صواريخ إس 400 فى أنقرة.. ورد باهت من واشنطن

■ ثلاثة اختراقات للدبلوماسية الروسية فى أسبوع ■ تنفيذ صفقة الصواريخ مع تركيا.. أول مسمار فى نعش حلف الناتو

270

لا شك فى أن الحدث الأبرز هذا الأسبوع كان بدء توريد صواريخ إس 400 إلى تركيا برغم رفض وتهديد الولايات المتحدة وحلف الناتو لتركيا، تارة لأسباب فنية وتارة لمنع الصفقة لأسباب تجارية، حيث تسعى الولايات المتحدة لوقف انتشار الأسلحة الروسية حول العالم وما سيؤدى إليه هذا من نفوذ سياسى لروسيا فى مناطق عديدة من العالم.
من حيث المبدأ قيمة صفقة إس 400 تبلغ 2،5 مليار دولار، وكما تحدثت وسائل الإعلام الروسية والسكرتير الصحفى للرئيس الروسى، أن الصفقة يتم تنفيذها فى المواعيد المتفق عليها بدقة متناهية، ربما يكون هذا بسبب الجدل الدائر بين موسكو وأنقرة من ناحية وواشنطن من ناحية أخرى، وأشارت وزارة الدفاع الروسية إلى أن الصواريخ سيتم تفريغها فى قاعدة «مريد» العسكرية التركية، الواقعة فى محيط العاصمة التركية أنقرة. الغريب فى الأمر وهذه ربما لأول مرة تحدث فى عملية توريد سلاح فى العالم أن تتم عملية الشحن فى روسيا والتفريغ فى القاعدة التركية على الهواء مباشرة، ربما كان هذا فيه نوع من التحدى لواشنطن، أو نوع من المكايدة لها، حتى أن وزارة الدفاع الأمريكية، ألغت مؤتمرًا صحفيًا كان مكرساً لتنفيذ هذه الصفقة بعد الإعلان عنه ثم تأجيله وبعد ذلك ألغى.
عرض أمريكى
الجانب التركى الذى يخشى عقوبات أمريكية قاسية، حذره منها الأمريكيون قبل ذلك، أسرع بالإعلان عن أن أنقرة تدرس أيضاً العرض الأمريكى الخاص بشراء صواريخ «باتريوت» الأمريكية وفق تصريح بعض المسئولين الأتراك، وصرح وزير الدفاع التركى فى محاولة لامتصاص الغضب الأمريكى وإصرار بعض نواب الكونجرس على فرض عقوبات بأن شراء تركيا للصواريخ الروسية لن يؤثر على توجهها الاستراتيجى، غير أن هذا لم يؤثر على الأسواق التركية، وأحدث هزة أدت إلى ارتفاع فورى للدولار، تحسباً لعقوبات أمريكية قادمة كما قالت الواشنطن بوست، وخفضت منظمة فيتش من تصنيف تركيا الإئتمانى، بينما أعلن وزير الأمن القومى التركى أن الصواريخ الروسية ستكون جاهزة للعمل فى شهر أكتوبر القادم.
مخاطر فنية
وفيما يتعلق بالمخاطر الفنية، التى كان يحذر منها العسكريون الأمريكيون والخبراء فى حلف الناتو، من أن ما يخشونه هو عدم تمييز الصواريخ بين الأهداف الصديقة والمعادية، وأى أهداف معادية لصواريخ روسية غير الطائرات الأمريكية، كما أعلن بعض الخبراء الامريكيون أن الصواريخ الروسية من الممكن أن تكشف بعض اسرار الطائرات الأمريكية الحديثة إف 35 وهو الأمر الذى ينفيه العسكريون الأتراك بشدة، على أى حال ربما هذا ما دفع الخبراء الروس فى وزارة الدفاع إلى الإعلان عن أنهم سيقومون بتنظيم هذا الأمر مع زملائهم الأتراك حتى لا تحدث حوادث قد تؤدى إلى إلغاء الصفقة، وكلنا يذكر حادث إسقاط طائرة الاستطلاع الروسية إل 20 فوق سوريا بواسطة صواريخ روسية من طراز إس 300 عندما كانت تتعامل مع غارة إسرائيلية. نعود للعقوبات المحتملة فقد أشارات قناة سى إن إن، أن تركيا أصبحت قريبة من فرض عقوبات عليها أكثر من أى وقت مضى، واعتبرت ما حدث ضربة جديدة للعلاقات الأمريكية التركية.
السمعة الأمريكية
ورغم المحاذير الفنية، فإن للخبراء رأى مختلف بعض الشىء، وهنا تلعب السياسة دورها، فكما يقول الخبراء، لا شك أن الصفقة ضربة قوية لسمعة المجمع العسكرى الصناعى الأمريكى، عندما تشترى دولة من أقدم أعضاء حلف الناتو أسلحة من المنافس والخصم التقليدى للولايات المتحدة والحلف وهى روسيا، وهو قد يؤدى فى النهاية إلى خسائر مادية كبيرة للولايات المتحدة، كما منحت الصفقة الجانب التركى قدرة على المناورة لطلب تنازلات من الجانب الأمريكى، خاصة فى الملف السورى والتوقف عن دعم الأكراد فى شمال سوريا وربما الموافقة على إنشاء منطقة عازلة فى شمال هذه الأخيرة لتوقى خطر قوات سوريا الديمقراطية، المكونة فى أغلبها من الأكراد والمرتبطة بحزب العمال الكردستانى العدو اللدود للقيادة التركية، أو من الممكن أن يحدث العكس وتدفع تركيا ثمن هذه الصفقة من أمنها القومى من خلال دعم واشنطن للأكراد، فى الوقت الذى لا تمانع فيه روسيا صديقة الأكراد القديمة والأزلية من حكم ذاتى لهم وهو ما ترفضه تركيا جملة وتفصيلاً. خاصة وأن الولايات المتحدة قدمت عروضًا مغرية للجانب التركى مقابل التخلى عن صفقة الصواريخ الروسية، فقد اقترحت واشنطن على تركيا صواريخ مماثلة «باتريوت» الأمريكية وإن كانت أغلى من ناحية السعر، وهددت واشنطن حلفاءها الأتراك من أنها سوف ستوقف أو ستلغى صفقة طائرات إف 35، التى تعاقدت تركيا عليها مع الولايات المتحدة، أو ستلغيها بشكل كامل، غير أن تركيا لم تخضع للتهديدات الأمريكية، بل إن الصفقة تنفذ حالياً بكل دقة.
بعض المحللين، اشار إلى أن الشجاعة التركية فى التعاطى مع الصفقة كان مرده أن الرئيس الأمريكى عند لقائه مع الرئيس إردوغان فى أوساكا على هامش قمة العشرين، هاجم سلفه باراك أوباما على تشدده فى عقد صفقة «الباتريوت» مع تركيا مما دفع الرئيس التركى للجوء إلى روسيا.
بلطجة اقتصادية
بعض الخبراء فى العالم يعتقدون، أن تنفيذ الصفقة جاء فى وقت غير مناسب، ففى الوقت الذى تقوم فيه تركيا ببلطجة اقتصادية من خلال إرسال جهاز حفر إلى المياة الإقليمية لقبرص اليونانية، وذهب أحد خبراء برامج التوك شو الروسية إلى أن الصواريخ سوف تنصب فى قبرص التركية لحماية أجهزة الحفر التركية، بينما أشار آخر إلى أن الصفقة من الممكن أن تكون وبالاً على المجمع العسكرى الصناعى الروسى إذا ما قامت استخبارات وعسكريو حلف الناتو بفك شفرة الصواريخ الروسية، وهو الأمر الذى جعل روسيا تعلن عن جيل جديد من نفس الصواريخ إس 500.
على اى حال عقد الصفقة، التى أعلن عنها فى ابريل عام 2018، وبدأ تنفيذها الآن لا شك هو نجاح للرئيس بوتين والقيادة الروسية، فى القيام باختراق داخل حلف الناتو، الذى لا ترى روسيا له أهمية سوى خلق التوتر فى العالم خاصة بعد التوسع شرقاً على حساب دول حلف وارسو سابقاً بل والاقتراب من عاصمة روسيا الشمالية والثقافية سان بطرسبورج، من خلال انضمام دول البلطيق للحلف، لكن هناك بعض الخبراء يقللون من أهمية تركيا لحلف الناتو فى الوقت الحالى بعد توسعات الناتو شرقاً لأقصى درجة ممكنة من الحدود الروسية، فقد كان الاتحاد السوفيتى فى السابق محمياً بسياج من دول حلف وارسو (انضمت كلها حالياً للناتو) وكانت تركيا هى الدولة الوحيدة من دول حلف الناتو، المطلة على الاتحاد السوفيتى عبر البحر الأسود، وكلنا يعرف اتفاق جعل فنلندا دولة محايدة باعتبار أنها قريبة من الاتحاد السوفيتى ومنع دخولها الناتو. وللتدليل على أهمية تركيا إبان الحرب الباردة وأثناء أزمة الكاريبى قامت الولايات المتحدة بنصب صواريخ مماثلة لتلك التى نصبها الاتحاد السوفيتى فى كوبا، ومن ثم تمت تسوية الأزمة، أما الآن فلم تعد تركيا بنفس الأهمية، لحلف الناتو بعد التوسع شرقاً، بل أن بعض المحللين يعتقد أن صفقة الصواريخ التركية قد تكون أول مسمار فى نعش حلف الناتو على المدى البعيد.
بعد زيارة الرئيس بوتين لإيطاليا واختراق الاتحاد الأوروبى وكسر حصاره، الذى يفرضه على روسيا جاء انتصار روسى آخر، عندما أدرك الرئيس الأوكرانى الجديد فلاديمير زيلينسكى أهمية روسيا كلاعب أهم فى أزمة شرق أوكرانيا ومنطقة الدنباس الانفصالية، فلم يجد الرئيس الأوكرانى الجديد من بد الا الاتصال تليفونياً بالرئيس بوتين ومناقشة معه بعض القضايا المهمة مثل أزمة تبادل المحتجزين من الجانبين ومحاولة ضم الولايات المتحدة لصيغة نورماندى لتسوية الأزمة الأوكرانية.
وأياً كانت دوافع الاتصال فى هذا والوقت ولم يبق على الانتخابات البرلمانية فى أوكرانيا سوى عشرة أيام، والذى فسره البعض بأنه محاولة من الرئيس الأوكرانى لرفع شعبية حزبه «خادم الشعب» بعد أن ارتفعت شعبية حزب « من أجل الحياة» بقيادة فيكتور ميدفيدتشوك رئيس ديوان الرئيس كوتشما الأسبق، على خلفية وساطته لإطلاق سراح بعض المحتجزين فى منطقة الدنباس، وأصبح معروفاً أن الرئيس الأوكرانى على استعداد لفعل أى شئ خوفاً من تآكل شعبية حزبه، فناقش أمر الإفراج عن البحارة المحتجزين فى روسيا على خلفية الصدام مع القوات الروسية فى مضيق كيرتش، وناقش معه إحياء صيغة نورماندى لحل الأزمة فى شرق أوكرانيا مع ضم الولايات المتحدة، غير أن المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية أعلنت عن رفض الولايات المتحدة للانضمام، وهى تحاول بقدر المستطاع الابتعاد عن الملفات الشائكة وهى لديها ما يكفيها، أو ربما هى أيضاً تحاول عدم الاصطدام بروسيا فى منطقة أخرى من العالم، بعد أن أطلقت هذه الأخيرة يد واشنطن فى الملف الإيرانى، الذى تكتفى فيه روسيا بالتصريحات الداعية للتهدئة.

د. نبيل رشوان

التعليقات متوقفه