ضد التيار..أمينة النقاش تكتب :حرية الإعلام وتجديد الفكر الدينى

110

جاء اجتماع الرئيس السيسى مع قيادات الهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ليبعث الأمل فى أن عهدًا جديدًا لوسائل الإعلام والصحافة سوف يبدأ، وأن رؤية مغايرة لما هو سائد الآن فى كل وسائط العمل الإعلامى، سوف تأخذ طريقها نحو التنفيذ، لكى تغدو تلك الوسائط منابر حقيقية للدفاع عن مصالح عامة، وللتصدى للفساد ودعم حريات الرأى والتعبير، لكل الأجيال والآراء والأفكار والتيارات السياسية والثقافية والفكرية والحزبية المختلفة، طالما تحتكم جميعها إلى العقد الاجتماعى الذى ارتضاه المصريون ووافقوا عليه، وهو مواد الدستور، التى تلزم الدولة بضمان استقلال المؤسسات الإعلامية التى تمتلكها، وتهيئ لها الظروف لضمان حيادها، بما يكفل لكل الاتجاهات السياسية والفكرية المساواة وتكافؤ الفرص فى مخاطبة الرأى العام من على كل منصاتها.
اثنان بدا لى غريبا غيابهما عن حضور هذا الاجتماع، وكنت أتمنى دعوتهما إليه: رئيس مدينة الانتاج الإعلامى “عبد الفتاح الجبالى”، ونقيب الصحفيين “خالد البلشى”، لكى تكتمل الصورة أمام القيادة السياسية من كل جوانبها، لا سيما أن الأول خبير اقتصادى ومالى تفيد خبرته فى القضايا التى تم طرحها فى الاجتماع، فضلا عن أنه يقود موقعًا له علاقة وثيقة بما تمت مناقشته. والثانى يمثل الجماعة الصحفية التى يتجاوز عددها الآن أكثر من أحد عشر ألف صحفي، ويملك تصور تلك الجماعة حول مشاكلها المتراكمة، وبعض الحلول التى توصلت إليها فى مؤتمراتها العامة المتعاقبة، لكى يتم تجاوزها.
اكتسب الاجتماع أهميته من القواعد المهمة التى أرسى بها الرئيس السيسى الرؤية الإعلامية الجديدة، وهى تستند فى مجملها إلى مواد الدستور المعنية بحريات الرأى والتعبير والصحافة. والخبر السار هنا، أن الاجتماع فى جانب منه يعلن أن الأوان قد آن لكى تأخذ تلك المواد طريقها نحو التنفيذ بعد طول جمود. وتقضى المادتان 67 و68 بالتزام الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعهم وتوفير وسائل التشجيع على ذلك، بكفالة حرية الإبداع الفنى والأدبى، ومنح النيابة العامة وحدها حق تحريك أو رفع الدعوى لوقف ومصادرة الأعمال الإبداعية والفنية. وإلزام الدولة بأن تكفل لكل مواطن، وليس للصحفيين وحدهم، الحق فى الحصول على المعلومات بشفافية، من مصادرها المختلفة. وهنا يأتى الخبر السار الثانى، أن قانونًا لحرية تداول المعلومات قد يفتح الطريق نحو إعداده وإصداره، مع غيره من القوانين الأخرى المكملة للدستور، التى توقف العمل عن إتمامها.
وتتضمن المواد 70و71و72 الخاصة بالحريات الصحفية والإعلامية، التأكيد على كفالة حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقى والمرئى والمسموع والإليكترونى، ويحظر فرض الرقابة عليها، أو توقيع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم المرتكبة عن طريق النشر أو العلانية، وتلتزم الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة لها، بما يضمن حيادها. وقد يكون ذلك مؤشرًا على أن القانون المركون فى دهاليز السلطة التنفيذية، وفى الطابق المسحور من البرلمان، بشأن إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى قضايا النشر، سوف يظهر إلى العلن لكى يتم إصداره.
وتهيئة المناخ الملائم لتطوير منظومة الإذاعة والتليفزيون، وتحديث المؤسسات الصحفية الرسمية وإشاعة حريات الرأى والتعبير، كما أوضح البيان الصادر عن الاجتماع الرئاسى، فضلًا عن تشجيع الشباب فى تلك المجالات وتدريبهم والاعتماد على أولوية الكفاءة والخبرة فى اختيار الكوادر المنوط بها إحداث التغيير والمساواة فى التعامل مع الفرص المتاحة، هى مسئولية الدولة بالدرجة الأولى. لكن ذلك لا ينفى مسئولية كل العاملين فى مختلف تلك القطاعات من كُتَّاب وصحفيين وإعلاميين، عن الالتزام بالمنظومة القانونية والدستورية، التى تُرسى قواعد الحفاظ على آداب ممارسة المهنة والتمسك بتقاليدها التى ترتقى بأدائها، وتحفظ لدى الرأى العام مكانتها السامية، بما يعزز دورها كأداة للتوعية والتثقيف والارتقاء بالذوق العام، ويرسخ مناخ حريات الرأى والتعبير، لكى لا يتحول من حق دستورى، إلى جريمة سب وقذف تسائلها ساحات المحاكم، حينما يتم التجاوز من سياق النقد المباح إلى جرائم القذف والسب.
كنت أتمنى أن يجدد الرئيس السيسى فى هذا الاجتماع المهم دعوته التى أطلقها منذ اليوم الأول لانتخابه وذكّر بها قبل بضعة أشهر، وهى الدعوة لتجديد الخطاب الدينى. ومن الملاحظ أن تلك الدعوة الرئاسية التى تم وأدها، بإثارة الشكوك حول أهدافها، والتهرب من مسئولية القيام بها، بالمطالبة بتحديد الضوابط التى تحكمها، لكى يظل الحق فى التجديد مقصورًا على مشايخ ودعاة محدودى المعرفة والتعليم، وعلى المؤسسات الدينية دون غيرها، فينتهى الأمر أن يبقى الحال على ما هو عليه. ومن المؤكد أن تلك الدعوة لتجديد الفكر الدينى الذى هو من صنع البشر، لن تنجز طالما ظل احتكارها فى أيدى من يفسرون النصوص المُقدسة على مقاسهم وهواهم، وعلى غيرهم ممن ينشرون الخرافات باسم الدين، ويشيعون باسمه الفتن الطائفية، ويروجون إلى أفكار تمارس القتل وتدعو إليه باسم الشريعة.
وهى بالتأكيد لن تنجز ورئيس الهيئة الوطنىة للإعلام ريثما كان حافزه الأول للتحرك لتنفيذ خطة الرئاسة، هو إرسال فرق للريف المصرى للبحث عن مثيل للشيخ الشعراوى، الذى ارتبط تاريخه بالترويج للتطرف الدينى ولجماعة الإخوان، وإسباغ صفات إلهية على الحكام وإتابة الفنانين والفنانات عن اعتزال الفن وتجريمه. فأين أنت يا يوسف وهبى كى تصرخ معى ومعنا: يا للهول!

التعليقات متوقفه

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy