ماذا وراء الهجوم الأمريكى على سوريا ؟.. ضغوط الدولة العميقة تنسف كل وعود ترامب الانتخابية

50

تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن كل وعوده فى حملته الانتخابية والانقلاب المفاجئ على سياسته التي سبق أن أعلن عنها يبرهن على أن “ الدولة العميقة “ و«المؤسسة» ومراكز الضغط وتجار الأسلحة وأقطاب المال والأعمال.. أقوى من أي رئيس للولايات المتحدة، وأنه مجرد أداة لصناع القرار الحقيقيين.
ما تأثير هذا الانقلاب على أولوية المعركة ضد الإرهاب ؟
وما تأثير هذا التحول والارتداد على أوضاع المنطقة ؟، وخاصة الموقف فى سوريا، التي تعرضت لهجوم أمريكي مفاجئ كان بمثابة هدية قدمتها واشنطن للإرهابيين الذين يقاتلون منذ أكثر من ست سنوات لتدمير الدولة الوطنية فى سوريا ؟.

فى منتصف الصيف الماضي، قررت السيدة تولسي جايارد عضو الكونجرس الأمريكي عن ولاية هاواي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي أن تقوم بزيارة لسوريا فى رحلة تقصي حقائق، ولكن الانتخابات الرئاسية شغلت النائبة التي لم تكن معجبة بهيلاري كلينتون وقررت أن تؤيد صراحة المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز، الأمر الذي أثار انتباه فريق ترامب الانتخابي، وبعد فوز الأخير فى الانتخابات، بحث مع فريقه إمكانية إقناع جايارد بتولي منصب حكومي بارز فى إدارته الجديدة،وخلال المناقشات علم ترامب بعزمها على زيارة سوريا فطلب منها تأخير الزيارة ريثما يتسلم مهام منصبه، لأن لديه ما يقوله لها.
وافقت جايارد على التأجيل، وفى 21 نوفمبر 2016 استقبلها الرئيس المنتخب لأكثر من ساعتين ونصف ساعة. وأبلغته أنها لا تستطيع تأجيل زيارتها لسوريا أكثر من ذلك، وأن برنامجها محدد، وأنها ستكون هناك يوم توليه الحكم رسميًا.
خلال اللقاء سألها أن تشرح له وجهة نظرها حول الوضع فى سوريا والعراق، وبعد سماعها أبلغها أنه موافق على تحليلها، وقالت له إنها تعمل على إعداد مشروع قانون يمنع الأمريكيين من أي تعاون مع شخص تكون له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمجموعات الإرهابية فى العالم، وخاصة تنظيم داعش.
وسألها ترامب : هل ستقابلين الأسد فى دمشق ؟
قالت له : على الأرجح.
قال لها : « حسنا. أسأليه إن كان مستعدًا للتواصل معنا، وأنا مستعد للاتصال به هاتفيًا، ولكن، ليكن معلومًا منذ الآن أن التعاون سيكون عنوانه قتال داعش، وسيجد أن مطلب الإطاحة به من منصبه ليس فى دائرة اهتمامي. وهو عنوان سيختفى من التداول تدريجيًا. أما التواصل المباشر وإلغاء العقوبات، فهما أمران يحتاجان إلى وقت، والمهم أن نعرف كيفية تصرفه ومدى استعداده للتعاون معنا بمعزل عن الروس والإيرانيين. نحن يجب أن نغير سياستنا تجاه الأسد. الاحتواء المباشر قد يكون مفيدًا. الرجل صمد فى موقعه، والواقع يقول لنا إنه يجب أن نتعامل معه إذا كنا نريد مواجهة داعش فعليًا».
هكذا كان ترامب يريد تحقيق تغيير شامل فى كل السياسات الأمريكية فى المنطقة، فهو يتعهد بعدم المواجهة مع روسيا، ويعتبر أن داعش هي الخطر الأساسي على الجميع، ورغم علمه بأن خصومه فى داخل الولايات المتحدة كثيرون سواء فى الحزبين الكبيرين أو المخابرات أو الإعلام أو تجار الأسلحة أو حتى من الجيش لكنه بدا، لأول وهلة، كما لو كان مصممًا على مواقفه ولن يتراجع.
كلام الانتخابات
الهجوم الأمريكي على سوريا يتناقض على طول الخط مع كل مواقف وتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية للحصول على مقعد الرئاسة.
ويكفى التذكير بأنه كرر فى السابق 45 مرة قوله بأن مهاجمة سوريا فكرة سيئة وقد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة.
وقال المرشح ترامب لوكالة رويتر : « يجب ألا نركز على سوريا أن الأمر سينتهي بنا إلى حرب عالمية ثالثة حول سوريا إذا أصغينا إلى هيلاري كلينتون « المرشحة المنافسة له فى انتخابات الرئاسة « وعلينا أن نركز على داعش.
وفى عام 2015 هاجم منافسيه فى الحزب الجمهوري الأمريكي قائلا : «إنهم يريدون حربًا عالمية ثالثة حول سوريا.. أنتم تعلمون أن روسيا تريد القضاء على داعش، ونحن نريد القضاء على داعش.. لماذا لا ندعهم يفعلون ذلك ؟ ربما يجب أن نتركهم يفعلون ذلك.. ماذا نحن بحق الجحيم ؟ هل نحن مجانين ؟ »
لماذا انتخبوه ؟
الملايين من الأمريكيين صوتوا له، لأنه وعد بالتخلي عن سياسة « تغيير أنظمة الحكم « فى دول أخرى، على النحو الذي حدث فى ليبيا بعد العراق، وأدى إلى نتائج عكسية، ولأنه وعد بعدم التدخل فى شئون الدول الأخرى، كما وعد بالتعاون مع روسيا وأن تكون الأولوية القصوى لديه هي محاربة الإرهاب.
ويتذكر الجميع كيف وقف ترامب أمام مجموعة من الجمهوريين فى « ساوث كارولينا « خلال ندوة حول الانتخابات الرئاسية وأعلن أن إدارة جورج بوش الابن كذبت على الأمريكيين لكي تختلق ذريعة لغزو العراق.
هكذا استطاع ترامب أن يفوز فى الانتخابات التمهيدية فى تلك الولاية بسهولة لكي يمضي قدمًا، بعدها، ويفوز بترشيح الحزب الجمهوري ثم يفوز فى الانتخابات الرئاسية.
المفارقة أن انتصار ترامب فى انتخابات نوفمبر الماضي يقدم لمعارضي التدخل الأمريكي فى الخارج الذخيرة اللازمة التي يحتاجونها لإسقاط أي حجة يقولها الآن هو نفسه لتبرير الهجوم الذي شنه على سوريا.
ولا ينسى الأمريكيون تصريحاته الهجومية العنيفة على سياسة « تغيير الأنظمة « التي كانت تفضلها هيلاري كلينتون ومؤيدوها.
ويحق لنا أن نتساءل : ما الذي تغير ؟
القاعدة الانتخابية التي يستند إليها ترامب تعارض التدخل فى سوريا للإطاحة بنظام الحكم، ويمكن حشد هذه القاعدة لمعارضة هذا الجنون الجديد، وهناك الملايين الذين ينتظرون صيحة الاحتجاج.
لقد وضع ترامب الأساس لكي يهدم نفسه إذا اختار طريق الهستيريا الحربية التي يقوده كل من جون ماكين وليندساي جراهام، فى الكونجرس وقام بتصعيد الحرب فى سوريا وأنقذ الإرهابيين من مصيرهم المحتوم.
فى هذه الحالة سوف تتخلى قاعدة ترامب عن شخصه بشكل جماعي، وهي قاعدة ساخطة بالفعل لأسباب عديدة منها توقف الكثير من محتويات الأجندة الموعودة من جانب الرئيس الأمريكي.
قائمة من « الفبركات «
ومن سخرية الأقدار أن الهجوم الأمريكي على سوريا وقع بعد 72 ساعة بالضبط من الضربة السورية المزعومة بالأسلحة الكيميائية فى بلدة خان شيخون التي يسيطر عليها الإرهابييون دون أن يكون هناك أي دليل واضح على أن النظام السوري هو المسئول عن استخدام هذه المواد الكيميائية.
ووقع الهجوم الأمريكي على مطار « الشعيرات « فى سوريا قبل إجراء أي تحقيق وقبل أن تقول الأمم المتحدة كلمتها وتحدد الجهة المسئولة عن استخدام الكيماوي.
والمعروف أن ثمة سجلا حافلا لسلسلة من « الفبركات « التي اخترعها ودبرها الإرهابيون، وهي تتحدث عن نفسها.
فقد زعموا فى السابق أن النظام السوري ارتكب « مذبحة « فى بلدة « الحولة « لقى خلالها 32 طفلاً مصرعهم كما أصيب 60 أخرون بجراح، ونشروا صورًا لهذه « المذبحة «، غير أنه تم اكتشاف أنها صور ضحايا الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ( ! ) وكان الإرهابيون هم الذين قدموا صور تلك «المذبحة « لقناة B.B.C البريطانية فى عام 2013، وبعدها زعم الإرهابيون أن الحكومة السورية استخدمت أسلحة كيميائية ضد المدنيين فى حلب، ثم ظهر أنه غاز مسيل للدموع ! وفى نفس العام ادعى الإرهابيون أن الحكومة السورية استخدمت أسلحة كيميائية فى الغوطة الشرقية على مقربة من العاصمة، دمشق، غير أن السيدة “ كارلا ديل بونتي “، مسئولة جرائم الحرب فى الأمم المتحدة التي سبق أن أشرفت على التحقيقات التي أجرتها لاهاي حول جرائم حرب كوسوفو فى يوغوسلافيا أكدت أن الإرهابيين وليست الحكومة السورية هم الذين استخدموا هذه الأسلحة الكيميائية.
وتقع بلدة خان شيخون ضمن محافظة أدلب حيث يسيطر ما يسمى بتنظيم “ هيئة تحرير الشام “، أي تنظيم القاعدة والسلفيين المرتبطين بتركيا. وهؤلاء الذين تعتبر إدارة ترامب أن كلمتهم بمثابة “ انجيل “، هم أنفسهم الذين دمروا مركز التجارة العالمي وضربوا البنتاجون فى الولايات المتحدة فى هجمات 11 سبتمبر 2001 (!).
كذب وخداع
« فيليب جيرالدي «، المسئول السابق بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومدير مجلس المصلحة القومية، يقول إن شخصيات عسكرية أمريكية لها وزنها ترى أن الزعم بأن سوريا أو روسيا هي التي شنت الهجوم الكيميائي مجرد « كذب وخداع «
،وقال إن هذه الشخصيات تؤيد الرواية الروسية بأنه إما أن تكون الطائرات السورية قد قصفت منشأة يجري فيها تصنيع أو تخزين مواد كيميائية فى خان شيخون أو أن يكون الإرهابيون أنفسهم هم الذين اختلقوا الحادث الكيميائي لتقديم ذريعة جاهزة لضرب المطار السوري.
ويقول جيرالدي إن مصادر أمريكية مهمة فى حالة « دهشة « إزاء المزاعم الحكومية والإعلامية فى الولايات المتحدة حول حادث خان شيخون، ويؤكد هذا المسئول السابق فى المخابرات الأمريكية أن سوريا لا تملك أي دافع يحملها على القيام بهذا الهجوم بالمواد الكيميائية.
ويقول السناتور الأمريكي « توماس ميسي « فى مقابلة مع قناة سي إن إن C.N.N الأمريكية إنه لا يعتقد أن سوريا أقدمت على شن هجوم كيميائي، لأن هذا الهجوم لا يصب فى مصلحتها أو يخدم تحقيق أهدافها.
ويقول المعلق الأمريكي “ دانيل لارسون “ إن الهجوم الأمريكي على سوريا بمثابة “ هدية أمريكية للإرهابيين “
من المستفيد ؟
أما المحلل الأمريكي توماس كناب Thomas Knapp، مدير مركز وليام لويد جاريسون لصحافة الرأي الحر، فإنه يقول إنه بعد أكثر من ست سنوات على الحرب ضد سوريا فإن الحكومة السورية نجحت فى تحويل الاتجاه بمساعدة روسيا وتغيير مجرى الحرب، وكانت توشك على إلحاق الهزيمة بالمنظمات الإرهابية، ومنها تنظيم القاعدة الذي تسانده الولايات المتحدة لكي يعيد سيطرته على البلاد، وبالتالي فإن هجومًا سوريًا بالأسلحة الكيميائية على خان شيخون لا يتفق مع هذا السيناريو، كما أنه لا يخدم أي هدف عسكري، ولكنه يصلح كذريعة يستخدمها الصقور الأمريكيون لتصعيد التدخل العسكري الأمريكي فى سوريا.
ويتساءل المحلل الأمريكي “ كناب “ Cui bono أي “من المستفيد “ ؟
ويجيب عن السؤال بقوله : إنهم أولئك الذين يريدون أن تظل الولايات المتحدة تقف فى صفهم وإلى جانبهم، حيث إن الجيش السوري كان يوشك على تحقيق الانتصار على الإرهابيين قبل أيام من انعقاد مؤتمر يقرر مصير سوريا.
ولسنا فى حاجة إلى التذكير بأن الجهة التي وجهت الاتهام للحكومة السورية هي الإرهابيين الذين يأكلون الأعضاء الداخلية فى أجسام أعدائهم ولا يعرفون قيمة للحياة الإنسانية..، ومع ذلك فقد صدقهم الأمريكيون، أو أنهم كانوا فى حاجة إلى تصديقهم لأسباب سيرد ذكرها.
انتصارات عسكرية
المعلقون الأمريكيون على حق
فقد أحرز الجيش السوري انتصارات على المنظمات الإرهابية فى « جوبار « بضواحي دمشق. ولم يتوقف عند رد المعتدين وإنما توغل فى منطقة « الجابوني « التي لم يصل إليها منذ أكثر من أربع سنوات. لما شن الجيش السوري هجومًا مضادًا فى حماة واستعاد 90% من الأراضي التي فقدها. وهناك فقد محمد الجولاني، زعيم تنظيم القاعدة، المئات من أتباعه. وفى شمال شرقي حلب، تقدم الجيش السوري نحو الأراضي التي تحتلها داعش، ووصل إلى حدود الفرات، حيث توجد القوات الأمريكية، التي تريد إقامة « كردستان سوريا « على أرضها أو « الاتحاد الكردي « أو « الكانتون « الكردي. وهناك يوجد للأمريكيين مطاران رئيسيان : مطار كوباني « عين العرب « ومطار فى « الطبقة».
إنها المنطقة الآمنة التي تحدث عنها ترامب، وسبقه الرئيس التركي أردوغان فى الحديث عنها.
وتعبير « المنطقة الآمنة « تستخدم للإشارة إلى منطقة الاحتلال الأمريكي الجديدة فى الشرق الأوسط، وكانت القوات السورية قد أوقفت زحف تركيا نحو منطقة داعش ومنعت القوات التركية وأتباعها من مهاجمة الأكراد فى مدينتي « منبج « و» عفرين « مما أثار غضب أردوغان.
تنسيق مع المتطرفين
بشهادة الأمم المتحدة والحكومة الأمريكية، فقد تخلصت الحكومة السورية من كل ما تملكه من مواد كيميائية، كما أن دمشق أعلنت أنها تطالب بتحقيق دولي محايد وموضوعي حول استخدام الأسلحة الكيميائية فى خان شيخون.
غير أن الإدارة الأمريكية فى وادٍ آخر.
ذلك أن أجهزة المخابرات الأمريكية، بل كل الدولة العميقة فى الولايات المتحدة، تشن حرب استنزاف ضد ترامب قبل وبعد دخوله البيت الأبيض وتقوم بتسريب معلومات سرية تم جمعها بواسطة مسئولين فى عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وتدور حول مزاعم « التدخل الروسي « فى انتخابات الرئاسة الأمريكية فى 2016. ويعمل نفس هؤلاء المسئولين السابقين مع عناصر إسلامية متطرفة منذ سنوات، كما يعملون مع حكام ينتمون إلى منطقة الخليج فى محاولات محمومة لتغيير نظام الحكم فى سوريا، وتشارك إسرائيل فى هذه المحاولات بعد أن أعلن أكبر مسئول عسكري فيها أنه يفضل أن يحكم سوريا أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش بدلا من بشار الأسد.
وكان جرس الإنذار الذي أحدث أصداء قوية قبيل واقعة «خان شيخون «هو تصريح وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الذي أعلن فيه أن مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد يقرره الشعب السوري، الأمر الذى تطلب الإسراع بالانقلاب على سياسة المرشح ترامب.
تراجع واستسلام
ولكي نفهم مغزى ودلالة ما حدث فى «خان شيخون».. يكفى أن نتابع ذلك الانقلاب المفاجئ بزاوية 180 درجة فى موقف ترامب ووزير خارجيته، فقد أصبح موقفهما يتطابق مع موقف الإرهابيين من نظام الحكم السوري ودول الخليج التي تسعى، منذ زمن، للإطاحة بالرئيس السوري.
أخيرًا.. استسلم ترامب للدولة العميقة، وانقلب على كل مواقفه السابقة سواء فيما يتعلق بسوريا أو بالتعاون مع روسيا أو حتى موقفه من حلف الأطلنطي الذي وصفه، « إبان حملته الانتخابية « بأنه « عفى عليه الزمن «، فإذا به يصبح الآن ضرورة أمريكية، بل إن ترامب نفسه يحتفل بضم عضو أوربي جديد إلى حلف الأطلنطي هو مونتنجرو « الجبل الأسود « !!
صفقة وتصفيق
الآن.. يمكن القول أن ثمة صفقة تمت بين ترامب و.. الدولة العميقة.
والهجوم الأمريكي على سوريا له قيمة سياسية محلية بالنسبة لترامب، إذ أنه يظهر أنه « متشدد « تجاه روسيا، وليس « عميلاً للكرملين «. كما زعمت هيلاري كلينتون ويأتي هذا الهجوم مع بدء التحقيق بشأن « التواطؤ» المزعوم بين ترامب والروس أثناء الحملة الانتخابية فى العام الماضي.
كان الرئيس الأمريكي يأمل فى تخفيف قدر من الضغط الذي يتعرض له فى هذا المجال. وها هو الآن يحصل على تصفيق ليس فقط الحزب الجمهوري بل الحزب الديمقراطي، وكذلك كل من سبق أن اتهموه بأنه لا يصلح للرئاسة أو بأنه « متهور « و» نصف مجنون « ويفتقر إلى أي شعور بالمسئولية وبأنه «جاهل وعديم الكفاءة».
والآن أيضًا تحتشد كل وسائل الإعلام الأمريكية لتقدم التحية لترامب الذي برهن على أنه رئيس « قوي « بعد أن كانت قد اتحدت كلها ضده لتشويه صورته.
بل يتردد، فى الوقت الحاضر فى الولايات المتحدة، أن أمريكا أصبح لها « رئيس « لأول مرة منذ انتهت انتخابات الرئاسة !!
معيار الجدارة !
إذن.. فإن العدوان واحتقار القانون الدولي وانتهاك الشرعية الدولية والبلطجة على المسرح الحالي.. هي معيار القوة والدليل الدامغ على أنه يوجد للولايات المتحدة رئيس يستحق مقعد الرئاسة !.
وكما قال مندوب بوليفيا فى مجلس الأمن، فإن الولايات المتحدة تتصرف كما لو أنها المحقق والقاضي والجلاد !
هكذا اختار ترامب طريق مجانين الحرب من أمثال جون ماكين وليندساي جراهام عضوي الكونجرس اللذين يريدان تصعيد الحرب على سوريا وإنقاذ الإرهابيين وإحباط أي محاولة للتوصل إلى حل سياسي، والعمل على توسيع عمليات القتل والمزيد من الفوضى، والمزيد من اللاجئين.
أما الدول الأخرى، مثل بريطانيا وفرنسا، فإنها أصبحت « مهووسة « بفكرة الإطاحة بالنظام الحاكم فى سوريا، ولم تبد أدنى اهتمام بالمجزرة التي أودت بحياة المئات من المدنيين فى مدينة الموصل العراقية بسبب الغارات الأمريكية فى أواسط شهر مارس الماضي، وتسببت فى مصرع مائتي انسان بل إن مجلس الأمن لم يهتم بهذه المجزرة ولم تهتم بها صحافة الغرب.
على حافة انفجار
ومرة أخرى نقول إن المفترض أن يكون الدخول فى حرب أخرى فى الشرق الأوسط دليلا على أن فى الولايات المتحدة « رئيس قادر على الإنجاز « ويتمتع بمهارة استثنائية، كما تحب الإدارة الأمريكية أن تفاخر الآن.
والخطورة تكمن فى تصعيد ما وصف بأنه « ضربة محدودة « إلى صدام واسع، ذلك أنه يوجد على الأرض السورية : الروس والجنود الأمريكيون وجنود أتراك وإيرانيون وحزب الله اللبناني ومقاتلون أكراد والانتقام من القوات الأمريكية، سواء من جانب السوريين أو الروس وارد وممكن تمامًا إذا قتل أو أصيب روس فى الضربات الأمريكية.
نحن على حافة انفجار إقليمي.
وها هي الصيحات ترتفع على ألسنة دعاة الحرب فى الولايات المتحدة، ويقول أصحابها:
« لقد نضج ترامب بعد دخوله المكتب البيضاوي وتخلى عن آرائه وعن الانعزالية التي كانت تتمثل فى شعار « أمريكا أولاً «
مجانين الحروب
الآن يتصدى ترامب، من وجهة نظر «المحافظون الجدد» الذين روجوا لمشروع غزو العراق فى السابق، لمسئولية القيادة الأمريكية للعالم (!) وبجدارة !!.
والمجانين، من أمثال جون ماكين يطالبون بمنع الطائرات السورية من التحليق فى الجو وتشديد العقوبات ضد روسيا بل والدخول فى حرب مع روسيا ! وعندما سئل جون ماكين عما سيحدث فى حالة مقتل جنود روس على يد الأمريكيين، قال : « لا أبالي على الاطلاق. إننا سنفوز فى حرب ضد روسيا لأننا نتمتع بالتفوق « !!
أليس هذا هو الجنون بعينه ؟
.. ولكن هذا هو نوع العالم الذي نعيش فيه الآن !
الأخطر من ذلك أن هناك فى الولايات المتحدة الآن من يروج لفكرة حرب نووية ضد روسيا (!) وسط مناخ من الهستيريا المعادية لموسكو لم يسبق لها مثيل حتى أثناء الحرب الباردة.
وبعد ذلك كله يزعم هؤلاء أنهم يحاربون الإرهاب !!
ومع ذلك فإن الشعب السوري الذي صمد لأفظع وأبشع الحروب ضده على مدى أكثر من ست سنوات.. قادر على إحباط كل المخططات التي تستهدف تنصيب « أبوبكر البغدادي « رئيسًا للجمهورية العربية السورية بدعم أمريكي أوروبي تركي خليجي.

التعليقات متوقفه