تصريحات الرئيس بوتين في المؤتمر الاقتصادي بسان بطرسبورج
سنرسل أسلحة إلى مناطق بالقرب من الدول التي تورد أسلحة لأوكرانيا الاقتصاد الروسي تفوق على الياباني في الناتج الإجمالي المحلي
انعقد في مدينة سام بطرسبورج العاصمة الشمالية والثقافية لروسيا الاتحادية، المؤتمر الاقتصادي السنوي الذي عادة ما يكون فرصة كبيرة للدول والشركات العالمية للاطلاع على أهم إنجازات الاقتصاد الروسي في عام وعقد الصفقات.
تحاول روسيا من خلال هذا المؤتمر أن تكسر الحصار والعقوبات المفروضة عليها من الغرب من خلال دعوة شركات ودول لحضور المؤتمر لمشاهدة الإنجازات التي حققها الاقتصاد الروسي خلال عام، ولإثبات أن روسيا مازالت متواجدة على الساحة الدولية، ولعل أهم حدث في المؤتمر الاقتصادي اليوم كان كلمة الرئيس بوتين التي تحدث فيها عن أهم الإنجازات الاقتصادية لبلاده، لكن قبل كلمة الرئيس الروسي، أود أن أشير إلى أنه ضمن الحضور للمؤتمر كانت حركة طالبان (تعتبرها روسيا حتى الآن حركة إرهابية) التي تعول عليها روسيا لإنشاء خط أنابيب غاز سيصل إلى باكستان وربما إلى الهند فيما بعد وذلك لكسر حصار الغرب للغاز الروسي عدم الاكتفاء بالتصدير للصين فقط. حضرت كذلك كل بوليفيا وموزنبيق والمملكة العربية السعودية وعدد كبير من الشركات والدول بمستوى تمثيل يختلف من دولة لأخرى. المؤتمر جاء في الوقت الذى تعد فيه أوكرانيا والغرب لما يعرف بمؤتمر السلام في سويسرا، ويحشد له الغرب بكل طاقته لإظهار أن العالم يؤيد الجانب الأوكراني، وجاء المؤتمر أيضا والغرب يحتفل احتفالا صاخباً بالذكرى الثمانين لعملية الإنزال في نورماندي، والذي عادة ما كان يدعى له الرئيس الروسي لكن الغرب فضل هذه المرة الرئيس الأوكراني، وربما كان الحدثان وما صاحبهما من صخب قد غطيا على المؤتمر الاقتصادي الروسي.
ولعل أهم أحداث اليوم 7 يونيو من المؤتمر، كانت كلمة الرئيس بوتين التي لم ينتظرها فقط الحضور في المؤتمر بل كل دول العالم، حيث تعتبر روسيا اليوم دولة محورية لقدرتها على الصمود الاقتصادي رغم الحصار والعقوبات وهي مثال في مواجهة الهيمنة الغربية لكثير من الدول، كما أن استمرار الأزمة الأوكرانية لها تأثير كبير على الأوضاع الاقتصادية في العالم، إضافة إلى أن الكثير من دول العالم تحاول معرفة نتيجة الصراع الحالي الذي قد يولد عالما جديدا بأقطاب جديدة، وقد يشهد نهاية الهيمنة الأمريكية التي تقاوم هزيمتها بشراسة في أوكرانيا وبأيد أوكرانية حتى الآن.
تحدث الرئيس بوتين ولعل أهم ما ذكره كان له علاقات بالدرجة الأولى بالاقتصاد، لأن الانهيار الاقتصادي لروسيا أهم ما يراهن عليه الغرب في الوقت الحالي، لأنه منذ بداية النزاع الأوكراني الروسي وهو يسعى لأن يستنزف روسيا اقتصادياً، ومن هنا ركز الرئيس بوتين على الجوانب الاقتصادية والإصلاحات الداخلية التي تصب في صالح مواطني بلاده، لنرى ماذا قال الرئيس الروسي.
أشار الرئيس بوتين إلى أن الاقتصاد الروسي ينمو بمعدلات أعلى من متوسط معدلات النمو في العالم، واستعان الرئيس بوتين بتقرير البنك الدولي الذي أشار إلى أن الاقتصاد الروسي أصبح يحتل المرتبة الرابعة عالمياً من حيث الناتج الإجمالي المحلي في الصناعة والخدمات متفوقاً على الاقتصاد الياباني. وعن مساهمة روسيا في حركة التجارة العالمية، قال الرئيس الروسي إن بلاده تبقى أحد الدول الرئيسية في التجارة الدولية رغم العقبات التي تواجهها. وأشار الرئيس إلى أن ثلاثة أرباع تجارة روسيا مع الدول الصديقة، وأشار إلى زيادة التجارة مع دول آسيا بنسبة 60% ومع أفريقيا بنسبة 69% ومع دول أمريكا اللاتينية بنسبة 42%.
تحدث الرئيس بوتين عن زيادة نسبة التعامل بالعملة الوطنية (الروبل) في الاستيراد والتصدير لتصل إلى 40%، وقال بوتين إن هدف روسيا من خفض الاستيراد قد تحقق بنسبة وصلت 17% وذلك ليس نتيجة إقامة حواجز جمركية ولكن نتيجة زيادة الإنتاج المحلي. تحدث الرئيس عن الجيش الروسي في الظروف الحالية والتحديات الجيوسياسية التي توجهها روسيا وأعترف بأن الجيش يحتاج إلى تجديد تكنولوجي كبير، مشيراً إلى وجود نزعة قوية بين الدول في الوقت الحالي لدعم سيادتها، واستمر الرئيس بوتين في الحديث عن الأوضاع الداخلية لبلاده فقال إن تطوير السكك الحديدية في شرق البلاد أحد الأهداف الرئيسية لفتح أسواق جديدة، ووعد الرئيس بأن تصل قدرة السكك الحديدية في شرق البلاد إلى حوالي 210 ملايين طن مع حلول عام 2030.
أشار الرئيس بوتين إلى أن مستثمري القطاع الخاص الروس يضخون الأموال بنشاط كبير في الاقتصاد الروسي، وأكد الرئيس بوتين أن 30 مليون مستثمر يستثمرون أموالهم في الاقتصاد الروسي، حيث بلغت قيمة أصولهم حولي 9 تريليون روبل (العملة المحلية الروسية)، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المستثمرين الروس خسروا أمولاً كثيرة بعد مصادرة أموالهم التي استثمروها في الغرب والتي انتقدهم الرئيس بوتين عليها من قبل، ويبدو أن رجال الأعمال الروس استوعبوا الدرس. ولتشجيع المستثمرين الروس على الاستثمار في بلادهم أعلن الرئيس بوتين عن احتمال إعفاء ضريبي لهم لعدد من الشركات يبدو التي ستقوم ببعض الأنشطة التي تحتاج روسيا للاستثمار فيها. وأكد الرئيس بوتين أن عملية زيادة المعاشات التقاعدية حسب التضخم ستستأنف مع بداية من عام 2025.
ولتشجيع المواطنين على وضع أموالهم في البنوك قال الرئيس الروسي إنه سيتم إقرار وسيلة جديدة للادخار وهي “شهادات التوفير” وتسمح للمواطنين بالاحتفاظ بأموالهم بنسبة فائدة أعلى من التوفير العادي. وأشار إلى أن نسبة البطالة في روسيا في أدنى مستوياتها ـ وفق الرئيس بوتين ـ فقد وصلت إلى 2,6% في شهر أبريل الماضي، وأشار الرئيس إلى أن المشكلة الآن ليست أين أجد عملا، ولكن أين نجد الكوادر التي تعمل في تخصصات بعينها، وهنا يتحدث الخبراء عن أن العملية العسكرية الروسية والتعبئة الجزئية امتصت القوى العاملة والمؤهلة والرئيس نفسه تحدث من قبل عن ضرورة تحديث الصناعة وتطوير التكنولوجيا بحيث لا تتطلب أيدي عاملة كثيفة، ووعد الرئيس بوتين شركات المعلومات والبرمجة بخفض الضرائب بنسبة 5% في عام 2030.
ولم ينس الرئيس الروسي التقدم العلمي والتقني في خطابه وأشار إلى أن روسيا تسعى لأن تكون ضمن الدول العشر الأوائل في الاختراعات العلمية، مشيراً إلى أن بلاده زادت من الإنفاق على البحث العلمي بنسبة تصل على الأقل2% من الناتج الإجمالي المحلي. على أي حال كان هذا عن الأوضاع الداخلية وما يعتزم الرئيس الروسي إنجازه في بداية فترته الرئاسية الجديدة التي ستمتد لست سنوات قادمة.
وكان الرئيس بوتين قد تناول الأوضاع على الساحة الدولية، بما في ذلك النزاع الروسي الأوكراني ومحاولات الغرب شيطنة روسيا، في يوم سابق على خطابه المطول عن الاقتصاد الروسي والأوضاع الداخلية في بلاده، التقى في اليوم الأول للمنتدى الاقتصادي برؤساء تحرير الصحف سواء الروسية أو الغربية وهنا تحدث الرئيس بوتين عن النزاع الروسي ـ الأوكراني أسبابه ومستقبل إنهاؤه وتحدث عن رد موسكو في حال تزويد الغرب لأوكرانيا بأسلحة دقيقة وبعيدة المدى، وقال إن روسيا لديها الحق في إرسال أسلحة للمناطق التي تمكنها من ضرب أهداف حيوية في الدول التي تزود أوكرانيا بأسلحة دقيقة وبعيدة المدى، أي أن الرد سيكون بالمثل (أرسلت روسيا قطع بحرية إلى كوبا، لكن الولايات المتحدة قالت إنها للتدريب والأسلحة التي عليها لا يمكنها أن تصل لميامي التي تبعد 400 كم متر عن كوبا) ووصف الرئيس بوتين محاولات الغرب توريد أسلحة دقيقة لأوكرانيا بأنه طريق لخلق مشاكل معقدة.
وحول الحديث عن عزم روسيا مهاجمة حلف الناتو نفى الرئيس بوتين ذلك بشدة قائلاً إن من يفكر في هذا هو إنسان غبي وبلا عقل، وأشار إلى أن روسيا في النزاع الحالي هي في حالة دفاع عن مصالحها، وكان الرئيس بايدن قد أعلن أنه سمح لأوكرانيا باستخدام السلاح الأمريكي لمهاجمة المناطق الحدودية المتاخمة لمدينة خاركيف. وحول نهاية النزاع الروسي ـ الأوكراني قال الرئيس بوتين إنه سينتهي باتفاق سلام على أساس إما انتصار أو هزيمة عسكرية. ثم عاد الرئيس وقال إننا نسعى حالياً لأن نصل لشروط تناسب مصالحنا، ومع الموجودين الآن هذا الأمر صعب بعض الشئ، لأن (أوكرانيا والغرب) على حد قوله يكذبون في كل خطوة ويقولون شيئا ويفعلون غيره.
التعليقات متوقفه