ترميم الآثار بالخبرة المصرية .. وزير الآثار: الخبراء المصريون يملكون كفاءة نادرة

283

 

تحقيق: صفاء جوهر

ترميم الآثار هو علم جامع لشتى العلوم ومهمته الحفاظ على الأصل وكشف القيم الجمالية والفنية والتاريخية والحضارية التي تمثل قيمته العلمية، وكذلك طبقاً لما أقره القانون وأوصت به المواثيق الدولية لحماية الآثار مثل ميثاق فينيسيا 1966 والذي اعتبر عملية الترميم من العمليات عالية التخصص، ومجال صيانة وترميم الآثار لا يعتمد فقط على المهارة اليدوية والخبرة الفنية، بل يعتمد أيضاً على العلوم التكنولوجية والتي تكشف لنا ما في باطن الأثر حتى نكون قادرين على صيانته وترميمه، وكذلك فإن هذا المجال يعتمد على الدراسات الهندسية والمعمارية والتطبيقية والفنية كما أن تطور مجال صيانة وترميم الآثار يتطلب منا أن نساير ما يستجد من طرق لتطبيق أفضلها حفاظاً على هذا التراث الخالد كما أنه يحتاج إلي قدرات متعددة كالقدرة على البحث العلمي المستمر حيث أن مجال الصيانة والترميم متغير ومتطور دائماً، كما يحتاج الترميم إلي العمل الجماعي إذ يقوم به فريق متعاون من مرممين وحرفيين وأثريين ومصورين ورسامين ولا يمكن لأي فئة منها أن تعمل بمعزل عن الأخرى.

وفى هذا السياق نفى “د. خالد العناني” وزير الآثار الاستعانة بخبراء أجانب لترميم آثار مصرية مؤكدا أن المرمم المصري لا يقل كفاءة عن الخبراء الأجانب إذا تم توفير إمكانات ودورات تدريبية على أعلى مستوى، وأضاف لا ننكر أن هناك أخطاء فردية ولكن ترميم الآثار لا مجال فيه للخطأ لذلك وضعنا على عاتقنا كوزارة للآثار تدريب المرممين بالتعاون مع جهات علمية متخصصة في هذا المجال، وأنا بصفة شخصية سأبذل قصارى جهدي للوصول إلى المستوى العالمي فى الترميم، مشيرا إلى أن الحملات التي يتعرض لها المرمم المصري سيكون الرد عليها عملياً وليس مجرد تصريحات، وأضاف أنه بمناسبة احتفالية يوم “المرمم المصري”، التي نظمتها وزارة الآثار سيتم فتح قناة تليفزيونية على موقع “يوتيوب” تحمل اسم “المرمم المصري”، خاصة بالترميم، يتم من خلالها نشر مختلف الأنشطة والفعاليات والأعمال المميزة الخاصة بالمرممين فى مختلف المواقع والمتاحف الأثرية المنتشرة في محافظات الجمهورية.

وقال “د. غريب سنبل”، رئيس الإدارة المركزية للترميم، إن علم ترميم الآثار هو “علم الممكن” بمعنى أنه يستطيع أن ينهل من كل العلوم الطبيعية المحيطة به سواء به مواد للترميم أو تقنيات مواد لم يتم تصنيعها لهدف معين، بل نتيجة لباحثي بعض الآثار التي تحتاج لأخذ عينات وتحليلها، ووضع دراسة فنية وتصميمية وخطة عمل لكل أثر قبل ترميمه تجنباً للإضرار به، موضحاً أن بعض الآثار رممت بالخطأ قديماً، وعلى يد البعثات الأجنبية وليس المرممين المصريين، مضيفاً أن ذقن قناع “توت عنخ آمون” لم تكسر، بل أنها كانت تركب قديما عند صناعة القناع على طريقة العاشق والمعشوق، وأضاف إن الذقن لم تكن جزءا من القناع كي تكسر منه، قائلاً هذا القناع تم ترميمه من قبل، مشيراً إلي أن معبد الكرنك بالأقصر تم ترميمه عام 2003 من قبل البعثة الفرنسية، والتي استخدمت “الطوب الأحمر” في الترميم، مؤكداً أن الوزارة تعمل حالياً على معالجة وإزالة الترميمات القديمة التي نفذت بطريقة خاطئة، وتم اكتشافها بمختلف المعابد والمواقع الأثرية، وأوضح أن عملية المعالجة تشمل إزالة الترميمات الخاطئة التي تمت في العصور السابقة وتتم إعادة ترميمها مرة أخرى بمواد أصلية تستخدم في أعمال الترميم الحالية باستخدام مواد مختلفة خلال عمليات الترميم.

وأعرب “عزت حبيب صليب” مدير عام إدارة الترميم عن سعادته بنجاح الاحتفال بيوم المرمم المصري  والذي حضره أكثر من اثري ومرمم، متمنيا أن يثمر عن أفكار جديدة وتجارب ناجحة في مجالات الترميم المختلفة، حيث كشف عن ١١ توصية صادرة عن احتفالية يوم المرمم المصري، مشيرا إلي أن التوصيات ترسم ملامح مستقبل الترميم في مصر وكيفية النهوض به، وأوضح انه علي رأس تلك التوصيات إنشاء قطاع للترميم بوزارة الآثار، والعمل على إنشاء قواعد بيانات للترميم والمرممين لدعم اتخاذ القرار، والعمل على تدشين خريطة للأوضاع الراهنة للآثار وتوضح فيها أولويات العمل والتدخل تبعا لخطورة الوضع الراهن لكل اثر، وكذلك كان من التوصيات هي توفير الاعتمادات المالية والفنية لاحتفالية المرمم المصري لتقام سنويا وتحويلها لملتقى علمي عالمي للترميم، علي أن تدعو فيه وزارة الآثار علماء الترميم والصيانة في مختلف الهيئات والمؤسسات الدولية والمحلية، وتوفير مزيد من المنح الدراسية والدورات التدريبية للمرممين من المراكز والهيئات المصرية والأجنبية المتخصصة في علوم الترميم، وشدد على ضرورة العمل على الربط بين أقسام الترميم بالجامعات المصرية ووزارة الآثار ممثلة في قطاع المشروعات من اجل الربط بين الدراسة الأكاديمية والعمل الحقلي وتطوير منظومة الترميم، وربط الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني بالخطط المستقبلية للترميم والصيانة وإعادة التوظيف للحفاظ على التراث من خلال مبادرات أهلية بالتعاون مع الإدارة المركزية للصيانة والترميم، وأضاف أنه يتم ترميم الآثار بعد تقرير حالة الأثر، والتي يقوم بها فريق حاله عن الأثر وفقاً لمظاهر تلف يراها، وبناء عليه يتم تحليل مظاهر هذا التلف لمعرفة أسبابه ، وبالتالي تحديد طرق العلاج ، وبصفة عامة يتم ترميم الآثار بمواد مسترجعة، تعني انه يسهل إزالتها بسهولة دون أن تؤثر أو تترك أثرًا علي الأثر، لأنه كانت توجد مواد غير مرغوب فيها مثل مادة الاسمنت التي كان يتم الترميم بها في الخمسينيات والستينيات حتى أوائل الثمانينيات لأنها كانت مادة أساسية في الترميم وعملية إنقاذ آثار النوبة كلها التي رممها “اليونسكو” كانت من مادة الاسمنت حتى تم اكتشاف أن هذه المادة أخطر مواد ترميم الآثار فحرم دولياً لأنه لم تتم إزالته بسهولة لهذا تم استخدام مواد مسترجعة بعد دراسة لمظاهر وعوامل التلف، مضيفا إن الوزارة تعاني من نقص في أخصائيي الترميم ،وتعاني من تدني دخول الآثار وعمل مشاريع في الفترة الأخيرة لعدم وجود دخل في الوزارة.

وأوضح “عيسي زيدان” مدير الترميم في المتحف المصري الكبير, أن المناخ والتغيرات التاريخية لكل المتاحف الأثرية المصرية تختلف من خلال درجات الحرارة والرطوبة كل حسب مادته ومداه الزمني, حيث إن الرطوبة لها تأثير سيئ تساعد علي تبلور الأملاح علي سطح الآثار مما يؤدي إلي حدوث تشققات بها, مشيراً إلي أن الآثار العضوية هي الأسرع تأثرا وتضررا بذلك وهو ما أدي لتدهور الآثار طوال السنوات العديدة التي كانت مدفونة في باطن الأرض قبل أن يتم استخراجها وإجراء الترميم اللازم لها وإنقاذها من الدمار، وأضاف أن درجة الحرارة المرتفعة تؤدي إلي تقليل المحتوي المائي في الآثار الخشبية مما يؤدي إلي حدوث تشققات بها ،كما أن الرطوبة مع الحرارة تسبب ما يسمي بالتحلل الحراري للخشب، حيث إنه يزيد من فقد المحتوي المائي للأثر لدرجة أخطر من تأثير الحرارة بمفردها، موضحاً أن الرطوبة تؤثر علي الآثار المصنوعة من الأحجار، خاصة الجيرية، حيث تدفع الأملاح عبر طبقات الحجر الجيري حتى الطبقة الخارجية لتؤدي في النهاية لتفتت الأحجار وتكسرها بما يشبه النزيف، واستكمل حديثه بأن الآثار المعدنية خاصة الحديد تتأثر بالحرارة والرطوبة المرتفعة، والتي تؤدي إلي حدوث عملية صدأ وأخطره النشط الذي يظل يأكل في المعدن حتى يتحول إلي بودرة, لافتا إلي أن بيئة الحفظ الجيدة والمهيئة بدرجات مناسبة هي أفضل سبيل للحفاظ علي الآثار من تأثيرات وأضرار الحرارة والرطوبة المرتفعة .

 

التعليقات متوقفه