مصر المبدعة.. تبهر العالم في موكب المومياوات الملكية

875

لم يكن نجاح “موكب المومياوات الملكية وليد الصدفة، بل جاء نتيجة عمل متواصل من الحكومة المصرية، وشارك في نجاحه كل المصريين، الذين أثبتوا للعالم أن مصر هي “فجر الضمير” كما وصفها بذلك عالم المصريات الشهير “هنري برستد”. في كتابه الذي يحمل نفس الاسم.
التفت العالم –مرة أخرى- للحضارة المصرية وللتاريخ الذي يبوح كل لحظة بأسرار جديدة على قدرة المصري على الانجاز.ظهر الإبداع المصري في هذه الليلة –على أكثر من مستوى- بداية من خروج المومياوات في شكل مبهر من المتحف المصري بالتحرير إلى “متحف الحضارة” بالفسطاط، الذي افتتح الرئيس السيسي به قاعة العرض الرئيسية، وكذلك الحفلة الموسيقة الرائعة من خلال “أوركسترا القاهرة السيمفوني” بقيادة الموسيقار نادر عباسي. وتميز العرض باستلهام الموسيقى الفرعونية القديمة باستخدام آلات شعبية مثل الناي والربابة وآلات فرعونية قديمة مثل “الهارب” مع آلات الأوركسترا. وقد أجاد العازفون الذين عزفوا وكأن روح الأجداد قد تلبستهم فجاء اللحن الفريد الذي وضع موسيقاه “هشام نزيه” أقرب إلى الروح المصرية الفريدة.
متحف الحضارة.. شاهد على كل العصور
في قلب مدينة الفسطاط التاريخية بمنطقة مصر القديمة بالقاهرة، وعلي بُعد أمتار من دار الوثائق القومية، ومجمع الأديان، حيث يطل على بحيرة عين الصيرة، يقع واحد من أضخم وأكبر متاحف الآثار في العالم، حيث تصل مساحته إلي أكثر من 140 ألف متر مربع، وبذلك يستوعب ما يقرب من ٥٠ ألف قطعة أثرية تحكي مراحل تطور الحضارة المصرية، وذلك منذ أقدم العصور حتى العصر الحديث.
المتحف القومي للحضارة المصرية، والذي تعود فكرة إنشائه إلى منظمة اليونسكو، عندما قامت بالإعلان عن حملة دولية لإنشائه عام 1982، ويعد أول متحف يتم تخصيصه لمجمل الحضارة المصرية، حيث ستحكي قطعه الأثرية مراحل تطور الحضارة المصرية، ويضم سبعة معارض مختلفة، أهمها المعرض الرئيسي الدائم، والذي سيعرض أهم إنجازات الحضارة المصرية، بالإضافة إلى ستة معارض أخرى تتناول موضوعات: الحضارة، والنيل، والكتابة، والدولة والمجتمع، والثقافة، والمعتقدات والأفكار، بالإضافة إلى معرض المومياوات الملكية.
يتميز المتحف، والذي وضع حجر الأساس له في عام 2002، بفخامته وإتساعه، تلك الفخامة يشعر بها الزائر بمجرد أن يطأ بقدميه ذلك المدخل الطويل المحاط علي جانبيه بالأعمدة الضخمة، والذي يعبره وصولًا إلي قاعة العرض المؤقتة، والتي تعرض الكثير من الصناعات المصرية علي مر العصور، كالصناعات الفخارية والمنسوجات والأزياء والحلي الذهبية والفضية، وتظهر تلك الصناعات مدي تطور المصنوعات الفخارية والزجاجية في مصر القديمة والوسطي والحديثة، لذا يوجد داخل البهو العديد من المجسمات للصانع المصري، بمختلف المهن التي احترف العمل بها، بجواره بعض الأدوات الخشبية والكراسي التي كان يجلس عليها، بالإضافة إلي الكثير من الأواني الخزفية والجداريات والأبواب، والتي تؤكد براعة الصانع المصري.
كما يوجد داخل البهو أحد أندر الأثار المصرية علي الإطلاق، وهو تابوت “الكاهن نجم عنخ” العائد من “الولايات المتحدة الأمريكية، بعد ان إستردته مصر من ضمن الأثار المستردة، ويعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، وذلك عندما حُكمت مصر من قبل الأسرة البطلمية، وكان كاهنًا كبيرًا للإله “هيرشيف” في مدينة هيراكليوبوليس، ويقع بمركز أهناسيا بمحافظة بنى سويف حاليا.
ويعد متحف الحضارة المصرية أحد أهم محاور تطوير منطقة “الفسطاط” الأثرية، تلك المنطقة التي تُعد أول عواصم مصر الإسلامية، لذا تم تطوير بحيرة “عين الصيرة”، والتي تصل مساحتها أكثر من 2 مليون متر مربع، ومن داخل المتحف يمكن مشاهدة العديد من المباني الاثرية القريبة، وعلي رأس تلك المباني قلعة محمد علي باشا، وقد قام بتصميم المعارض الداخلية للمتحف، المهندس المعماري الياباني أراتا إيسوزاكي، في حين حصل الدكتور الغزالي قصيبة أستاذ العمارة بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة علي حق الاستشارة المعمارية.
استقبل متحف الحضارة المصرية مومياوات الملوك المصريين العظام، ويبلغ عددهم 22 من المومياوات، علي رأسهم رمسيس الثاني وأمنحوتب الثاني ومرنبتاح،وتم وضعهم في قاعة المومياوات بالطابق السفلي، كما يضم المتحف ايضًا معامل للترميم، وقد تم بالفعل ترميم تابوتين يعودان إلى تابوت “سنجم” رئيس عمال الملك “سيتي الأول” وزوجته، وهو أحد الكهنة الكبار فى عصر الدولة الحديثة، الذى ينتمى للأسرة الـ19، والتابوتان مصنوعان من الخشب على الشكل الآدمي، وعليهما زخارف ملونة، كما يوجد بداخل كل واحد منهما مومياء المتوفي في حالة جيدة من الحفظ.
في عام ٢٠١٧ ميلادية تم افتتاح المتحف بشكل جزئي، حيث افتتحت قاعة العرض المؤقت، والتي تبلغ مساحتها حوالي ألف متر مربع، وتضم معرضاً مؤقتاً يحمل عنوان “الحرف والصناعات المصرية عبر العصور”، يضم حوالي ٤٢٠ قطعة أثرية مختارة من بعض المتاحف، والعديد من المجسمات، بالإضافة إلى شاشات كبيرة تعرض عدداً من الأفلام الوثائقية التي تتناول تاريخ كل حرفة وتطورها عبر العصور، كما يتضمن المتحف قاعة ومركزا للتعليم والبحث، فضلا عن معرض متعلق بتطور مدينة القاهرة، وسيكون بمثابة مكان لمجموعة متنوعة من المناسبات، وعرض الفيديوهات العلمية ثلاثية الأبعاد والمؤتمرات والمحاضرات والأنشطة الثقافية، وسيستهدف الجماهير المحلية والوطنية والدولية.
وتم تشييد قاعة “العرض المركزي”، والتي تحكى مُلخصاً عن الحضارة المصرية منذ ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث، وتقع على مساحة 2500 متر مربع، وتقدم عرضًا للحضارة المصرية من خلال قطع أثرية ونماذج، وشاشات عرض “وسائط متعددة” ولوحات جرافيك، أيضًا جار تنفيذ قاعة “متحف العاصمة”، التي تعتمد على الـ”وسائط المتعددة” بصفة أساسية، وتقدم عرضًا أثريًا للعاصمة المصرية عبر مختلف العصور، حيث تعرض صورًا ونماذج للعواصم المصرية القديمة، بدءًا من تنيس ومنف هيركليوبوليس وطيبة ولتجتاوي وخاسوت وأواريس وأخيتاتون وبرـ رعمسيستانيس وبوباستيس وسايس، مرورًا بالإسكندرية والفسطاط والعسكر والقطائع، وأخيرًا القاهرة، وذلك من خلال أجهزة “الوسائط المتعددة”، وعدد من الأفلام الوثائقية، كما تعرض أرضية القاعة ماكيت يوضح فكرة العاصمة وعلاقتها بجغرافية مصر.
الموكب الملكي للمومياوات
ضم الموكب الملكي 22 مومياء منها18 للملوك وأربع مومياوات لملكات
وتعد مومياء الملك “سقنن رع” أقدم المومياوات التي تم نقلها من المتحف المصرى للحضارة ، وهو من ملوك الأسرة السابعة عشرة، كان حاكمًا لطيبة “الأقصر حاليًا” بدأ حرب التحرير ضد الهكسوس وأكمل الحرب من بعده ابناه كامس وأحمس الأول.
بدأ حكام مصر فى الأسرة السابعة عشرة تحت قيادة الملك الجنوبى سقنن رع تاعا الثانى فى مقاومة احتلال الهكسوس خصوصًا أنه لم يبق من أرض مصر المستقلة سوى شريط ضيق فى صعيد مصر كان ينعم بنوع من الاستقلال الذاتى تحت سيطرة حكام مدينة طيبة العريقة، وكان يمتد من القوصية فى محافظة أسيوط (آخر حدود الهكسوس جنوبًا) وإلى منطقة إلفنتين فى أسوان، فبدأ حكام طيبة يشعرون بالقوة، وأخذوا يتحالفون مع جيرانهم من أمراء مصر فى الشمال والجنوب، وكتبوا أسماءهم فى خراطيش تسبقها الألقاب الملكية نكاية فى الهكسوس وللتعبير عن ذاتهم المصرية فى مواجهة المحتل الغاشم.
وتوضح لنا إحدى البرديات المصرية بداية الصراع والاحتكاك بين حكام طيبة والهكسوس، وهى قصة تميل إلى الأجواء الأسطورية وتوضح قصة الاشتباك بين حاكم طيبة سقنن رع تاعا الثانى وملك الهكسوس أبيبى أو أبوفيس فى أولى معارك وحروب تحرير مصر من محنة الاحتلال الهكسوسى البغيض.
وقالت الدكتورة سحر سليم، أستاذ الأشعة بكلية الطب جامعة القاهرة، إن الأشعة المقطعية لمومياء الملك سقنن رع كشفت عن تعرضه لضربات فى الرأس والوجه وإصابته بجروح قاتلة، مضيفة أن كتب التاريخ لم تذكر ملابسات وأسباب وفاة الملك سقنن رع وأن الأشعة العادية التى أجريت على المومياء كشفت عن إصابة الملك بجروح فى الرأس فقط، لافتة إلى دراسة أسلحة الهكسوس والموجودة فى المتحف المصرى بالتحرير ومقارنتها بآثار الجروح فى وجه الملك سقنن رع.
رمسيس الثاني
حاكم فرعوني مصري، حكم مصر لمدة 66 سنة من 1279 ق.م. حتى 1212 ق.م. وهو ثالث فراعنة الأسرة التاسعة عشر. لقبه القدماء بابن آلهة الشمس، حيث صعد إلى سدة الحكم وهو في أوائل العشرينات من العمر.
اتخذت أسرة رمسيس من بر رمسيس، مقراً ملكياً لإقامتها، ولكن ظلت طيبة المركز الديني الرئيسي، والمدفن الخاص للملوك وحاشيتهم.
استطاع رمسيس الثاني بناء العديد من الآثار العظيمة، في الكرنك والأقصر وطيبة، وأبيدوس وتانيس، ومنف والنوبة.
يعرض في متاحف العالم العديد من التماثيل التي شيدها رمسيس الثاني، ففي المتحف المصري، العشرات من تلك التماثيل، معظمها ضخم، وتظهر الخواص الفنية المعتادة لفترة حكم الملك رمسيس الثاني، بما لها من ملامح ناعمة مثالية، سواء لتماثيل الإناث أو الذكور، بالإضافة إلى الملابس، والحلي الأنيق المميز.
رمسيس الثاني هو ابن الملك سيتي الأول والملكة تويا.. ومن أشهر زوجاته كانت نفرتاري.. ومن ضمن زوجاته الأخريات، إيزيس نوفرت وماعت حور نفرو رع، والأميرة حاتّي.. بلغ عدد أبنائه نحو 90 ابنة وابن. ومن بين أولاده بنتاناث ومريت أمن، ستناخت والفرعون مرنپتاح والأمير خائموست.
كان لرمسيس عدة أسماء، إلا أن أهم اثنين منهم: اسمه الملكي واسمه الأصلي.
الاسم الملكي “وسر معت رع إن رع “، ويعني: قوي رع وماعت.
الاسم الأصلي “رع مس سو مري إمن”، ويعني “روح رع” أو محبوب أمون.
قاد رمسيس الثاني عدة حملات شمالاً إلى بلاد الشام. وفي معركة قادش الثانية في العام الرابع من حكمه (1274 ق.م.)، قامت القوات المصرية تحت قيادته بالاشتباك مع قوات مُواتالّيس ملك الحيثيين، و على مر السنين التالية لم يتمكن أي من الطرفين هزيمة الطرف الآخر، ولذلك أبرم رمسيس الثاني في العام الحادي والعشرين من حكمه (1258 ق.م.) معاهدة مع حاتّوسيليس الثالث، وهي أقدم معاهدة سلام في التاريخ.

قاد رمسيس أيضاً عدة حملات جنوب الشلال الأول إلى بلاد النوبة.
قام ببناء العديد من المعابد والتماثيل المثيرة للإعجاب، ومن أهم المعابد التي أقامها رمسيس الثاني ما يلي:
ـ مجمع أبوسمبل: وهو موقع أثري يوجد ببطن الجبل جنوبي أسوان. ويتكون من معبدين كبيرين نحتا في الصخر.. وقد بناه الملك رمسيس الثاني عام 1250 قبل الميلاد. وواجهة المعبد تتكون من أربعة تماثيل كبيرة تمثال الملك بارتفاع 67 قدماً (20 مترا) وباب يفضي إلى حجرات طولها 180 قدماً. كما توجد ستة تماثيل في مدخل المعبد الآخر أربعة منها لرمسيس الثاني واثنتين لزوجته نفرتاري.
معبد الرمسيوم: هو المعبد الجنائزي الخاص بالملك رمسيس الثاني، وقد أخذ هذا المعبد اسمه من اسم هذا الملك، ومعبد “الرمسيوم” يقع مدخله في الناحية الشرقية من النيل بالأقصر، وهو معبد له صرح عظيم.
دفن الملك رمسيس في وادي الملوك، إلا أن مومياءه نُقلت إلى خزانة المومياوات في الدير البحري، حيث اكتُشفت عام 1881 ونقلت إلى المتحف المصري بالقاهرة بعد خمس سنوات، حيث مازالت محفوظة

صانعات الحضارة
ومن أهم المومياوات التي تم نقلها مومياء الملكة “حتشبسوت” أشهر ملكات العصر الفرعوني، وأول حاكم مصري يقيم علاقات سياسية مع الدول المجاورة حيث أرسلت بعثات تجارية إلى بلاد “بونت”.
كما أسست “حتشبسوت” مجموعة من المباني والمعابد أشهرها “معبد الدير البحري” بمدينة الأقصر، والذي يعد معجزة معمارية بكل المقاييس. ،
أما الملكة “تي” فهي من أشهر الملكات في العصر الفرعوني وهي زوجة “أمنحتب الثالث” وأم الملك “أمنحتب الرابع” ا(إخناتون)، وجدة “توت عنخ آمون”.
أما الملكة ميريت آمون فهي الابنة الرابعة للملك رمسيس الثاني وزووجته الملكة نفرتاري، وأصبحت هي الملكة بعد أن تزوجها والدها رمسيس الثاني بعد وفاة والدتها، وسميت ميريت آمون بمعنى حبيبة آمون.، أما الملكة أحمس نفرتاري فهي عميدة الأسرة الثامنة عشرة، وهي زوجة الملك أحمس قاهر الهكسوس ومؤسس الأسرة الثامنة عشر.

 

التعليقات متوقفه