د جودة عبدالخالق يكتب :الناس والحكومة والحوار

763

لقطات

الناس والحكومة والحوار

*بقلم د.جودة عبد الخالق
ما من مكان أو مناسبة ألتقى فيها أحدا في الأسابيع الأخيرة إلا ويكون الحديث عن الحوار. أخبار الحوار؟ ماشى إزاى الحوار؟ هُوَّا الحوار سرى؟ ألاّ صحيح زى ما بيقولوا فيه خطوط حمرا وأمور محرمة في الحوار؟ إزاى الرئيس بيقول حوار والحكومة بترفع الأسعار؟ إنت يا دكتور مصدق حكاية الحوار دى؟ طب وبعد ما تعملوا حوار زى ما طلب الرئيس وتِطْلعوا باقتراحات هيحصل إيه؟ هل أحوالنا هتتحسن؟ هو تخفيض الأسعار عايز حوار؟ وفى مواقع التواصل الاجتماعى ترى العجب العجاب- يقول البعض: حوار بير السلم .. حوار سُكْتُم بُكْتُم .. الحوار الوطنى فتحة خير .. يا مُسَهّل … إلخ. كل ألوان الطيف. قراءتى الشخصية أن المزاج العام للناس بخصوص الحوار أشبه بالغريق الذى يتمسك بقشاية. والناس بين اليأس والرجاء.
وبهذه المناسبة تذكرت مقالا قرأته منذ سنوات بنفس العنوان للأستاذ أحمد أمين. (مجلة الرسالة1933، العدد 16): “صوتان لابد أن يرتفعا في كل أمة ويجب أن يتوازنا حتى لا يطغي أحدهما على الآخر، صوت يبين عيوب الأمة في رفق وهوادة، ويستحث على التخلص منها والتحرر من قيودها، وصوت يظهر محاسنها ويشجع على الاحتفاظ بها والاستزادة منها. والصوتان معا إذا اعتدلا كَوَّنا موسيقى جميلة مُنَسَّقة تحدو الأمة إلى السير إلى الأمام دائما، هي موسيقى الجيش تبعث الرجاء والأمل، وتُمْنِى بالنصر والظفر. فإن بَغَي أحد الصوتين، كانت موسيقى مضطربة تهوش النفس وتدعو إلى الفوضى والارتباك”. ولعل هذا النص البليغ يقدم لنا مفتاحا لنجاح الحوار الوطنى.
إن وطننا في المرحلة الحالية يعيش ظرفا حرجا، يشبه من عدة وجوه إقلاع الطائرة. فالإقلاع، أي المرحلة بين مغادرة الطائرة أرض المَدْرَج (على ارتفاع قريب من الصفر) ووصولها الى الارتفاع المعتاد للطيران في خط سيرها (حوالى 30 ألف قدم في السماء)، هى أخطر المراحل على الاطلاق. ولذلك يتخذ طاقم الطائرة العديد من الإجراءات الاحترازية تحسبا لأى طارئ. فإن نجح الربان والطاقم المساعد والأجهزة الأرضية المعاونة في القيادة والتوجيه والتزم الركاب بالتعليمات، انتظمت الطائرة في رحلتها وبلغ ركابها مقصدهم. أما إذا حدث خطأ في التقدير أو التصرف من أحد الأطراف لا قَدَّر الله، أصاب الطائرة وركابها شر مستطير. ولذلك، فإنى أرى أن الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس أواخر إبريل الماضى هو فرصة لا يجوز أن نضيعها، بأمل ان تنطلق طائرة الوطن إلى مقصدها بأمان.
أدرك تماما أن الحوار الوطنى الذى نحن بصدده يشكل تحديا كبيرا. وقلت أكثر من مرة أنَّ الظرف الراهن في مصر يتطلب من كل مهتم بمصير هذا البلد ومستقبله أن يأخذ مهمة الحوار الوطني بأعلى درجة من الجدية وإنكار الذات، وأن التحدي هو الوصول إلى قاسم مشترك أعظم يحقق المصلحة العامة. وبهذه الروح أنظر إلى الحوار الوطنى. ولذلك أرى أن التشكيك في الحوار الوطني موقف متخاذل. فما زلنا في مجلس أمناء الحوار في مرحلة الإعداد حتى نخرج من الحوار بنتيجة تلبى طموحات الناس. والحوار نفسه سيبدأ بمجرد انتهاء الإعداد الجيد، وبالتالي لا يجوز ان نحكم على عملية قبل أن تبدأ. وهناك واجب لا يمكن الفرار منه، وهو الاستماتة لخروج هذا الأمر بأفضل طاقة ممكنة، حتى تتفجر طاقات المصريين بلا حدود. وأنتهز هذه المناسبة لأطمئن الجميع أننا ملتزمون بأن يتم الحوار في شفافية وبجدية وبمشاركة كل الأطراف المعنية بحاضر ومستقبل هذا الوطن.
تهنئة:
إلى كل المصريين بمناسبتى 23 يوليو 1952 و26 يوليو 1956.

 

التعليقات متوقفه