مينا كرم يكتب .. الحكومة التي اغرقتنا في الديون
مازالت حكومة مدبولي والنظام السياسي المصري مصرين علي تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي تحت مسمي ” الاصلاح الاقتصادي ” والذي أدي الي ارتفاع معدلات الفقر واستنزاف الطبقة المتوسطة وتدهور أحوال الفلاحين والصحة والتعليم وفوضي الاسواق وانفلات الاسعار مع عجز كامل علي السيطرة علي معدلات التضخم و زيادة الاسعار غير مبالين بالغضب الشعبي الكبير للمواطنين من معظم الطبقات الاجتماعية الذي يتم الاعلان عنه مجاهرة بالحديث في الاسواق و وسائل المواصلات وبين المارة ولايكاد يخلو حديث بين اي اثنين او مجموعة من ابداء الضيق والغضب من جموح الاسعار المتزايد والمتصاعد مما يهدد السلم الاجتماعي للوطن .
لم تتعظ الحكومة من مصير 32 دولة علي رأسهم الارجنتين واليونان ومالاوي ولبنان والصومال والمكسيك طالتهم ازمات وانهيارات اقتصادية عنيفة جراء تبعيتهم وتعاملهم مع صندوق النقد الدولي (إحدى المؤسسات التي أنشأتها القوة العظمى لتفرض ليس هيمنتها العسكرية فحسب بل هيمنتها الاقتصادية أيضا على العالم ) ولازالت تقدم التنازلات واحدا تلو الاخر لصالح شروط الصندوق و تشير في تصريحاتها وبياناتها انها عاقدة العزم علي الغاء الدعم بالكامل من خلال مجموعة اجراءات بدأت برفع سعر رغيف الخبز الذي يؤثر علي غذاء 72 مليون مواطن من المستفيدين من شراء هذا الخبز المدعم للاعتماد عليه في وجباتهم الغذائية المتواضعة في ظل الارتفاع الجنوني في تكاليف مكونات وجبات الطعام والحقته برفع اسعار الوقود الذي ترتب عليه ارتفاع اسعار وسائل النقل والمواصلات وبالتالي السلع وتمهد لرفع اسعار الكهرباء والغاز وباقي السلع الاساسية ذات التأثير المباشر علي معيشة المواطنين من اصحاب الدخول المحدودة والثابتة من العاملين واصحاب المعاشات والفئات الفقيرة والمتوسطة .
وهنا نتساءل ما المردود الذي حصلت عليه الدولة المصرية والاقتصاد المصري من هذا الانبطاح لصندوق النقد وسياساته التخريبية واستمرار نزيف الاقتراض :
اولا : علي مستوي اجمالي الديون : حسب بيانات البنك المركزي المصري زاد إجمالي الديون الخارجية في نهاية 2023 إلى نحو 168 مليار دولار من بينها 29.5 مليار دولار ديون قصيرة الأجل ونحو 138.5 مليار دولار ديون طويلة الأجل مقابل إجمالي بلغ 96.6 مليار دولار في نهاية عام 2019 اي ان الديون الخارجية زادت بنسبة تقترب من 60 % خلال 4 سنوات فقط ولازالت تتزايد حيث تعتبر مصر ثاني أكثر دولة اقتراضا من صندوق النقد الدولي بنحو 14.7 مليار دولار خلف الارجنتين ( المتعثرة ) بنحو 40.9 مليار دولار .
وتواجه مصر استحقاقات خارجية ضخمة خلال السنوات الثلاث المقبلة حيث يتوقع البنك المركزي سداد أكثر من 60 مليار دولار خلال الفترة من 2025 إلى 2027.
ثانيا : علي مستوي التخطيط للحصول علي القروض : القروض الخارجية التي حصلت عليها مصر خلال السنوات القليلة الماضية لم تأخذ في الاعتبار تفاوت آجال سدادها حيث حصلت الحكومة على قروض قصيرة الأجل لتمويل مشروعات طويلة الأجل وهو ما سيشكل أزمة كبيرة على الأجيال الحالية التي باتت تتحمل جزء من الفاتورة وكذلك الأجيال المقبلة خاصة اذا ما وضعنا في الاعتبار وفق تقرير “الموقف الخارجي للاقتصاد المصري” الصادر عن البنك المركزي فإن مصر ستسدد آخر دفعة من الديون الخارجية المتوسطة وطويلة الأجل في النصف الثاني من عام 2071 في حالة عدم الحصول على قروض جديدة خلال السنوات المقبلة.
ثالثا : علي مستوي استثمار القروض : هناك قروض حصلت عليها الحكومة وتدفع عليها خدمة دين وفوائد ولم تستثمر بعد في الاهداف التي حصلنا علي القروض من أجلها مثل قرض تطوير خط المترو الاول الذي كان بقيمة 605 مليون يورو ولم يتم المشروع حتي الان فقط ندفع له فوائد !!
رابعا : علي مستوي القدرة علي السداد : الحكومة مطالبة حاليا بسداد أقساط صندوق النقد الدولي فيما يتعلق بالقروض القائمة التي حصلت عليها في السابق بخلاف التمويل الأخير خلال العامين القادمين والتي تتراوح بين 10 و13 مليار دولار وهذا يعني أنها أكبر من الـ8 مليارات دولار حجم التمويل الجديد , هل هذا يعني اننا اصبحنا نحصل علي قروض جديدة فقط لتسديد الاقساط العاجلة وليس لاستثمارها فيما يُصلح الوضع الاقتصادي الراهن ؟ كما صارت الديون الخارجية تمثل قرابة نصف الناتج المحلي الاجمالي .
مما سبق يتضح لنا صعوبة الوضع الاقتصادي الراهن الذي يتطلب حلول سريعة وجذرية من أهمها :
اولا : التوجه نحو سياسات اقتصادية جديدة وفقا لبرنامج اقتصادي يعتمد علي الانتاجين الزراعي والصناعي .
ثانيا : وقف عملية الاقتراض لتمويل المشروعات الكبرى خاصة تلك التي تحتوي على مكونات أجنبية كبيرة .
ثالثا : وضع خطط واضحة وبجدول زمني معلن لخفض نسبة الدين العام الداخلي والخارجي لاجمالي الناتج المحلي الاجمالي ومحاسبة الحكومة اذا لم تستطع فعل هذا .
رابعا : فتح فرص الاستثمار للقطاع الخاص المحلي والاجنبي و دور مؤسسات المجتمع المدني للرقابة علي اعمال الحكومة خاصة فيما يتعلق ببنود الانفاق في الموازنة العامة للدولة .
خامسا : الوفاء بالالتزامات الدستورية و رفع كفاءة الخدمات الصحية والتعليمية وفقا للحد الضروري من العدالة الاجتماعية التي لا تفرق بين المواطنين لاي سبب في تلقي هذه الخدمات .
التعليقات متوقفه