ضد التيار ..أمينة النقاش تكتب :إنه فعلا نظام التفاهة

80

قبل بضع سنوات صدر كتاب ” نظام التفاهة “لمؤلفه أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية الكندى “آلان دونو”وقدمت له ونقلته إلى العربية ببراعة، الكاتبة السعودية الدكتورة مشاعل عبد العزيز الهاجرى. انطوى الكتاب على تشريح فذ وفريد للقيم الفاسدة والتافهة، التى أرسى قواعدها النظام الرأسمالى، فى مراحله الحداثية وما بعد الحداثية، أى بعد انقضاء مرحلة الإمبريالية الكلاسيكية، التى بدأت فى الربع الأخير من القرن الثامن عشر، وهى المرحلة التى، تراجعت فيها عهود الإقطاع، وشهدت الثورة الصناعية، وما رافقها من تطورات علمية وفكرية وثقافية وسياسية ،واكتشافات جغرافية، وطرق تجارة بحرية جديدة .وكما هو معروف، فقد شُيدت تلك النهضة الصناعية والحضارية، على أنقاض أفناء أعراق كما حدث مع الهنود الحمر فى الولايات المتحدة، وعلى النهب الاستعمارى لموارد قارات العالم ودوله وشعوبه، كما جرى فى منطقتنا العربية وفى دول أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية .

سلب نظام التفاهة الرأسمالى الحداثى، الخالى من القيم الإنسانية والفكرية، من البشر إنسانيتهم ، وحولهم إلى سلعة وآلات تكافح بالليل والنهار لسد متطلبات حياتهم النمطية، وغزى لديهم نزعات الاستهلاك الترفى وغير الترفى، وشجع لهم، استهواء أفكار وفنون وثقافات مفروضة عليهم ، بحكم الانتشار الهائل لوسائل الاتصال، وإنفجار وتوحش وسائل الدعاية والإعلان . فعل النظام ذلك ليس لكفاءته وجدارته، ولكن لما بات يملكه من مال، ييسر له الهيمنة على الشعوب وثروات الدول، ويغرى به نخبها، ثم الزعم بأنها قيم عالمية لافاك منها، وأن العيش بدونها، بات من رابع المستحيلات، بعد الغول والعنقاء والخل الوفى !
. روج نظام التفاهة العالمى السائد، إلى أن مصالحه هى نفسها مصالح بلاد الكون وشعوبه، وأن سلطة المال والربح والسعر، تعلو سلطة القيمة . وسخر من أجل تثبيت قيمه أكبر العقول المحلية والدولية، وأضخم الشركات عابرة القارات، لترويض الشعوب، ليس فقط لكى تتعلق بتلك القيم وتتعايش معها، بل أيضا لتصبح شريكا فى الترويج لها. ولما لا ؟ فقد استولى نظام التفاهة على عقولها، ونجح فى إفقاد قطاعات واسعة من الشعوب قدرتها على التفكير المستقل، وهمش بحكم إغراءاته المالية، وجاذبية تجارته، عقلها الناقد، بعدما أسبغ التفاهة على كل شىء، من الثقافة إلى السياسة، ومن الاقتصاد إلى التجارة وحتى التاريخ والجغرافيا .
يضرب “آلان دونو” مثلا على اختلاق مصطلحات وتضخيم أدوار للشركات العالمية، بينها نظام “الحوكمة “الذى من شأنه أن يضع القواعد والأهداف والقوانين التى تنظم عمل مؤسسات الدول وتضمن سلامتها ونزاهتها، وعدم التداخل فى اختصاصتها، وهو ما اعتبره المؤلف بابا لنهب موارد الدول، وسلبا لسلطة حكوماتها وبرلمانتها، ومؤسساتها الرقابية، لمنحها لشركات الغرب الاحتكارية .
ومن عندى أضيف إلى ذلك صناعة صندوق النقد الدولى، الذى وصفه أحد المفكرين، بأنه أقوى حكومة فوق قومية فى عالم اليوم، والذى تم توظيفه منذ تأسيسه فى أعقاب الحرب العالمية الثانية ، لمكافحة الشيوعية، وضمان استمرار هيمنة القوى الغربية المنتصرة فى الحرب على ، الثروات والموارد الطبيعية، لما كان يعرف بدول العالم الثالث، ومنع تلك الدول من القيام بأي اجراءات مستقلة للسيطرة على اقتصادها، وضبط تحركاتها المالية، أو تطوير المجالين خارج شروط الصندوق النقدية والسياسية. وتلك شروط تم وضعها لحماية مصالح الغرب الأوروبى والأمريكى أولا وأخيرا .ومن يسعى للسير خارج تلك الشروط، فإن تاريخ الانقلابات العسكرية التى تسقط حكومات شعبية منتخبة فى إيران واندونسيا وتشيلى والأرجنتين، والبرازيل ودول الاتحاد السوفيتى السابق، لاتزال ماثلة فى الأذهان، حيث تسرع بعثات الصندوق، عقب كل انقلاب، لتقديم نصائحها الاقتصادية للحكام الجدد.
وفى نظام التفاهة يجرى تضخيم أدوار الأفراد والقادة، وتسليط الضوء علي معدومى الكفاءات وربما الأخلاق، وتسليط الضوء عليهم، وتصديرهم للقيام بأدوار لإلقاء الدروس وتوجيه الرأى العام وتشكيل مواقفه، وبعضهم لم يكن سوى من حملة الحقائب وكتبة التقارير، والآكلين على كل الموائد .وفى ظل هذا النظام التافه، كان طبيعيا أن نجد من يسخرون من مجانية التعليم، ومن الدعم، ومن المقاومة الفلسطينية .ومن الطبيعى فى ظله، أن يمر التاسع من سبتمبر ذكرى ثورة جيش عرابى ضد الاستبداد الأجنبى والمحلى، مرور الكرام، وأن نعيش لنسمع ونشاهد من يصف عرابى بجرأة يحسد عليها أنه فأر وجلب الاستعمار البريطانى لمصر!
لدى كل واحد منكم سجل هائل، يكمل ماهو ناقص فى “نظام التفاهة” فاحكوه وانشروه، ولا تخشوا شيئا، لكى يدرك صانعوه والمستفيدون من الترويج له، أنهم مفضحون !

التعليقات متوقفه