الشاعر حسن طلب.. الشعر الجيد يمحو الفواصل بين الخاص والعام

437

الشاعر د. حسن طلب احد ابرز الاصوات الشعرية فى جيل السبعينيات فيم صر، صاحب تجربة ممتدة لاكثر من اربعين عاما، وقد صدرت له مؤخرا الاعمال الشعرية الكاملة عن المجلس الاعلي للثقافة وضمت دواوينه المختلفة ومنها “لا نيل إلا النيل” و”سيرة البنفسج” و”انجيل الثورة وقرآنها” و”حجر الفلاسفة” و”عاش النشيد” وغيرها، كما أنه احد المؤسسين لواحدة من اهم الجماعات الشعرية العربية وهي “اضاءة 77” هنا حوار معه.

فى تجربتك الشعرية هناك تجريب دائم فى عنصر اللغة والاحتفاء بها والتجديد فى بنيتها داخل سياق النص الشعري كيف تري تلك العلاقة الجدلية؟
علاقتي باللغة علاقة قديمة، أنا انظر للغة باعتبارها ليست وعاء للنص الشعري، هي عندي وسيلة لا غاية وجدل الوسائل والغايات لابد أن يحركه وعي الشاعر. كيف يمكن لعنصر اساسي كاللغة أن تكون وسيلة، لأن المعني هو الغاية، اللغة تصنع مستويات للمعني.
وهذا ما يحركني فى بنية القصائد، احيانا اريج المستوي المتداول للغة، واحيانا اريج المستوي الصوتي من خلال اللغة تستطيع أن تذهب إلى ما وراء المعني احيانا الموقف يتطلب ترجيح المستوي التداولي للغة، فاللغة هي عتبة النص الاولي، بشرط أن تتحول إلى المستوي الشعري.
الموقف احيانا يتطلب لغة قديمة كما فى ديوان “الزبرجد” هنا تعلمت مع التراث فكان لابد منلغة توافق مع هذا التعامل، مواجهة التراث لا تكن بلغة عصرية وهناك قصائد تتعامل مع الواقع تحتاج إلى لغة عصرية مثل ديان “انجيل الثورة وقرآنها”. الذي كتب عن ثورة 25 يناير، كتب عن المستوي الحركي للناس.
هناك حالة من التشابك مع الواقع السياسي والاجتماعي داخل دواوينك المتعددة مثل “لا نيل إلا النيل” و”عاش النشيد” وغيرها.
هذا التشابك يكف تراه؟
أنا أراه من زاوية الفروق بين مستويات التجربة المستوي الذاتي والمستوي الواقعي هي فروق وهمية، عندما تكتب عن هم عادي لن تكون كتابتك لها مصداقية إلا إذا تحول هذا الهم هم ذاتي.فالهم الذاتي ليس منفصلا عن الهم العام، شرط الشعر الجيد أن تذوب الفواصل بين ما هو عام وما هو خاص. إذا تم هذا الذوبان فأنت قادر على تحويل الهمس إلى لغة شعرية. وهنا تكمن المصداقية، فالقضايا الذاتية ليست منفصلة عن القضايا العامة المشتركة لأننا نعيشها وتؤرقنا.
موقف شعري
فى احيان هذا التشابك يجعل هناك حالة من الصدام مع التابوهات كما حدث فى ديوانك “آية جيم” – وما موقف الشاعر من كل ذلك؟
يؤدي إلى صدام فى عصور الضعف وسيادة الفكر التقليدي المتجمد والاصولية بصورتها الجامدة عندئذ سوف يصادر الابداع. فى فترات القوة والازدهار تكون هذه التيارات هامشية، فتجد ابداعا قويا ومزدهرا.
هل العصر الذي نعيش فيه يشهد تراجعا للحرية المكفولة للمبدعين؟
هناك تراجع حقيقي فى هذا الجانب، وهذا التراجع سيؤدي إلى مزيد من التخلف، وعلي الشاعر إذا اراد أن يرضي ضميره عليه أن يعبر عما بداخله، أما إذا خاف فلن يقدم عملا جيدا.
احيانا يكون الثمن هو حرية الكاتب؟
ما المانع فى ذلك، الحرية لها ثمن، ولن يهبها لنا الاخرون، يجب أن نكون مستعدين كمبدعين لدفع الثمن إذاك ان ذلك ضروريا الابداع لا يعرف التدجين.
اضاءة 77 كانت جماعة شعرية فارقة ما فلسفة الرؤية الجماعية فى تكوين اضاءة؟
اضاءة 77 حالة خاصة فى الشعر المرئي عرفت بنظرتها الشاملة للواقع، ظهر أول عدد عام 1977 وسبقه احلام وتخطيط لسنوات سابقة، جاءت فى ظل معارك سياسية وفكرية شهدتها تلك الفترة.
من ناحية الرؤية جاءت ناقدة لهذا الواقع فى عصر “السادات” وفترة سيادة رأس المال، وسيادة التيارات الدينية التي أتي بها السادات لمواجهة التيارات الاشتراكية.
اضاءة مجلة وجدت فى فترة املت عليها التعبير عن تلك الفترة، من الناحية الابداعية جاءت لتواجه الرؤي الابداعية لجيل الستينيات.
< انت باستمرار تضع قناعاتك فى مرأة النقد الذاتي اولا، وهذا دليل قدرة على الابداع. فى مقدمة اضاءة فى العدد الاول كتبنا عن مفهوم الشعرية فقد كتب المقدمة الاولي صديقي الشاعر الراحل حلمي سالم مفرقا بين “الشعر والشعار” وكتبت فى مقدمة العدد الثاني عن “الوظائف الجمالية للشعرية”، وما اقوله ليس مطابقا لما قاله “حلمي” والعكس صحيح كلانا كان يستفيد من آراء الاخر.
هناك مراجعات كثيرة نتيجة للرؤي المختلفة بيننا خاصة أنا وحلمي سالم، اما رفعت سلام فقد انفصل عن الجماعة مبكرا بعد أن اختلف معنا، وبقي جمال القصاص وماجد يوسف.
المراجعات دليل قوة على النقد الذاتي. بعضها كان يستفيد من بعض، فما كان لنا أن نقف ثابتين والدنيا تتحرك من حولنا. كنا نحاول أن نصل إلى حالة خاصة ولو نسبيا من الاتفاق.
تجربة مختلفة
اضاءة انتجت ما يسمي بالشاعر الناقد، حيث وجدنا شعراءها، يكتبون فى النظرية النقدية كيف تري هذا الامر؟
هذا كان ضريبة الاصرار على طرح رؤي مغايرة فى مواجهة السائد، الشقي النقدي كان مرتبطا بالشق الابداعي. كان الجيل القديم من النقاد منحازين للتجربة الشعرية فى الخمسينيات والستينيات، كتبوا عنه ومكنوا له، نحترمهم، لكن لم يكن من المستطاع الاعتماد عليهم فى الكتابة عن تجربتنا بما فيها من مغامرة وتمرد.
فكان لابد أن نكتب عن رؤيتنا الابداعية سواء فى نصوصنا او نصوص الاخرين.
نقاد الستينيات ادوا مهتمتهم فى اثراء واضاءة المشهد الشعري فى تجربة الشعرالحر، كان لابد من ظهور كتابات جديدة مغايرة.
هل انهي عصر الجماعات الادبية فى ظل الواقع الراهن؟
فى ظل الواقع الراهن مع سيطرة الوسائط الالكترونية الحديثة، الجماعات الادبية مرتبطة بتواصل الافراد اصبحت الوسائط الحديثة فرصة لتكوين جماعات افتراضية.
النص التفاعلي
ما رأيك فيما يكتبه البعض تحت مسمي “النص التفاعلي”؟
أراه أحد التقاليع السلبية، لأنها تجعل من الابداع فكرة مشاعية، حيث يتحول منظاهرة ابداعية فردية مختلفة.
ما نراه حالات من التداعي غيرالمبرر، ويكون هناك طمس للابداع الحقيقي. وقتل لتجربة الذات.
هذه محاولات لا يكتب لها النجاح، هناك كتابات سابقة لمحمود درويش بالاشتراك معين بسيسو حيث كتبا قصيدة مشتركة وقت “حصار بيروت” لكنها اقل شعرية من الخطاب الشعري لدرويش.
فى نصوصك حالة حوارية حيث تعدد الاصوات ألم يدفعك ذلك لكتابة مسرح شعري؟
هذا حلم كبير بالنسبة لي، ربما كتبت عوضا عنه مجموعة من القصائد الطويلة منها قصيدة “كلانا لاعب” مهداة إلى حلمي سالم وتمثل ديوانا أعده للطبع وكذلك قصيدة “ليس فى الامكان ابدع مما كان”.
كيف تري دور بيت الشعر وأنا أحد اللجنة المشرفة عليه؟
تجربة “بيت الشعر” حديثة العهد منذ اربع سنوات تقريبا، هناك اخطاء وهناك احلام كثيرة للارتقاء بمستواه.
المفترض أن يضم كل الشعراء من مصر واستضافة الاسماء البارزة فى الشعر العربي.
كذلك يحتاج إلى مقر فى وسط البلد بدلا من مقره الحالي فى منطقة “الحسين”. هذا البيت مطالب بتقديم الاصوات الشعرية المختلفة.
نتمني أن تكون لبيت الشعر فروعا فى الاقاليم المختلفة حتي يكون باستطاعته التأثير فى الحركة الشعرية المصرية. ونتمني الانتقال إلى الجامعات، وهذا لن يتم إلا بالتنسيق مع وزارة الثقافة التابع لها “بيت الشعر”.
وقد اقترحنا اصدار مجلة للبيت لمساعدة الاجيال الجديدة لكن المسألة مرهونة بالجانب المالي، وإذا ظهرت مجلة فى هذا الاطار من الممكن أن يلتف حولها الشعراء.
مكانة ثابتة
هل تري أن الشعر مازالت له مكانة فى الواقع الثقافى المصري؟
الازمة تكمن فى بعض النقاد الذين حاولوا هدم الشاعر لصالح فنون أخري. المسألة كانت محاولة لتصفية حسابات مع بعض الشعراء.
الشعر فى مصر موجود بقوة من الناحية الكيفية والمعيارية باختلاف اجياله وتياراته، الشعر أهم الفنون جماليا، فهو عماد كل الفنون.
كيف تري المشهد الشعري حاليا؟
هناك حالة من الازدهار وهناك حالة رواج فى نشر الشعر،هناك سلاسل خاصة فى هيئة الكتاب وهيئة قصور الثقافة، تنشر انماطا و اشكالا مختلفة من الشعر.
لكن انا مع التدقيق فى مسألة النشر كي ننشر الشعر الجيد الحقيقي.
كيف تري دور الثقافة فى اللحظة الراهنة؟
الثقافة ضرورية لاصلاح المجتمع، فالبداية الحقيقية تكمن فى نهضة العقل. على الدولة أن تعتمد على المثقفين الحقيقيين الذين بامكانهم تدعيم المشروع الثقافى المصري.
متي يخرج المثقف من عزلته؟
فكرة “المثقف العضوي” تصلح فى فترات معينة لها شروطها الاجتماعية، الشاعر يكون عضويا أن يكون قادرا على الوصول فنيا إلى الجمهور ويشبع الحاجات الجمالية للمجتمع إذا استطاع الشاعر ذلك فإنه يقوم فى رأيي بهذا الدور العضوي.
لا يستطيع اكثر منذ لك، أن يحس بأنه صاحب رسالة فكرية وجمالية إذا سعي لنشر هذا الدور فقد قام بدوره المنوط به، فالابداع هو الذي يحرك نبض الجماهير شرط أن يمتلك مقوماته الجمالية والفنية التي تجعله معبرا عن الواقع الانساني.

التعليقات متوقفه