بعد تحويل جزيرة «سواكن» إلى قاعدة عسكرية تركية.. محاولة إحياء أوهام «الامبراطورية العثمانية »

150

تحقيق: حسن عبد البر

لا يزال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبحث عن مدخل له فى الشأن المصري، فبعد الفشل الذي لحق به عقب سقوط جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية فى مصر، وبالتالي فطنت القيادة المصرية الجديدة لمحاولاته باخضاع مصر لتكون ولاية له فى المنطقة، وهو المخطط الذي أفشلته ثورة 30 يونيه، رأى الرئيس التركي أن يلجأ للمحيط الخارجي المصري من خلال البحر الأحمر، ولم يجد أفضل من التعاون مع دولة السودان التي لعبت دورا ضد مصر فى ملف مياه النيل، ومحاولتها المستميتة فى الحصول على مثلث حلايب وشلاتين، فأسندت إليه السودان إدارة جزيرة سواكن المرجانية لفترة زمنية غير محددة، ومن المقرر إقامة قاعدة تركية عليها.. هذا التحرك لم يكن الأول من نوعه فى منطقة الشرق الأوسط، فبعد فشل تركيا فى إخضاع الدولة السورية، واستغلالها لمقاطعة الدول العربية لدولة قطر بسبب دعمها للإرهاب، قررت إنشاء قاعدة عسكرية بها، كل هذه التحركات التي يقوم بها الرئيس التركي أتت بعد محاولاته المستميتة للانضمام للاتحاد الأوربي وفشل كل مساعيه، فاتجه إلى إثبات نفسه فى منطقتي القرن الإفريقي والشرق الأوسط.
الدولة العثمانية
والغريب فى الأمر أن الرئيس السوداني لم يعر اهتماما لما قامت به الدولة العثمانية تجاه شعبه فى الماضي، ففى القرن السادس عشر الميلادي قام السلطان العثماني سليم الأول بغزو جزيرة سواكن، وأصبحت مركزا للأسطول العثماني فى البحر الأحمر، وضم الميناء مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر، وترتبط فترة الوجود العثماني فى سواكن والسودان بشكل عام بمجازر وأعمال قتل جماعي ارتكبت بحق السودانيين فى ذلك التوقت، واستخدمتها الدولة العثمانية فى عام 1629 كقاعدة عسكرية لحملتها على اليمن.. وتبعد الجزيرة عن العاصمة الخرطوم نحو 642 كيلومترا، وكانت فى السابق ميناء السودان الرئيسي، و بنيت المدينة القديمة فوق جزيرة مرجانية وتحولت منازلها الآن إلى آثار وأطلال،وتضم منطقة أثرية تاريخية، وميناء سواكن هو الأقدم فى السودان، ويستخدم فى الغالب لنقل المسافرين والبضائع إلى ميناء جدة فى السعودية، وهو الميناء الثاني للسودان بعد بور سودان الذي يبعد 60 كم إلى الشمال منه، و تم ضم الجزيرة إلى السودان التي كانت تتبع مصر فى عهد الخديو إسماعيل بعد أن تعهد الخديو إسماعيل بدفع مبلغ 7500 جنيه مصري لوالي جدة مقابل تنازل السلطان العثماني عن سواكن، وقد صدر فرمان عثماني بذلك وتم الأمر سنة 1869، وفى نوفمبر 2017 قدمت قطر عرضا للحكومة السودانية لإنشاء ميناء بجزيرة سواكن.
عروض مختلفة
ويبدو أن العروض المختلفة التي تلقتها السودان لإدارة الجزيرة، كانت تهدف للتدخل فى الأمن القومي المصري، لمحاولة إخضاع الدولة المصرية ومعاقبتها على إسقاط المشروع الإخواني.
فى هذا الإطار يقول الدكتور سعيد اللاوندي خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات، إن الشيء المؤكد أن تركيا لديها سيناريو خاصا بالشرق الأوسط، تحاول من خلاله أن تثبت للغرب أنها المتحدث الرسمي باسم الدول الإسلامية والعربية فى المنطقة، وتتيح لها جزءا من المصداقية بعد إنشاء عدة قواعد لها فى المنطقة، وتقوم تركيا بتنفيذ كل شيء يُطلب منها من جانب الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، مضيفاً إلى إنه بجانب قاعدتها فى قطر ستكون جزيرة سواكن هي منطقة نفوذها الثانية بالمنطقة.. وأضاف «اللاوندي» فى تصريحات خاصة لــ«الأهالي» أن السودان تريد تحقيق هدفين من وراء ترك إدارة الجزيرة لتركيا، الأول هو حصولها على رضاء الدول الغربية، والثاني مساعدة تركيا فى مخططها تجاه مصر خاصة أن الجزيرة تبعد عن الحدود المصرية 60 كيلو مترا، مشيراً إلى أن ما تفعله الدولتان عبثا بالأمن القومي المصري ويصيبه بالضرر، وأن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما يحدث، خاصة أن السودان يعمل ضد مصالح الشعب المصري.
الداخل المصري
وتابع خبير العلاقات الدولية أن تركيا تحاول إثبات نفسها من خلال الداخل المصري وهذا أصل الخلاف معها، وفى زيارة أردوغان للسودان رفع أنصاره شعار الجماعة الإرهابية، وأن الأمر غير مريح لمصر، مؤكدًا أن العام المقبل سيشهد تطورات كبيرة لأنه عام القواعد العسكرية.
ومن جانبه قال عاطف مغاوري نائب رئيس حزب التجمع، إن لكل دولة حق السيادة فى إقامة علاقتها الخارجية مع الجميع، ولكن عندما يحدث ذلك فى إطار الخلاف مع الجار، وتقدم السودان ما تفعله بذلك من خلق للصراع مع مصر، فى الوقت الذي تتداخل فيه المصالح، يثير هذا الشكوك أن تلك الأفعال تخرج من إطار السيادة، وتدخل فى مخطط حصار مصر التي تسعى إليه تركيا.. وأضاف «مغاوري» فى تصريحات خاصة لـــ«الأهالي»، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفع شعار رابعة عقب مغادرته للسودان، فى زيارته لتونس، وهي أيضًا دولة جوار مع ليبيا، وفى نفس الوقت جزيرة سواكن ولما لها من تاريخ مع مصر والحاكم العثماني، وهو ما يريده الرئيس التركي بمحاولة استعادة نفوذ الدولة العثمانية، وهو ما ظهر فى رده العنيف ضد وزير خارجية الإمارات عندما انتقد حاكم المدينة المنورة أثناء الحكم العثماني، فانتفض ضده أردوغان.. وأنهى نائب رئيس التجمع حديثه، أن ارتباط المصالح المصيرية بين مصر والسودان، تفرض على الجميع عدم اتباع طرق النكاية والمكايدة التي تحدث من الجانب السوداني.
تنازل
ونشر مركز «المزماة» للدراسات والبحوث تقريرًا عن تنازل الرئيس السودانى عمر البشير عن جزيرة «سواكن» إلى تركيا، قال فيه “بعد أن تفرد أردوغان بحكم البلاد، ويئس من انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبى رغم ما قدمه من خدمات وبناء علاقات مع الكيان الصهيونى لإقناع الجانب الأوروبى بالموافقة على الانضمام، اتجهت السياسة التركية فى الاتجاه المعاكس تماما.. وباتت هذه السياسة تشكل جملة من التهديدات على أمن المنطقة والعالم أجمع كردة فعل تركية انتقامية من مواقف الدول الأوروبية تجاه «أنقرة» ورفضها الانضمام إليها لعدة أسباب أهمها قمع الحريات وغياب الشفافية وإصرار تركيا على دعم الأنشطة الإرهابية ولا سيما فى فترة السنوات الست الماضية.”. وأضاف التقرير أن أردوغان أراد أن يعيد أوهام «الإمبراطورية العثمانية» مرة أخرى ولكن بطرق الإرهاب والمؤامرات، فالأطماع التركية فى المنطقة العربية قديمة جديدة، يحاول أردوغان تغطيتها بمسميات واتفاقيات لتتماشى مع السياسة الدولية، لكن دون جدوى، وأن آخر التحركات التركية «الفتنوية» فى الدول العربية كان تسلطه على جزيرة «سواكن» السودانية ما أعاد إلى الأذهان الأطماع التركية فى الدول العربية، ورغبة الرئيس أردوغان فى إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية فى المنطقة على حساب الدول العربية.

التعليقات متوقفه