لم أرحب بالتعليقات التى استخف أصحابها بقضية الداعية التيجانى، لأنه استخفاف ينطوى على تجاهل فداحة ما يجرى فى الواقع المصرى، من انتشار للجهل والخرافة والتدجيل وتكديس ثروات غير مشروعة لدى محترفين مخادعين. ومن المدهش أن هؤلاء يمارسون أنشطتهم تحت سمع وبصر الأجهزة الرسمية المعنية، التى إن لم تكن راضية عن تلك الأنشطة التى تخرب العقول وتنزح الأموال بالغش والخديعة، فهى غير معنية بمقاومتها. يساعدها على ذلك غيبة أى مشروع ثقافى أو تربوى أو تعليمى عن برامجها، التى بات تهميش بناء العنصر البشرى، ملمحًا رئيسيا لها.
والتيجانى هو أحد الشيوخ الذين يحتلون الفضاء الاجتماعى، ويحترفون الدعوة، ويزعمون قدراتهم الخرافية على جلب الكرامات والإتيان بالمعجزات، ويرتاد مجالسه بعض الفنانين والفنانات، ورجال المال والأعمال من المصريين والعرب، لرقيتهم بالأذكار والأدعية الدينية لحمايتهم من الحسد وتحذيرهم من شرور مستقبلية لمنافسين وحاسدين، وحتى الزعم بعلاجهم من الأمراض النفسية والبدنية. النيابة العامة بعد التحقيق معه بتهم تحرش وتربح مالى من على وسائل التواصل الاجتماعى، أفرجت عنه بكفالة خمسين ألف جنيه، وهو ما يعنى أن للقضية فصولا أخرى مستمرة.
جددت تلك القضية، التى لن تكون الأخيرة من نوعها، الحديث عن مشكلة تحتاج لجهد علمى ولبحث اجتماعى ونفسى وتربوى مفصل، حول مغزى هوس شيوخ الدعوة الدينية وبعض من ينسبون أنفسهم للتيار الإسلامى بالنساء. فمعظم فتاوى هؤلاء الدعاة، تخص المرأة، ومعظم فضائحهم ترتبط بالمرأة، وكثير من جرائمهم الجنسية والمالية ترتبط بالنساء، سواء فى مجتمعاتنا العربية، أو الدول الغربية التى هاجروا إليها، ويعيشون ويعملون بها.
وقبل أيام أصدرت محكمة استئناف سويسرية حكمًا بسجن الأكاديمى الذى يحمل الجنسية السويسرية “طارق رمضان” ثلاث سنوات بينها سنة واحدة مع النفاذ، كما جاء فى نص الحكم، الذى يقبل بطعن عليه خلال 30 يوما، تنتهى السبت القادم. وفى حثيات الحكم ذكرت المحكمة أن الكثير من الشهادات والمذكرات الطبية وآراء الخبراء المختصين، تتفق مع الوقائع التى أبلغت المدعية عنها، وأن العناصر التى جمعها التحقيق، أقنعت المحكمة بإدانة المتهم.
أما التهم الموجهة إليه فهى الاغتصاب، والإكراه على إقامة علاقة جنسية، تمت وقائعها فى أحد فنادق جنيف أواخر عام 2008، حيث اتهمته المدعية بإخضاعها لأفعال جنسية وحشية، بجانب سبها وضربها. وبرغم نفى رمضان للتهم، ووصف نفسه بأنه ضحية لمكيدة، فقد عاد واعترف بالعلاقة مع المرأة، وأنه قبًلها فقط دون إقامة علاقة جنسية معها، قبل أن ينهى العلاقة ويضع حدًا لها، على حد قوله!
وطارق رمضان (مواليد جنيف عام 1962) هو ابن سعيد رمضان (1926-1995) السكرتير الشخصى وزوج ابنة مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا. وقد غادر سعيد رمضان مصر مع بدايات صدام ثورة 23 يوليو مع جماعة الإخوان، واستقر به المقام فى سويسرا، وينسب إليه مع آخرين، تشكيل التنظيم الدولى لجماعة الإخوان، وتنمية موارد الجماعة المالية فى البنوك العالمية التى تحظى بالحماية الدولية والإفلات من الرقابة على أنشطتها المالية. وربما يكون منطقيًّا تشكيك المدافعين عن طارق رمضان فى الواقعة، وسؤالهم لماذا تثار القضية الآن بعد مرور 16 عامًا على حدوثها؟
وقد تكمن الإجابة فى أن المدعية عليه تقدمت بشكواها عام 2018 بعد أن سادت حملة “أنا أيضًا” المجتمعات الغربية، دفاعًا عن النساء اللاتى يتعرضن للتحرش والاعتداء الجنسى، وتشجيعًا لهن على فضح من يرتكبون تلك الجرائم، للسعى للقضاء عليها. هذا فضلًا عن أن ملف حفيد الإمام فى هذا السياق، حافل بالجرائم.
ففى عام 2019 أمضى طارق رمضان عشرة أشهر فى الحبس فى السجون الفرنسية بتهمة اغتصاب عدد من النساء الفرنسيات والأوروبيات. وفى حوار تليفزيونى له، عقب الإفراج المشروط عنه والمصحوب بخضوعه للمراقبة القضائية، اعترف أنه كان يكذب حين نفى أمام القضاء ارتكابه لتلك الجرائم. لكنه برر جرائمه حين قال نصًا: “أن كل ما مارسته سابقًا مع أى امرأة ، كان برضا من الطرفين، ولم أكن يومًا عنيفًا”. ومن الطبيعى أن تكون قضية حفيد الإمام فى فرنسا قد فتحت ملفات جرائمه فى سويسرا، وفى غيرها من البلاد الغربية التى يجوبها محاضرا فى جامعات ذات سمعة دولية رفيعة المستوى، فى قضايا الفكر الإسلامى. ومما يثير الدهشة ويلفت النظر لتناقضات شخصيته، أنه يدير مركزًا بحثيًّا فى دولة قطر يطلق عليه” مركز دراسات التشريع الإسلامى والأخلاق”!
لا فرق بين الداعية التيجانى المخرف وبين المفكر الإسلامى طارق رضوان ذى الشهرة العالمية إلا فى المستوى العلمى والفكرى الذى يحظى به رمضان. لكن الاثنين يتشابهان فى المتاجرة بالدين، إما لأسباب مالية وشخصية أو سياسية، وكلاهما لديه شغف بالعلاقات النسائية غير الشرعية. والقضيتان تجعلان هذا السؤال معلقًا دون إجابة: ما للمتاجرين بالدين والمتمسحين به متشعوذين وعلماء، مالهم والنساء؟!
التعليقات متوقفه