مرَّ على المحروسة أوائل هذا الشهر (9 سبتمبر) عيد الفلاح. وكان هذا العام، ككل عام، كأن لم يكن. كان نسيًا منسيًا. ومَنْ مِنَ الناس يعرف أن هذه الأيام هو موسم جمع القطن، أو ما كنا نسميه الذهب الأبيض. وبما أنى فلاح، ومن قبيل إحساسى بالواجب، أرسلت لأصدقائى على مواقع التواصل الاجتماعى رسالة تهنئة يوم 15 أغسطس ورسالة أخرى يوم 9 سبتمبر: “كل عام وأنتم بخير”. وفى كل مرة كانت ردودهم صادمة: “بمناسبة إيه؟”. وهكذا، في حومة صخب الساحل ومهرجان العلمين وشواغل أخرى سقط من الذاكرة الجمعية للمصريين أن 15 أغسطس هو عيد وفاء النيل، وأن 9 سبتمبر هو عيد الفلاح. وبالتالي سقط النيل والزراعة والفلاح من ذاكرتنا كشعب. وهذا لعمرى لهو الخسران المبين: فالفلاح ما زال أهم منتج في هذا البلد، وقطاع الزراعة يمدنا بالغذاء والكساء يعنى الحياة، وهو الذى يمد قطاع الصناعة بما يحتاجه من مواد خام، وصادراته تمدنا بالنقد، وهو أكبر مشغِّل للأيدى العاملة.
لكل ذلك نص دستورنا (المادة 29) على أن “الزراعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطنى. وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها … كما تلتزم بتنمية الريف ورفع مستوى معيشة سكانه … وتعمل على تنمية الإنتاج الزراعى والحيوانى وتنمية الصناعات التي تقوم عليهما. وتلتزم الدولة بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعى والحيوانى، وشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح. وتلتزم الدولة بتنمية الثروة السمكية وحماية ودعم الصيادين …”. كما أن الحوار الوطنى خصص جزءًا من جلساته المفتوحة لمناقشة قطاع الزراعة والتشريعات والسياسات المؤثرة فيه، وخرج بعدة توصيات تم رفعها للرئيس. ومن هذه التوصيات: وضع أسعار مجزية للسلع الاستراتيجية يشارك في تحديدها ممثلون عن الفلاحين ولا تنفرد بها الحكومة، إصدار قانون موحد للتعاونيات وتحديث قانون الزراعة رقم 113 لسنة 1950، وفرض رقابة صارمة على توزيع مستلزمات الزراعة من بذور وأسمدة ومبيدات، وإعادة العمل بالدورة الزراعية.
ورغم نصوص الدستور وتوصيات الحوار الوطنى، ما زالت الزراعة والفلاح في ذيل قائمة أولوياتنا. قطاع الزراعة ما زال يعانى إهمالا واضحا؛ فتراجعت نسبة مساهمته في الدخل القومى وانخفض نصيبه في الاستثمارات الكلية، وتعرضت الرقعة الزراعية لشتى صور العدوان وتقلصت فرص العيش الكريم المتاحة فيه. فأين الزراعة في خطط وبرامج ومبادرات؟ وأين الاستراتيجيات والسياسات التي تترجم ما تقرره النصوص الدستورية من استحقاقات في مجال الزراعة والأمن الغذائي؟ ولأن الأمن الغذائي وما يرتبط به من أمن مائى حو أحد أهم دعائم الأمن القومى، فإن إهمال الزراعة يعنى مباشرة تعريض أمننا القومى للخطر. نعم، أيها السيدات والسادة، إن أمننا القومى في خطر شديد على خلفية الإهمال الفاضح لقطاع الزراعة. تلك هي المعادلة.
وفى إطار من مراعاة مقتضيات الكفاءة واعتبارات العدالة، أحد المطلوب من وجهة نظرى للنهوض بالزراعة والفلاح في عدة مهام:
أولا، رفع شعار الأمن الغذائي وجعل تحقيق هذا الأمن هدفا قوميا لا يغيب عن أعيننا لحظة. أقول علينا أن نستهدف تحقيق الأمن الغذائي. ولا يعنى هذا بالضرورة أن نستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي، أخذا في الاعتبار حجم مواردنا الزراعية وإعمالا لمبدأ المزايا النسبية.
ثانيا: مضاعفة نصيب قطاع الزراعة من الاستثمارات العامة.
ثالثا: استعادة العمل بتحديد التركيب المحصولى طبقا لنظام الدورة الزراعية.
رابعا: تصحيح الخلل الذى أصاب علاقات الإنتاج في الزراعة نتيجة للتعديل الذى تم عام 1992 على قانون الإصلاح الزراعى رقم 178 لسنة 1952.
خامسا: سرعة إجراء التعداد الزراعى الذى توقف منذ 2010.
وكل عام والفلاح بخير.
التعليقات متوقفه