تسلسل العلاقات بين روسيا والناتو …. كيف بدأت طيبة ثم تغيرت

بوتين لم يستبعد انضمام روسيا للناتو فى بداية حكمه

138

حرب باردة جديدة على خلفية عدم ثقة واتهامات بالتجسس
موسكو تتهم الحلف بالزحف البطئ لضم أوكرانيا وإرسال قوات وخبراء عسكريين وتقديم معونات لأوكرانيا

تأسس حلف الناتو بعد الحرب العالمية الثانية، ثم نشأ حلف وارسو كحلف مضاد بعد أن قسم الحلفاء أوروبا فيما بينهم، خلال سنوات الحرب الباردة ولأسباب تتعلق بالإيديولوجية ومناطق النفوذ فى العالم ناصب الحلفان بعضهما البعض العداء بشكل واضح وصريح، لكن قنوات الاتصال بين الحلفين المتنافسين ظهرت فقط فى عام 1991، حيث عين الاتحاد السوفيتى نيكولاى أفاناسيفسكى ممثلاً له لدى الناتو، وبعد ذلك وإثر انهيار الاتحاد السوفيتى أصبح يمثل روسيا كوريث للاتحاد السوفيتى، عمل الممثل السوفيتى ثم الروسى لم يكن مقتصراً على حلف الناتو فقط وإنما فى الأساس سفير روسيا لدى بلجيكا، ويقوم بعمل كممثل لبلاده لدى الحلف بالإضافة لعمله كسفير أى لم يكن متفرغاً. وهذا منطقى فالحرب الباردة وضعت أوزارها منذ وقت ليس بالبعيد.
لكن فى ديسمبر عام 1991انضمت روسيا إلى ما عرف حينها بمجلس الناتو للتعاون، وكان الناتو يهدف من وراء ذلك تحسين العلاقات مع الدول غير الأعضاء فى الحلف، تغير شكل التعاون فى عام 1997، وتحول إلى مجلس حلف شمال الأطلنطى إلى مجلس شراكة، الذى وحد بين الدول الأعضاء فى الحلف والدول غير الأعضاء فى المنطقة الأوروبية.
الشراكة من أجل السلام
فى شهر يونيو عام 1994، انضمت روسيا إلى ما عرف حينها “برنامج الشراكة من أجل السلام”. بمقتصى هذا البرنامج أرسلت روسيا قوات حفظ سلام إلى غرب البلقان تحت قيادة الناتو. وفى مايو 1997، فى باريس جرى توقيع اتفاق روسيا ـ الناتو، الذى وضع أساس للعلاقة الثنائية بين روسيا والحلف. كان الاتفاق ينص على لقاءات منتظمة بين الجانبين وكذلك فتح ممثلية لكل طرف لدى الآخر فى بروكسل وموسكو، وتبادل معلومات وممثلية عسكرية للناتو فى موسكو، ونص الاتفاق على إلزام حلف الناتو بعدم جواز نشر قوات بالقرب من الحدود الروسية على الإطلاق.
فى مارس 1998 تم افتتاح ممثلية روسيا لدى حلف الناتو، المهمة الرئيسية لها هو العمل على تشجيع وتوسيع الحوار الثنائى بين روسيا والناتو. وأخيراً تطورت العلاقة بدرجة كبيرة، لكن هذه المرة على لسان القائم بأعمال الرئيس الروسى والمرشح للرئاسة فلاديمير بوتين عندما صرح فى لقاء متلفز مع قناة بى بى سى البريطانية فى مارس عام 2000، إنه لا يستبعد انضمام روسيا لحلف الناتو، لكنه للحقيقة لتحقيق ذلك وضع شروط عدة منها التكامل مع أوروبا وأن تكون روسيا شريكا على قدم المساواة والأهم من ذلك هو عدم توسع الحلف شرقاً والاقتراب من الحدود الروسية.
أعمال إرهابية
وفى شهر سبتمبر عام 2000 تم افتتاح ممثلية الناتو لدى روسيا فى العاصمة موسكو، كجزء من سفارة بلجيكا. لكن علاقة روسيا بحلف الناتو أصبحت أكثر قوة بعد الأعمال الإرهابية فى 11 سبتمبر 2001 فى الولايات المتحدة، وبذلك تطورت العلاقة على خلفية مكافحة الإرهاب. ووصلت العلاقات بين روسيا وحلف الناتو إلى ذروتها فى عام 2002، حيث تم توقيع ما عرف باسم إعلان روما “علاقات روسيا ـ الناتو نقلة نوعية جديدة”، والتى على أساسها تم إنشاء مجلس روسيا ـ الناتو. مهمة المجلس التوافق والعمل على اتخاذ مواقف مشتركة فيما يتعلق بالقضايا المحورية، وفى المستقبل تحويل العلاقة بين الحلف وروسيا إلى مستويات أعلى مع احتمال على العضوية الكاملة.
فى عام 2003 روسيا والناتو يتعاونان فى تأمين الاستقرار فى أفغانستان، وهذه المسألة اصبحت محور اللقاءات الدورية لمجلس روسيا ـ الناتو، فى إحدى هذه اللقاءات اقترح وزير الدفاع الروسى حينها سيرجى إيفانوف على حلف الناتو تخصيص ممر جوى عبر الأراضى الروسية لتقديم الدعم اللوجستى لقوات الحلف، وقبل الأخير الاقتراح، فكانت طائرات الحلف تمر عبر الأراضى الروسية إلى أفغانستان بمئات الرحلات فى اليوم الواحد.
لكن على يبدو دوام الحال من المحال، ففى عام 2007 بدأت البرودة تدب فى أوصال العلاقات بين روسيا وحلف الناتو، أحد أهم علامات البرودة فى العلاقات كان حديث الرئيس بوتين فى مؤتمر ميونيخ للأمن، حيث أعلن سيرجى ريابكوف على لسان الرئيس الروسى (حينها كان يشغل منصب مدير قسم التعاون الأوروبى فى وزارة الخارجية الروسية ـ حالياً نائب وزير الخارجية) إن ما يربط روسيا بالناتو فى الوقت الراهن هو مكافحة تهريب المخدرات.
جورجيا وأوكرانيا
فى عام 2008، إزادادت العلاقة بين روسيا وحلف الناتو تعقيداً، بسبب مناقشة الحلف إمكانية انضمام كل من جورجيا وأوكرانيا (من دول الاتحاد السوفيتى السابق) لمخططات الحلف لعضويتهما لضمهما. أصرت الولايات المتحدة وكل من بولندا وجمهوريات البلطيق والتشيك وغيرها من دول شرق أوروبا الأعضاء فى حلف وارسو على ضم الجمهوريتين السوفيتيين السابقتين، وأعلن الحلف أن جورجيا وأوكرانيا يمكنهما أن تصبحا أعضاء فى الحلف عندما تنطبق عليهما المواصفات التى تنص عليها شروط العضوية فى الحلف، رأت روسيا فى إعلان الحلف أنه توسع للحلف شرقاً واعتبرته تهديداً مباشراً لها.
فى أبريل 2008، صرح رئيس الأركان الروسى يورى بالويفسكى بأنه إذا ضم الناتو أوكرانيا وجورجيا، فإن روسيا سوف تتخذ إجراءات بينها العسكرية للمحافظة على مصالحها على حدودها، ثم كانت الصدام الكبير بين روسيا والناتو فى أغسطس عام 2008 بسبب حرب الأيام الخمسة، عندما اتهم الناتو روسيا باستخدام القوة المفرطة ضد جورجيا بسبب هجوم الأخيرة على أراضى أوسيتيا الجنوبية، التى يعيش فيها كثيرون من مواطنى روسيا، وهى إحدى مقاطعات جورجيا التى تتمتع بحكم ذاتى وترغب فى الانفصال. بعد ذلك وفى عام 2009 تم وقف اجتماعات مجلس روسيا ـ الناتو، وبالتالى إلغاء تنفيذ العديد من البرامج التى كانت معدة سلفاً.
ضم القرم
لكن القشة التى قصمت ظهر البعير فى علاقة روسيا والناتو، وأدت إلى وقف كافة أشكال التعاون بينهما، كان النزاع فى شرق أوكرانيا، حينها اتهم الحلف روسيا بالعدوان والتدخل فى الشئون الداخلية، “ضم” القرم بالقوة وبشكل غير قانونى، كان هذا فى أبريل 2014، وفى نفس الشهر منع الحلف كل العاملين فى البعثة الروسية لدى الحلف، باستثناء رئيس البعثة ونائبه، من دخول مقر البعثة، وخفض عدد الأعضاء من 70 إلى 50 فرداً.
وهكذا لأول مرة لم تدع روسيا إلى قمة الناتو التى عقدت فى لندن فى سبتمبر عام 2014، وناقش الأعضاء فيه الوضع فى أوكرانيا وأعلنوا عن وجود تهديد من جانب روسيا، وتم اتخاذ قرار برفع حالة الاستعداد تحسباً لقيام روسيا بالعدوان على إحدى الدول الأعضاء فى الحلف. لم تقف روسيا مكتوفة الأيدى فاتخذت فى ديسمبر 2014 قراراً بالإعلان عن عقيدها العسكرية الجديدة، التى أشارت فى إحدى نقاطها أنها تعتبر التهديد الرئيسى لها هو نشر قوات الناتو واقتراب الحلف من حدودها.
روسيا.. قلق الناتو
فى يوليو عام 2016، أعلن الحلف فى قمته التى عقدت فى وارسو عاصمة بولندا، أن روسيا هى التهديد الأساسى للدول الأعضاء فى الناتو. أسفرت القمة عن إقرار برنامج لرفع القدرات الدفاعية للحلف فى مجال الأمن السيبرالى، تحسباً لأعمال عدوانية قد تقوم بها روسيا ضد إحدى دول الحلف، كما اتفق أعضاء الناتو على الاستمرار فى تقوية القوات المتمركزة فى دول البلطيق (لاتفيا ـ ليتوانيا ـ إستونيا).
فى عام 2018 أعلن حلف الناتو عن أعمال استفزازية تقوم بها روسيا على الحدود الغربية والبحرين الأسود وبحر البلطيق. واتهم الحلف روسيا بمحاولة تسميم جاسوس روسى سابق وابنته فى سالسبورى ببريطانيا، ولم يذهب مكان ممثل روسيا لدى الحلف الكسندر جروشكو، الذى غادر بروكسل فى يناير 2018، بديل.
أوكرانيا .. والحلف
وهكذا فى عام 2019 توقف الحوار بين روسيا والناتو تماماً، وهو ما فسره وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف بأن الحلف يعتبر المشكلة الأوكرانية لها أولوية عند الحلف، وروسيا لا تريد حتى مجرد مناقشة هذا الأمر، وتعتبر شرق أوكرانيا مشكلة داخلية أوكرانيا، والقرم أرض روسية استعادتها روسيا. كما نشاهد العلاقات بدأت باحتمال انضمام روسيا للحلف وانتهت كما نرى فى عام 2021 بحرب دبلوماسية وغلق البعثات فى بروكسل وموسكو، ويمكن القول بأنها حرب باردة جديدة على خلفية عدم ثقة واتهامات بالتجسس، وتتهم روسيا الحلف بالزحف البطئ لضم أوكرانيا وإرسال قوات وخبراء عسكريين وتقديم معونات عسكرية لأوكرانيا، مما يمثل تهديدا لروسيا، وذلك تمهيداً لضم أوكرانيا للحلف. والحلف يرى أن ما يحدث فى شرق أوكرانيا واستعادة روسيا للقرم عدوان على وحدة وسلامة الأراضى الأوكرانيا وتدخل فى شئونها الداخلية، مع حلول 1 نوفمبر ستتوقف العلاقات بين الناتو وروسيا تماماً، وهو ما يثير مخاوف كثيرة لدى الحلف وروسيا فى نفس الوقت من أى خطأ قد يحدث أو تصرف يجرى تفسيره فى غير موضعه، وستنتهى كذلك المشاورات بين الجانبين والتى تخفف الكثير من حدة التوترات فى مناطق كثيرة فى العالم، على أى حال هناك احتمال لقاء قد يجرى بين الرئيسين بوتين وبايدن قبل نهاية العام الجارى، من المحتمل أن يخفف من حدة الأزمة بعض الشئ لبعض الوقت …. التناقض بين الجانبين من الصعب تسويته بشكل نهائى وطوال الوقت.

التعليقات متوقفه