بوتين يراهن.. قمة العشرين.. خطوة على طريق نزع فتيل التوتر بين موسكو وواشنطن

322

لعل أهم ما جعل العالم يعلق الأنظار إلى قمة العشرين التى انعقدت فى اليابان هى المشاكل الكثيرة العالقة بين دول كبيرة أو بين كبار العالم، وعلى رأس هذه المشاكل روسيا واليابان ونزاعهما على جزر الكوريل منذ الحرب العالمية الثانية وما قبلها وترغب اليابان فى حل هذه المعضلة ومحاولة توقيع اتفاق سلام مع روسيا على اساس عودة الجزر للسيادة اليابانية، ثم يأتى الخلاف وعدم التوافق بين الولايات المتحدة وروسيا على العديد من الملفات مثل سوريا وفنزويلا وأوكرانيا والقضايا البينية بينهما مثل العقوبات المفروضة على روسيا وخروج الولايات المتحدة من اتفاق حظر الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، ومحاولاتها ضم دول أخرى تنتج نفس الأنواع من الصواريخ مثل الصين والهند وباكستان، ثم ملف الحرب التجارية مع الصين وهو ملف يعنى العالم ككل بما له من تأثير على الاقتصاد العالمى بأسره، باختصار لم تذهب هذه الدول إلى القمة فى أوساكا باليابان حيث تستضيف القمة على قلب رجل واحد وبهدف واحد بل ذهبوا إليها وكل يغنى ليلاه ويحمل همومه، ويرغب فى الجلوس مع من له مشكلة معه دون تعقيدات المفاوضات المباشرة وما قد يسبقها من شروط للتفاوض.
لعل أهم ما يعنينا هنا هو لقاءات الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذى كان يتوق للقاء ترامب لفترة أطول لخلق نوع من التعاون أو إيجاد لغة للتفاهم مع رئيس الولايات المتحدة الجديد القديم، لأن اللقاءات كلها جاءت على هامش قمم عامة ولم تحقق المطلوب منها، واللقاء الوحيد الذى تم تنظيمه بينهما كان فى هلسنكى العام الماضى ولم يحقق نتائج تذكر، وكان ذلك بسبب التمدد الروسى سواء فى الشرق الأوسط (سوريا) أو فى فضاء الاتحاد السوفيتى السابق (أوكرانيا) ومحاولة روسيا الدفاع عن نفسها بوقف تقدم الناتو فيما يتعلق بأوكرانيا، أو بمكافحة الإرهاب فيما يتعلق بتدخلها فى سوريا.
جاء اللقاء الروسى الأمريكى المرتقب، فمن حيث المبدأ أعلن الرئيسان عن رغبتهما فى تحسين العلاقات بين البلدين، وبدا ترامب أكثر شجاعة فيما يتعلق بهذا الأمر بعد أن اسقطت عنه تهمة التواطؤ مع روسيا فى الانتخابات الرئاسية، وفى اعتقاد الخبراء أن بدأ الحوار بين القطبين الكبيرين فى حد ذاته يعتبر إنجاز كبير، لأن حالة العلاقات الروسية الأمريكية تعتبر ترمومترا يحدد مصير ليس فقط الدولتين، ولكن العالم بأسره، لأن هاتين الدولتين تمتلكان حوالى 90% من مخزون العالم من السلاح النووى.
وكما يقول الخبراء، إن جل الرؤساء الأمريكيين فى مدخلهم للعلاقات مع روسيا، ينتهجون البراجماتية مبتعدين كل البعد عن الأحكام المسبقة والإيديولوجيات، لكن فى نفس الوقت سيكون على الرئيس الأمريكى الحالى تقديم كشف حساب للداخل الأمريكى عن الوضع، الذى يراقبه المحافظون الجدد وما يسمى باللليبراليين الأمميين، ويعدون على الرئيس نظراته وهمساته وحركاته أثناء المفاوضات، ويعتبرون أى بادرة طيبة من الرئيس الأمريكى تجاه روسيا خيانة.
ومع الأخذ فى الاعتبار الخلافات العميقة بين روسيا والولايات المتحدة والتى لا يمكن تجاوزها فى مجرد لقاء على هامش قمة العشرين، فإن الاتفاق حول القضايا الخلافية المطروحة حالياً على الساحة الدولية محل شك كبير، ويعتقد الخبراء أن المهمة الرئيسية المطروحة على الجانبين اليوم، تنحصر ليس فى تحسين العلاقات الروسية الأمريكية، ولكن فى خلق آلية مشتركة لكبح جماح التصعيد فى الخلافات، لكى يمنع الجانبان أزمات كبيرة تهدد الأمن والسلم العالميين على طريقة «أزمة الكاريبى» 1962.
على أى حال وكما قال وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف «الاتفاق على فتح قناة للحوار والتشاور مع الجانب الأمريكى فى الظروف الحالية يعتبر عملا إيجابيا، على الطريق لتحسين العلاقات بين البلدين، وإن كان ترامب ربما أراد الاستعاضة ولو مؤقتاً عن السوق الصينى بسبب الخلافات التجارية والحمائية مع الصين بأن أعرب عن رغبته فى توسيع التجارة مع روسيا. فى المجمل اللقاء كان جيداً وفى ظل الظروف الحالية فى العلاقات بين البلدين والضغوط الداخلية فى الولايات المتحدة، فإن اللقاء يعتبر خطوة هامة على طريق تحسين العلاقات بين البلدين.
ربما بسبب عدم قناعة الرئيس بوتين بالنجاح الذى تحقق فى اللقاء مع الرئيس ترامب، عقد الرئيس الروسى قمة ثلاثية مع كل من رئيس وزراء الهند مورى والرئيس الصينى، كان لقاء العمالقة الثلاثة، الذى قال الرئيس بوتين عن أحدهما وهو العملاق الصينى أن علاقة بلاده بالصين هى الأفضل على الإطلاق عنها مع أى دولة أخرى فى العالم، وبالطبع نفس العلاقات مع الهند، ومن المعروف أن الهند والصين بينهما خلافات عميقة دفعت بهما إلى حافة المواجهة المسلحة أحياناً، ناهيك عن أن الصين هى الداعم الرئيسى لباكستان العدو اللدود للهند، فهل ينجح الثلاثى العملاق فى كسر شوكة واشنطن ووسيلة ضغط عليها على الأقل فيما يتعلق بعلاقاتها التجارية مع الصين، أو بالعقوبات على موسكو سنرى، لكن المؤكد أن الهند علاقاتها طيبة بالولايات المتحدة، ورغم ذلك لكسر احتكار الدولار لسوق التعامل بالعملة الأجنبية تتعامل روسيا مع هذين العملاقين بالعملات المحلية.
لم ينس الرئيس بوتين الشرق الأوسط، فالتقى بالرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث أكد الرئيس بوتين على حميمية العلاقات المصرية الروسية، بينما أعرب الرئيس السيسى عن رغبة مصر فى تطوير وتعميق العلاقات مع روسيا والاستفادة من الخبرات الروسية فى كافة المجالات، ورغم زحمة اللقاءات فإن الرئيسين السيسى وبوتين حرصا على اللقاء مؤكدين بذلك رغبة الجانبين الروسى والمصرى فى دفع العلاقات بين البلدين إلى آفاق أرحب، حيث تدرك روسيا أنها ستستطيع قهر كافة التحديات التى تواجهها فى الشرق الأوسط، إذا كانت علاقاتها بالقاهرة وطيدة، خاصة فيما يتعلق بدور روسى فى تسوية القضية الفلسطينية أو مصرى فى تسوية الملفين السورى والليبى.
قمة العشرين لم تعد كما كان البعض يعتقد فى السابق مجلس أمن موسع بعض الشيء، ومن وجهة نظر بعض خبراء السياسة الدولية، قمة العشرين نفسها قد اختفت كلقاء سنوى يعقد كل عام فى دولة مختلفة، بل أصبحت مجرد منصة للقاءات بين الزعماء لمناقشة الخلافات العالقة بين دولهم دون شروط مسبقة، فى كل الأحوال هذا أصبح تقليدا جديدا، فمن الممكن أن تحل روسيا مشكلتها مع اليابان من خلال إحدى هذه القمم، كما شاهدنا محاولة تلطيف أحواء العلاقات بين واشنطن وموسكو.

د. نبيل رشوان

التعليقات متوقفه