسيسها, حيث تنظر الحركة لنفسها بصفتها الممثل الشرعي للقضية الفلسطينية على حساب حركة فتح والسلطة الفلسطينية.
لا تحفز حركة فتح والسلطة الفلسطينية التجاذب مع اليمين المتطرف في الداخل الإسرائيلي, وبالتالي يكون القضاء على حماس هو مستهدف لا يفيد اليمين, حيت تغذي النزعة الدينية المتطرفة لدى حماس ميلا مثيلا في الداخل الإسرائيلي, يدعم التأييد الشعبي لتشكيل حكومات يمينية متطرفة, وبالتالي يكون إضعاف حماس مرتبط ارتباطًا وثيقًا بإضعاف اليمين, والعكس صحيح. سواء انتهت حماس أو تم إضعافها, فإن بنيامين نتنياهو يجد نفسه في مأزق كبير فيما يتعلق بترتيباته السياسية كصاحب أطول فترة حكم كرئيس وزراء منذ تأسيس إسرائيل.
التعليقات متوقفه