بعد الاعلان عن مبادرة بداية لبناء الانسان.. البداية تكمن فى القضاء على الامية وربط التعليم بسوق العمل والاهتمام بالصحة..
د”يمن الحماقى”:مطلوب التركيز على الشباب لأنهم الأكثر معاناة من البطالة
“شريف الدمرداش”: يمكننا الحديث عن تنمية حقيقية بدون وجود عدالة اجتماعية
د”وائل النحاس”:لدينا القوة البشرية ولكن ينقصنا التخطيط السليم لاستغلال هذه الطاقات
د”ثريا عبد الجواد”:المبادرات التى تطرحها الحكومة محاولة لتزيين الاداء الاجتماعى والسياسى وإلهاء الجماهير
د”بسمة سليم”: مطلوب استثمار طاقات الأطفال وتحسين عقول التلاميذ
تحقيق:نجوى أبراهيم
لاشك أن العنصر البشرى هو ركيزة من ركائز تقدم أى مجتمع وتطوره ..وعملية بناء الانسان وتنميته تعتبر من أكبر التحديات التى يمكن أن تواجه عملية استقرار المجتمع والنهوض به ..ولذلك فإن أى مشروع لنهضة المجتمع لابد وأن يكون الانسان فيه هو محور الانشغال والاهتمام وهو اللبنة الأولى لهذا المشروع …ولكن كيف يمكن خلق الانسان المبدع القادر على الانتاج الواعى الذى يساهم فى بناء مجتمعه وتطوره ؟! .. وكيف يمكننا استغلال الطاقات البشرية التى نمتلكها بشكل أمثل ..حتى يتحول العنصر البشرى من شوكة صلبة فى ظهر جهود التنمية إلى ثروة قومية ومصدر أساسى لدفع عجلة التنمية ؟!..
من أجل احداث تنمية مستدامة أطلقت الحكومة مبادرة “بداية جديدة لبناء الانسان المصرى “بناء على توجيهات الرئي عبد الفتاح السيسى ,حيث دعا فيها مؤسسات وأجهزة الدولة للتنسيق والتكامل بهدف الاستثمار فى رأس المال البشرى من خلال برنامج عمل يستهدف تنمية الانسان والاهتمام بتنمية الاسرة المصرية ..وتستمر المبادرة لمدة 100 يوم فى جميع المحافظات ..
تتضمن المبادرة محاور متعددة منها بناء الانسان وتحسين النظام الصحى وتوفير تعليم أفضل وتأمين فرص العمل اللائق وتعزيز الحماية الاجتماعية ..وفيما يخص التعليم تحدثت المبادرة عن تطوير المناهج وتوافر برامج تدريبية للمعلمين وتعزيز استخدام التكنولوجيا الحديثة فى التعليم..
وفى الصحة سيتم اطلاق حملات توعية وبرامج صحية وقوافل علاجية بالمحافظات ..ومن ضمن المبادرات الفرعية التابعة للمبادرة برامج خاصة بالاطفال من عمر يوم وحتى 6 سنوات هدف تنمية مهارات الاطفال والاهتمام بصحتهم وتقليل الوقيات منهم ..
ويوجد فرع خاص بالاطفال من سن 6 سنوات وحتى 18 عام وتتمثل أهدافه فى توفير برامج تعليمية لتحسين المهارات ..
بعيدا عن التهويل والتضخيم الذى يمارسه الكثيرون من المسئولين عندما يتحدثون عن المبادرة..فنجد أن التعليم والصحة وتوفير فرص عمل دائمة ولائقة هما أهم أعمدة بناء الانسان ..ورغم ذلك فهناك اخفاق شديد من جانب الدولة فى تحقيق ذلك ..فتشير أرقام الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء أن عدد المتعطلين بلغ 2مليون مواطن بنسبة 6’5 % من قوة العمل البالغة 31,4 مليون عامل فى الربع الثانى من العام الحالى وتبلغ نسبة البطالة بين حملة المؤهلات نحو 84,1% وهذا يؤكد أن السياسات التعليمية المطبقة خلال العقد الماضى والجهود المبذولة فى سبيل تطوير العملية التعليمية لم تحقق النتائج المأمولة لارتباطها بعيوب ومشكلات هيكلية فى مجال التعليم طال زمن السكوت عليها ,كما أن أغلب المتعطلين عن العمل هم ملة المؤهلات مما يدل على عدم تناسب التعليم الحالى مع متطلبات سوق العمل ..كما كشف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء أن معدل الأمية سجل 16,1 % للافراد الذين أعمارهم 10 سنوات فأكثر خلال 2023 ..
وفى الصحة نجد إننا أمام نظام صحى يعانى من افتقار المقومات الأساسية وهى التمويل الكافى والعجز الصارخ فى المستشفيات والاطباء والاطقم الطبية ، ونقص المستلزمات الطبية، وغياب الرقابة على المؤسسات الصحية ,الأمر الذى يضعف من قدرة القطاع على القيام بدوره فى تقديم خدمه صحية لائقة..وبالتالى فإن معاناة المرضى مازالت مستمرة ..فالطوابير أمام المستشفيات الحكومية وعيادات التأمين الصحى والمجالس الطبية لا تنتهى ..والأمراض نهشت أجساد المصريين فى ظل تردى الأوضاع الصحية نتيجة لعدم اهتمام المسئولين بصحة المواطن ,فى الوقت الذى لا يملك فيه الغالبية العظمى ثمن الدواء وحتى المنتفعين بالتأمين الصحى لا يجدون أغلب الأدوية فى عيادات التأمين ..
من أين البداية ؟!
أكدت”يمن الجماقى” استاذ الاقتصاد بجامعة عي شمس أن العنصر البشرى هو أهم ما تملكه مصر ..موضحة أن تنمية هذا العنصر من شأنها ليس فقط تحريك النمو إلى أفاق هائلة بل تأمين الاستدامة للنمو ..وفيما يخص المبادرة التى تم الاعلان عنها مؤخرا فأوضحت أنها يغلب عليها العمومية الشديدة وهذه العمومية تخلق التشكيك فى تحقيق نتائج ملموسة يشعر بها المواطن المصرى ..فلابد أن تتضمن المبادرة محاور وخطة للعمل وأولويات للتحرك بالاضافة إلى الأهداف الاجرائية القابلة للقياس على فترات ..وتوزيع الأدوار والمسئوليات والمساءلة للوصول إلى النتائج المستهدفة ..وتتساءلد”يمن الحماقى”من هى الفئات المستهدفة ؟أو من أين البداية ؟مشيرة إلى انه يجب التركيز على فئة الشباب بنوعيه الذكور والاناث ..والفئة العمرية المفضل استهدافها هى الاكثر معاناة من البطالة وهى فئة الشباب من عمر 18 سنة ..
وأضافت أن هناك تساؤل بشأن أولوية المناطق الجغرافية فإنه من الأهمية العودة إلى خطة الدولة للمناطق الاقتصادية واحتياجاتها من العمالة الماهرة والتخصصات المطلوبة لذلك ..
وأشارت إلى أن المعضلة الحقيقية فى مشروع بداية الذى يمثل معضلة وطاقة ايجابية فى نفس الوقت هى أن الاستهداف يجب أن يكون للاسرة وليس فقط للشباب وذلك لتنوع وشمولية الاستهداف من حيث تقديم خدمات متكاملة فى مجالات متعددة للاسرة وهذا يتطلب أدوار لأكثر من وزارة .
وشددت على أهمية تطبيق التأمين الصحى الشامل وتطوير التعليم ودعم انتماء الشباب لوطنهم فى عالم متغير وفى ظل ثورة تكنولوجية تهدد قيم المجتمع ..فلابد من استهداف الاسرة ككل مع التركيز على الشباب بحيث يكون كل شاب وشابة هو مدخل ومفتاح وأساس التدخل .
وأكدت أننا فى جاجة ملحة لمراجعة قواعد البيانات المتوفرة فى برامج سابقة سواء الاسر المستفيدة من البطاقات التموينية أو برنامج الدعم النقدى تكافل وكرامة ..بالاضافة إلى بيانات الاسرة والسكان الاساسية لدى الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء خاصة بحث الدخل والانفاق ..
عدالة اجتماعية
ومن جانبه اوضح د”شريف الدمرداش “الخبير الاقتصادى ان قوة مصر تكمن فى عدد أبنائها فهم قوة بشرية كبيرة ولكن المهم كيفية توظيف هذه الأعداد واستخدامها بشكل إيجابى..فلا يمكننا الحديث عن تنمية حقيقية بدون وجود عدالة اجتماعية ونظام تعليم جيد مشيرا إلى أن الثروة البشرية تعنى انسان عامل وحافز وداعم للاقتصاد ,وهذا الانسان نتاج عملية تعليمية صحيحة واعداد فنى عال المستوى..وحتى يصبح الانسان أهم الموارد الإنتاجية ويصبح سبباً مباشراً من أسباب ارتفاع معدلات النمو والناتج القومى يجب أن نبدأ بتحسين منظومة التعليم وتدريب الخريجين وربطهم بسوق العمل ولابد من الاهتمام بالمهارات الفنية ومعاهد التدريب موضحا ان التعليم الفنى الحالى يفرز عمالة دون المستوى دون اى مهارات او خبرات .
وتابع:يأتى بعد ذلك الصحة والاهتمام بصحة المواطنين حتى لا يكونوا عبئا على الدولة ويصبحوا مواطنين قادرين على الانتاج ,واخيرا علاج مشكلة التوظيف وزيادة الإنتاج .
بناء الانسان ثقافيا
استهدفت المبادرة الأطفال من 6 سنوات وحتى 18 سنة ولكن ما هو مصير باقى الفئات وخاصة فئة الشباب..هذا التساؤل طرحه د “وائل النحاس ” الخبير الاقتصادى -..قائلا:هل تنظر الدولة لتلك الفئات إنها تعمل بالفعل وتتقاضى اجور عالية وبالتالى لا يحتاجون أى نوع من التوجيه والاعداد ؟!والفكرة الرئيسية بناء الانسان فى اى النواحى والمجالات ؟!مشيرا إلى أن وعى الشباب يتكون من خلال أفلام وأعمال درامية بعيدة كل البعد عن تشكيل وعى ثقافى واخلاقى ..فهى ترسخ العنف والاتجاة إلى الطرق غير المشروعة من أجل الثراء ..فبناء الانسان لابد أن يكون فى عدة نواحى ثقافيا وتعليميا ..وللاسف الدولة غير قادرة على تقديم محتوى ثقافى هادف إلى رؤية لبناء الانسان ثقافيا وتعليميا ..ووضع الاليات من أجل تنفيذ هذه الرؤية ..
وأشار إلى أن الحكومة تحاول استثمار البطالة بمحاولة اعادة تأهيل الشباب المتعطلين عن العمل فى حين إننا نحتاج استثمار الطاقة البشرية والعنصر البشرى ..فنحن لدينا القوة البشرية ولكن ينقصنا التخطيط السليم لاستغلال هذه الطاقات فيمكن تزجيه هذه الطاقات فى دورات للصناعات اليدوية أو عملية البرمجة كما إننا نحتاج إلى الاهتمام بالاسرة ككل والارتقاء بها وذلك من خلال اعادة تأهيلها على مستوى التعليم والصحة ,وبالتالى يصبح المواطن فى الحالة المثلى له ونستطيع الاستفادة منه واذا تم ذلك فلن نجد مواطن مريض او غير مؤهل للعمل..
ويجب أن تبدأ الحكومة التغييير بالفكر والثقافة وبناء الوعى للانسان المصرى ولابد أن يكون لدينا حزمة ثقافية أخلاقية موجهة للمواطن حتى لايتم ترك الساحة فارغة ..فالدولة للاسف سحبت يدها من التنمية الثقافية كما سحبت يدها من التعليم والصحة
فيما أكدت د”ثريا عبد الجواد “استاذ علم الاجتماع أن فكرة إطلاق المبادرات والاستراتيجيات تلجأ اليها الانظمة والحكومات التى تقصر فى ايجاد اطار ملائم للتطور والتقدم الاجتماعى وايجاد سياسات للنهوض بالمجتمع والافراد مشيرة إلى إن هذه الاجراءات تبعد كل البعد عن مفهوم الديمقراطى للإدارة .
ولا تتوقع د”ثريا “نجاح هذه المبادرة أو غيرها من المبادرات سواء كانت لتنمية القدرات والتنمية البشرية أو سواء كانت بشأن الوعى بحقوق الانسان أو لالغاء التمييز ..مؤكدة أن تنفيذ هذه المبادرات على أرض الواقع تحتاج إلى إطار وسياق اجتماعى اقتصادى يدفع إلى تنفيذها ..وطبقا لمقتضيات تقدم أى مجتمع لابد أن يتوافر فيه شرطان أولاهما المساواة والعدالة وثانيا :الحرية ,أما مسألة المبادرات فهى آليات لمحاولة تزيين الاداء الاجتماعى والسياسى ..
وأوضحت أن تنمية الموارد البشرية لن يتم بمعزل التعليم ..فما لدينا من رؤية تعليمية يعمق التمايز الاجتماعى فلدينا الجامعات الخاصة والاهلية والحكومية وكذلك فى التعليم قبل الجامعى فكل هذا يفرز نسيج متهتك للتعليم غير قادر على افراز عنصر بشرى قادر على مواجهة متطلبات سوق العمل ..وبالتالى فإن ما يحدث فى رأى د”ثريا “هو إلهاء للجماهير وبدلا ما يلجأ النظام إلى ما هو متعارف عليه فى أدبيات علم الاجتماع من خطوات لتحقيق التقدم يلجأ إلى مبادرات لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع .
التسرب من العليم
لا يمكن الحديث عن تنمية بشرية فى ظل انتشار الامية والبطالة هذا ما أكدته د”سامية قدرى”استاذ علم الاجتماع , انه..مشيرة الى اننا لدينا كارثة اسمها الامية والتسرب من التعليم ,فالاسر تنجب الاطفال كمصدر دخل لهم لايفكرون فى تعليم ابنائهم,كما أن ثقافة عدم تعليم الاناث لا تزال منتشرة فى اغلب قرى الريف والصعيد وهذا نتيجة الى أن التعليم غير جاذب ومكلف جدا للاسر الفقيرة كما إن الطالب الذى يصل الى الجامعة يتخرج ,وهو غير مؤهل سوق العمل..وبالتالى نحن فى حاجة ملحة لاعادة بناء منظومة التعليم من جديد وهذا يتطلب منا وقتا حتى نجنى ثماره ولكن استثمار طاقات الأطفال والشباب فى الاجازة الصيفية وتحسين عقول التلاميذ
التعليم الاساسى
فيما أكدت د “بسمة سليم”خبيرة التنمية البشرية ,على أهمية استثمار العنصر البشري مشيرة إلى أن البداية من التعليم الأساسى واستثمار طاقات الأطفال والشباب فى الاجازة الصيفية وتحسين عقول التلاميذ من خلال تدريبهم على تحمل المسئولية واعلاء قيمة العمل والانتاج ,ولو حتى بدأنا بأنشطة بسيطة من خلال مراكز الشباب وفرق الكشافة بالمدارس ,حتى يصبح لدينا شباب قادرين على تحمل المسئولية يعرفون أهمية العمل والانتاج وبالتالى يصبح لدينا منتج قادر على الاستيعاب والتأهيل بدلا من أن يبلغ الشاب 25 عاما من عمره ونجده لم يبدأ حياته العملية ويجلس طوال النهار امام المواقع الالكترونية المختلفة التى لا فائدة لها سوى اضاعة الوقت وافساد الشباب واهدار طاقاتهم.
وأكدت د”بسمة”على اهمية دور الاسرة فى استيعاب افرادها وتدريبهم على الانتاج , وفي النظام التعليمي لابد ان يعتمد علي الدراسة العملية في كافة المهن والصناعات ليكون الخريج مستعداً للعمل وعلي الدولة تأهيل الخريجين من خلال دورات ودبلومات متخصصة في المجالات التي يحتاجها سوق العمل والمهن المختلفة وممكن أن يتم ذلك من خلال السنة التى يقضيها الشباب كخدمة عامة ,وممكن أن يقضى الشاب هذه السنة مقابل تدريبه فى مهنة أو حرفة بدلا من أن يتقاضى أجر,وهذا يتطلب فتح مراكز للتدريب.
التعليقات متوقفه