كابل «رامان-الأزرق».. «جوجل» عراب سياسى.. أم وحش رأسمالى؟

2٬148
أثار الموضوع الذى نشرته “الأهالى” فى العدد الماضى تحت عنوان: “المصرية للاتصالات مستهدفة.. كابل جوجل للإنترنت ضربة لمصر ويمهد لتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية” الكثير من الجدل، وتمادى البعض فى ركوب الموجة، وتوجيه أصابع الاتهام للشركة المصرية للاتصالات لدرجة اتهام قياداتها بالإهمال والتسبب فى توجه شركة جوجل نحو اعتماد مسار بديل عن قناة السويس يمر مباشرة من السعودية للأردن عن طريق ميناء العقبة. وزعم آخرون أن تمديد جوجل للكابل عن طريق السعودية ثم الأردن ثم إسرائيل (فلسطين المحتلة) يشير إلى مخططات سياسية أكبر من مجرد تمديد كابل إنترنت، وأن العملية تبدو وكأن جوجل تلعب دور العراب فى العلاقات السياسية فى منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من الحقيقة القائلة أن جوجل ما هى إلا وحش رأسمالى يبحث عن المزيد من الأرباح.

 

جدول يوضح أسماء جميع كابلات شركة جوجل والكابلات المشاركة فيها حول العالم وتواريخ دخولها الخدمة

تشير المعلومات التى نشرها موقع Submarine Cable networks إلى أن شركة جوجل بدأت بناء شبكتها للكابلات البحرية منذ تشغيلها لأول كابل بحرى تابع لها عام 2010. ومنذ ذلك الوقت تواصل جوجل توسيع شبكتها حيث سيصل عدد الكابلات التابعة لها بما فيها الكابل الذى يدور الحديث حوله وهو كابل بلو-رامان Blue-Raman والمتوقع أن يدخل الخدمة عام 2022 إلى 16 نظاما للكابلات تحت سطح البحر، بطول إجمالى يبلغ 120 ألف كيلومتر تقريبا.
وخلال الفترة بين عامى 2016 و 2018 استثمرت جوجل 47 مليار دولار أمريكى كنفقات رأسمالية لتحسين البنية التحتية التابعة لها والتى تشمل 134 نقطة تواجد (Point of Presence-PoP).

 

كابل بلو- رامان

بالنسبة لكابل بلو رامان، الذى تم الإعلان عنه، ولكنه لم يحصل حتى اليوم على الموافقات التنظيمية اللازمة للبدء فى تمديده، فهو حسب المعلومات التى توافرت لدينا حتى ساعة كتابة هذا الموضوع ينقسم إلى قسمين. الأول تمت تسميته باسم رامان Raman تكريما لاسم عالم الفيزياء الهندى “فينكاتا رامانVenkata Raman الذى حصل على جائزة نوبل فى الفيزياء عام 1930 عن عمله فى مجال التبعثر الجزيئي، واكتشافه ما يعرف باسم “تأثير رامان”، وسيمتد من ميناء مدينة مومباى الساحلية الهندية ليمر تحت مياه المحيط الهندى وصولا إلى سلطنة عمان التى يمر بها برا ليواصل مساره البرى من جنوب شرقى المملكة العربية السعودية وصولا إلى شمالها الغربى ليعاود النزول إلى مساره البحرى فى البحر الأحمر مرورا بخليج العقبة حتى يصل إلى ميناء العقبة الأردنى. أما الجزء الثانى من الكابل والمسمى “الأزرق” Blue فسينطلق من ميناء جنوة الإيطالى ليمر تحت مياه البحر الأبيض المتوسط مرورا بجزيرة صقلية ثم يواصل مساره البحرى حتى مدينة تل أبيب، لينطلق منها برا إلى الأردن وصولا إلى ميناء العقبة حيث يتلقى عنها مع نظيره الأول ويرتبطا ببعضهما.

 

من اليمين – فينكاتا رامان – عاطف عبيد – أحمد نظيف – عادل حامد – نائل الشافعي

 

التقنية أم الجغرافيا

وهنا يعتقد الذين يربطون مسار الكابل بالسياسة فى الشرق الأوسط أن تقسيم الكابل إلى جزأين لا علاقة له بالنواحى التقنية بل بالجغرافيا السياسية، وأن جوجل تعمدت أن يبدو الأمر كذلك حتى لا تعطى الانطباع بأن الجزء “الإسرائيلي” من الكابل يمر عبر الأراضى السعودية.
أما النظرية الأخرى التى تدور حول نفس الكابل فتقول بأن مصر تبالغ فى فرض رسوم على الكابلات التى تمر عبرها، مما أجبر جوجل على البحث عن مسار بديل، فكان مسار السعودية-الأردن-إسرائيل هو البديل المتاح فنيا. ويستند هؤلاء فى اتهاماتهم إلى معلومات تقول بأن الاسم الكودى المتفق عليه بين الدول الأطراف فى الكابل هو “تجاوز مصر: Bypassing Egypt.

تجاوز مصر!

يقول أحد خبراء الكابلات البحرية الذين تواصلت معهم “الأهالى” (تحدث إلينا بشرط عدم الإشارة إلى اسمه) إنه من الواضح فعلا أن كابل جوجل يسعى لتجاوز المسار المصرى المشهور عبر قناة السويس، ولكن تسمية العملية باسم Bypassing Egypt لا تحمل أى دلالات سلبية أو عدائية من شركة جوجل تجاه مصر، لأن هدف شركة جوجل تجارى بحت، فهى شركة استثمارية رأسمالية تبحث عن المزيد من الأرباح، وترغب فى تأمين استثماراتها، وضمان استمرارية عمل الإنترنت، وبالتالى استمرار عمل محركات البحث التابعة لها، واستمرار عمل موقع يوتيوب، وغيره من خدمات الإنترنت التى تقدمها الشركة لضمان تدفق العوائد الإعلانية. ولما كان هناك حوالى 17 كابلا بحريا يمرون عبر قناة السويس، فإنه الاعتبارات الفنية تعنى أن القناة مزدحمة بالكابلات، وأن المسافات الحالية بين الكابلات أصبحت متقاربة بشدة، مما يزيد من مخاطر انقطاع الكابلات البحرية. ولهذا سعت الشركة إلى ما يسمى تنويع المسارات أى اللجوء لسياسة عدم وضع البيض كله فى سلة واحدة.

 

المسار الأقصر

يواصل خبير الكابلات البحرية الشرح بأنه بالإضافة إلى تنويع مسارات الكابلات لضمان تقليل مخاطر الانقطاع، فإن المسار المرسوم لكابل بلو-رامان يعتبر الأقصر بتكلفة اقتصادية أقل من حيث المسافة التى سيقطعها الكابل. ولو نظرنا للخريطة فإن الكابل سيمر من السعودية مباشرة عبر خليج العقبة إلى ميناء العقبة أى أنه سيمر بضلع واحد من أضلاع مثلث شبه جزيرة سيناء (شرق سيناء)، أما فى حالة مرور الكابل من قناة السويس فسيمر فى هذا المسار بمسافة أطول بكثير لأنه سيمر بقناة السويس من خلال ضلعين من أضلاع المثلث (غرب وشمال الجزيرة) ليعاود مساره إلى إسرائيل. ومن هنا يصبح من المستبعد أن تكون هناك محاولة من جوجل للعب دور عراب سياسى فى الشرق الأوسط، ويتضح أن الأمر اقتصادى بحت ولا علاقة له بما يردده البعض من محاولة شركة جوجل إلغاء مصر من خريطة الكابلات البحرية، أو تجاوز دورها، فسيظل المسار المصرى للكابلات مهما، وتعتمد عليه الشركات، لأن مسألة تنويع أو تعدد مسارات الكابلات تعتبر مهمة جدا للشركات بسبب الانقطاعات التى تحدث بشكل شبه يومى لكابلات الإنترنت حول العالم، والتى قد لا يشعر بها البعض بسبب تعدد وتنوع المسارات، فإذا حدث انقطاع فى منطقة معينة يمكن الاعتماد على المسارات البديلة لتأمين استمرار خدمات الإنترنت.

 

ثلث العالم

ويشير خبير الاتصالات البحرية إلى احتمالات أخرى من بينها أن الشركات عندما تخطط لاستثمارات جديدة تضع فى اعتبارها احتمالات مثل المخاطر المستقبلية، فمثلا هناك اعتبارات تتعلق بسيناريوهات نشوب حرب فى المنطقة، أو اتخاذ مصر لقرار بوقف خدمة الإنترنت عن العالم لأى سبب. صحيح أن هذه الاحتمالات ضعيفة، ولكن الشركات الكبرى تحسب حساباتها لكل الاحتمالات، خصوصا أن هناك تقارير تؤكد أن ثلث العالم يعتمد على مصر للوصول إلى الإنترنت، وفقا لما تؤكده مدونة Open Cables المتخصصة فى كابلات الإنترنت.

 

أموال ضائعة

فى شهر مارس من عام 2012 كتب الدكتور نائل الشافعى، وهو خبير مصرى، صاحب شركة اتصالات ألياف ضوئية فى الولايات المتحدة وشركته هى الحامل الرئيسى لدويتشه تليكوم وفرانس تليكوم إلى مركزى الإنترنت فى فيينا (فرجينيا) ومانهاتن (نيويورك) مقالا فى جريدة: “لوموند ديبلوماتيك: تحت عنوان: “بيزنس الكابلات البحرية.. مصر خارج الملعب”، أوضح فيه ما ملخصه أن مصر تعتبر ممرا معلوماتيا مجانيا، وسرد فيه قصة حدثت معه نورد فى ما يلى نصها: “ذات صباح خريفى عام 2000 بنيويورك اتصل بى “جارى وينيك”، مؤسس شركة جلوبال كروسينج لكابلات الاتصالات البحرية، متباهيا ومتسائلا: كم أدفع من الرسوم لإدخال كابل فى بناية معينة فى منهاتن؟ فأخبرته أننى أدفع 64 ألف دولار شهريا، فرد على بأنه بصدد توقيع عقد لتمرير كابل بقناة السويس بمبلغ عشرة آلاف دولار سنويا. فى ديسمبر 2000 قابلت (المرحوم) د. عاطف عبيد، رئيس الوزراء آنذاك، ثم وزير اتصالاته الدكتور أحمد نظيف، لأعرض عليهم الأموال الضائعة على مصر، وكيف أن قناة السويس بنيت فى القرن التاسع عشر لنقل البضائع إلا أن أهميتها تضاعفت فى القرن الحادى والعشرين لنقل المعلومات بين الشرق والغرب.. كل ما علينا هو تحديد التسعيرة المناسبة لمرور المعلومات فى القناة (عبر مصر عموما) وتحصيل تلك الرسوم. وبينت أنه لو أخذنا برسوم تمرير الكابلات فى ميناء نيويورك وطبقناها على حجم مرور المعلومات كما يعلنه أصحاب الكابلات، فإن دخل قناة السويس السنوى من مرور كابلات الاتصالات سيتعدى 750 مليون دولار عام 2008، ويرتفع إلى مليارى دولار عام 2015 بدون أى استثمارات من جانب مصر.
تمر الأعوام وفى خريف 2006 يتصل بى “بروستر كيل”، مؤسس أرشيف الإنترنت، ليشكو من أن شركة “فلاج” للكابلات البحرية تطلب ما يقرب من مليون دولار فى السنة لوصلة إنترنت سرعتها 150 ميجابايت / ثانية لمكتبة الإسكندرية. هذه السعة هى أقل من واحد على عشرة آلاف من السعة القصوى لكابلات الشركة المارة عبر مصر بدون مقابل. رسوم مرور الكابلات فى نيويورك تتكون من عناصر عديدة منها أخذ 10 % من قدرة الكابل المار للاستخدام المجانى للتعليم والصحة والمكتبات والأمن، بالإضافة إلى تحصيل 5 % من إجمالى الدخل المتحقق من مرور الكابل”.

 

أجندة مكشوفة

يتضح مما كتبه الدكتور نائل الشافعى، أن محاولات البعض الزج باسم الشركة المصرية للاتصالات فى تهمة لا ناقة لها فيها ولا جمل هى مجرد جزء من سلسلة محاولات مسمومة الغرض منها النيل من مكانة الشركة المصرية للاتصالات، كونها الشركة الوحيدة المملوك معظم أسهمها للدولة المصرية، وهناك محاولات مستمرة منذ عشرات السنوات تستهدف تدمير مقدرات تلك الشركة، ومحاولة التقليل من شأنها ووضعها فى السوق لصالح المنافسة الأجنبية، أو المنافسة من جانب القطاع الخاص بقصد خلخلة سيطرة الدولة على مقدراتها الاستراتيجية، وإفساح المجال للاعبين جدد للدخول إلى حلبة المنافسة.
وقد استغل هؤلاء موضوع كابل جوجل لشن موجة جديدة من الهجمات التدميرية المنظمة على الشركة دون سند أو دليل لمجرد الإضرار بالسيادة المصرية تارة بزعم ارتفاع رسوم العبور عبر الأراضى المصرية، وتارة للنيل من الشقيقة المملكة العربية السعودية، والزعم بأن الكابل الجديد هو الذى سيمهد الطريق لإنشاء علاقات سياسية بين المملكة وإسرائيل، على الرغم من أن هذه الاحتمالية تعطى كابل الإنترنت دورا أكبر بكثير مما يحتمله، وتتجاهل الأسباب الفنية والاقتصادية الحقيقية التى تقف وراء سعى جوجل لمد الكابل الجديد عبر خليج العقبة وليس عبر قناة السويس، خصوصا كما يقول د. نائل الشافعى أن الهند التى استحوذت خلال الخمس سنين الماضية (من 2007 حتى 2012) على جميع الكابلات الرئيسية المارة بمصر أيقنت أن اعتماد اتصالاتها على المرور بمصر (بدون بديل) مخاطرة. وقد صرحت عدة شركات مالكة للكابلات منذ سنوات عن خطط لإنشاء كابلات بديلة تصل للغرب عبر المحيط الهادى ورأس الرجاء الصالح، أو خليج العقبة.

 

تعزيز موقع مصر

فى مقابل تلك الإشاعات والمزاعم نجد أن الشركة المصرية للاتصالات تبذل جهودا لتعزيز موقع مصر ومكانتها على خريطة الإنترنت العالمية، فعلى سبيل المثال، أعلنت الشركة فى 14 مايو الماضى أنها عقدت تحالفا مع 7 من كبار مقدمى خدمات الاتصالات العالميين –لا يقلون أهمية عن جوجل- لإنشاء الكابل البحرى Africa-2 وهو كابل ضخم يدور حول القارة الإفريقية مرورا بـ 16 دولة، بهدف تعزيز خدمات الاتصالات وتطوير مستقبل خدمات الإنترنت فى إفريقيا والشرق والأوسط. كما وقعت الشركة اتفاقية عبور مع أعضاء تحالف الكابل وشركة “ايرتيل” الهندية لتوفير مسارات أرضية حديثة من نوعها فى مصر باستخدام مسارات مختلفة لربط البحر الأحمر والبحر المتوسط بواسطة محطات إنزال جديدة فى كل من رأس غارب والسويس. ويضم التحالف إلى جانب المصرية للاتصالات كلا من شركة الصين الدولية لخدمات المحمول، وشركة فيسبوك، وشركة إم.تي.إن جلوبال كونكت، وشركة اورنچ، وشركة الاتصالات السعودية، ومجموعة فودافون العالمية، وشركة غرب المحيط الهندى للكوابل.
ويعد الكابل الجديد أحد أضخم مشاريع الكوابل البحرية فى العالم، وسيقوم بربط قارة أوروبا شرقا عبر مصر، مع 21 نقطة إنزال فى 16 دولة إفريقية. ومن المتوقع دخول الكابل الخدمة بنهاية عام 2023.

 

تنويع المسارات

أوضح المهندس عادل حامد، العضو المنتدب والرئيس التنفيذى للشركة المصرية للاتصالات أن كابل Africa-2 يعتبر علامة فارقة فى سعى الشركة المستمر للمشاركة فى تحقيق التحول الرقمى فى إفريقيا، وأن الكابل الجديد إضافة مهمة لاستثمارات الشركة المتنوعة فى مجال الكوابل البحرية ودليل على تفوق البنية التحتية للمصرية للاتصالات، وستعمل الشركة المصرية للاتصالات من خلال اتفاقية العبور على تنفيذ مسارات أرضية جديدة تتميز بالتنوع الجغرافى، والاختلاف عن المسارات الموجودة حاليا. وستمتد هذه المسارات لربط البحر الأحمر والبحر المتوسط ومن خلال محطات إنزال حديثة بمواصفات فنية عالمية. وتم اختيار مواقع محطات الإنزال بعناية لتحقيق التعددية والمرونة حيث تم اختيار مدينة رأس غارب على ساحل البحر الأحمر ومدينة بورسعيد على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وتمتد المسارات بين نقطتى الإنزال موازية لقناة السويس، بالإضافة إلى ذلك قامت الشركة المصرية للاتصالات بتصميم وتوفير وصلة بحرية جديدة للربط بين محطات رأس غارب والسويس والتى تعتبر بمثابة مسار إضافى.
ويعتبر الكابل البحرى الجديد أحد أضخم مشاريع الكوابل البحرية فى العالم، حيث سيربط قارة أوروبا شرقا عبر مصر، مع 21 نقطة إنزال فى 16 دولة إفريقية. كما يوفر المشروع سعات دولية كبيرة تصل إلى 180 تيرا بيت/ثانية فى بعض أجزاء الكابل، والتى تعد أعلى من إجمالى السعات المتوفرة من خلال الكوابل البحرية الأخرى، وتم اختيار شركة الكاتيل للشبكات البحرية لتنفيذ وإنشاء النظام البحرى باستخدام أحدث تقنيات أنظمة الكوابل البحرية.

التعليقات متوقفه