لقطات ..د.جودة عبدالخالق يكتب :الدعم بين العيني والنقدي – 1

153

أعلنت الحكومة مؤخرا أنها تنوى تحويل الدعم العينى إلى دعم نقدى. الهدف كما جاء في تصريحات المسئولين مزدوج: تخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة، وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه. يعنى نصطاد عصفورين بحجر واحد! كلام جميل. ثم أعلن رئيس الوزراء أن الحكومة ترغب في طرح الموضوع على طاولة الحوار الوطنى، لضمان قدر أكبر من المشاركة المجتمعية في هذا الأمر الذى يؤثر بشكل حاسم في حياة كل المصريين. كيف نميز بين الحق والباطل في هذه القضية الشائكة؟ وفى هذه اللقطة نطرح عددًا من الأسئلة كأساس لمناقشة هذا الموضوع. فما هو الدعم العينى؟ وما هو الدعم النقدى؟ ما هو المقصود بالدعم أصلا؟ وما معنى التحول من الدعم العينى إلى النقدى؟ وما هي متطلبات التحول من الدعم العينى الى الدعم النقدى؟ ما هي العلاقة بين الدعم والفقر في المجتمع؟ ومع كثرة الحديث عن دعم الفقراء في بلدنا المحبوب، لا بد أن نتساءل: وماذا عن دعم الأغنياء؟
أولا- تعريف الدعم وأنواعه: الدعم هو شكل من أشكال تدخل الدولة، كأن تضمن الحكومة لسلعة أو خدمة معينة سعرًا أعلى أو أدنى من سعر التكلفة أو السعر الذى يتحدد بقوى العرض والطلب في السوق. وهذا هو الدعم العينى. وفى هذه الحالة تتحمل الخزانة العامة عبئًا خالصًا هو الفرق بين سعر السوق أو التكلفة والسعر الذى تعمل على فرضه. أو كأن تقوم الحكومة بدفع مبالغ نقدية لفئات اجتماعية معينة لتعزيز قدرتها الشرائية دون التدخل في السوق. وهذا هو الدعم النقدى. وفى هذه الحالة يكون العبء على الخزانة في صورة تَحمُّلها إنفاقًا مباشرًا أو بتنازلها عن إيراد مستحق. ويكون على الحكومة تدبير موارد بديلة لتغطية الإنفاق المباشر أو لتعويض الإيراد المتنازل عنه. وعادة ما يكون ذلك بفرض الضرائب. ولكنَّ هناك أحوالًا أخرى قد تتدخل فيها الحكومة في السوق سواء سلعة أو خدمة معينة لأغراض تسعى لتحقيقها، كجباية أموال للخزانة العامة أو منح إعانات لحماية الإنتاج المحلى أو فرض ضرائب لأسباب صحية أو اجتماعية أو لتصحيح ما يُعرَف بفشل الأسواق. ومن أمثلة ذلك فرض ضريبة الاستهلاك، والضريبة الجمركية. وكلها ضرائب على الإنفاق، أي ضرائب غير مباشرة.
ثانيا- الدعم ليس ظاهرة شاذة: فالدعم موجود في كل الدول. والأمثلة كثيرة: دعم المزارعين في اليابان والاتحاد الأوروبي، لكن الأهم في السياق الحالى هو تلازم الدعم مع الفقر؛ فطالما وُجِد الفقر أصبح الدعم ضرورة اجتماعية وسياسية. وفى المشهد المصرى الحالى بلغ معدل الفقر 32.5% طبقا للتقديرات الرسمية، قبل موجة التضخم التي نتجت عن رفع أسعار الطاقة مؤخرًا. والمؤكد أن معدل الفقر سيزداد مع ارتفاع التضخم هذا. لكن الغريب أن الحكومة تركز دائمًا على دعم السلع التموينية للفقراء، وتغض الطرف عن دعم الأغنياء. وتتعدد صور دعم الأغنياء المسكوت عنه في المحروسة. ولكنى اكتفى بالإشارة إلى الدعم الذى تحصل عليه شركات تجميع السيارات كفرق بين معدل الضريبة الجمركية المنخفض عند استيراد مكونات السيارات (حوالى 15-20%) ومعدل الضريبة الجمركية المرتفع عند استيراد السيارات تامة الصنع (80-100%). هذا الفرق يمثل إعانة لمُجَمّعى السيارات، وضريبة مكافئة على مستهلكيها، ويمثل في نفس الوقت إيرادًا ضائعًا على الخزانة العامة يصل إلى مئات المليارات من الجنيهات. ومن هذا المنبر، أطالب وزارة المالية بعمل تقدير لهذا النوع وغيره من دعم الأغنياء.
ثالثا- دعم الفقراء ليس سبب عجز الموازنة: فطبقا لأرقام الموازنة الحالية 2024/ 2025 يبلغ إجمالي المصروفات 3.87 تريليون جنيه، منها دعم السلع التموينية 134.2 مليار جنيه فقط، أغلبه يمثل دعم رغيف الخبز والدقيق بحوالى 98 مليار جنيه. يعنى دعم السلع التموينية بما فيها الخبز أقل من 3.5% من إجمالي المصروفات. قارن ذلك بفوائد الدين التي تبلغ 1.83 تريليون جنيه بنسبة 47.3% من المصروفات! وبمناسبة نية الحكومة التحول من الدعم العينى الى النقدى، نُذكِّر بأن دعم السلع التموينية قد أصبح بالفعل دعمًا نقديًّا اعتبارًا من يوليو 2014 عندما بدأ تطبيق ما يسمى “المنظومة الجديدة لدعم السلع التموينية” التي هى في الحقيقة تحويل للدعم العينى إلى دعم نقدي، وهي في الواقع استجابة لأحد شروط صندوق النقد الدولي. وللحديث بقية.
حكمة اليوم:
” وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ، أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ”. سورة المطففين.

التعليقات متوقفه