قدمنا برنامجًا بديلًا أساسه الاعتماد على الذات.. والحكومة لا تهتم لأنه لا يحقق أهداف المستثمرين في الخارج والمتربحين في الأسواق في الداخل
أيديولوجية الصندوق تقدم الدول التي يقرضها على طبق من فضة للمستثمرين الأجانب
أرفض استخدام مصطلح «عملية الإصلاح» في إشارة لما تقوم به الحكومة من إجراءات في إطار الاتفاق مع الصندوق
الصناديق الخاصة تحول الاقتصاد إلى جزر منعزلة مما يستحيل معه إدارة الاقتصاد بكفاءة ورشد وبشفافية
لابد من وضع سقف للدين العام وإعلان الالتزام به قانونا.. ووضع أولويات للواردات
ضبط الأسواق من خلال توسيع المنافسة وقيام الحكومة بدور صانع السوق .. وليس بفرمان حكومي
رفع أسعار الفائدة يزيد من خدمة الدين العام ويضر بالاستثمار
أنصح وزير التموين بأن يرؤف بالغلابة من شعب مصر وأدعوه إلى تجربة وزارة التموين في إصلاح منظومة توريد الأرز في موسم 2011
ضرورة التخلى عن بعض المشروعات أو تأجليها لتوفير جزء كبير من الموازنة يمكن توجيهه إلى الصحة والتعليم وبعض مشروعات الإسكان الاجتماعي
حوار: حسين البطراوي
صوت من ضمير الشعب المصري.. ينتقد ويحذر من تفاقم الأوضاع الاقتصادية بعد توقيع مصر على الاتفاق الثالث مع صندوق النقد الدولى.. يقدم البديل ويفند الاتفاق بعلمه الواسع في السياسة والاقتصاد.. يرفض التبريرات الحكومية للأوضاع الحالية.. أنه د. جودة عبد الخالق، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ووزير التضامن السابق.
يقول د. جودة في حواره مع «الأهالى» نحن في حالة حرب اقتصادية .. وقدمنا برنامجًا بديلًا أساسه الاعتماد على الذات، وأن برنامج الصندوق لن يحلحل أوضاع ومشاكل الاقتصاد المصري، بل على العكس يزيد الأوضاع سوءًا، ويرى أن صندوق قناة السويس والصندوق السيادي بدع، تحول الاقتصاد إلى جزر منعزلة مما يستحيل معه إدارة الاقتصاد بكفاءة ورشد وشفافية. وإلى نص الحوار:
وقعت مصر اتفاقًا ثالثًا مع صندوق النقد الدولي .. هل يعمل هذا الاتفاق على حل مشاكل الاقتصاد المصري؟
الاتفاق مع الصندوق الأخير لا يختلف عن الاتفاقين اللذين وقعت مصر عليهما عامى 2016 و2020، وهو يزيد الأوضاع في مصر سوءًا، بدلًا من حلحلة أوضاع ومشاكل الاقتصاد المصري، مع ملاحظة انخفاض القروض التى تحصل عليها مصر، ففى عام 2016 حصلت على 12 مليار دولار، وانخفض القرض إلى 5 مليارات جنيه في 2020، وفي الاتفاق الأخير 3 مليارات دولار فقط. وهذا يعني من ناحية تصاعد الدين الخارجي الذي بلغ 155 مليار دولار في يونيو الماضي بحسب البيانات الحكومية، ومن ناحية أخرى يشمل الاتفاق شروطًا مجحفة لمصر.
تعويم الجنيه
خفض البنك المركزي قيمة الجنيه منذ مارس الماضى ليصل إلى 24.7 جنيه للدولار من 15.7، بنسبة 52% تمهيدا لتوقيع الاتفاق مع الصندوق الذي اشترط نظام سعر صرف مرن. هل يفيد هذا الإجراء مصر؟
ما يسمى اتباع سعر صرف مرن « تحرير سعر الصرف»، بمعنى جعل سعر الجنيه أمام العملات الأخرى يتحدد طبقا لقوى العرض والطلب. فنظرية صندوق النقد الدولي تقول إن تخفيض سعر صرف العملة الوطنية يؤدى إلى زيادة الصادرات ويقلل الواردات، وبالتالي ينخفض عجز الميزان التجاري.. علميا هذا صحيح بشروط، ولكن هذا لا ينطبق على الحالة المصرية، فهيكل الاقتصاد المصري جامد وليس مرنا، وقطاعات الإنتاج الحقيقية (الصناعة والزراعة) مهملة منذ سنوات عديدة، وبالتالى لا ينطبق عليها نظرية صندوق النقد الدولي.
فلكي تزيد الصادرات لابد من توافر شروط هيكلية للاقتصاد، أى مرونة الجهاز الإنتاجي ليكون قادرا على تلبية الطلب على الصادرات عند تخفيض سعر العملة. وهذا محل شك كبير بالنسبة للاقتصاد المصري، وبعض الصادرات مثل النفط والغاز يتحدد سعرها عالميا وبالتالى ليس لها علاقة بالمرونة، وهى من أهم صادرات مصر.
أما موضوع الواردات، فالصندوق يرى أن خفض سعر العملة يرفع من سعر الواردات، وبالتالي ينخفض الطلب عليها لارتفاع سعرها بالعملة المحلية فتنخفض الواردات. والصندوق في هذه الحالة لا ينظر إلى الظروف الهيكلية للواردات المصرية، فمصر تستورد السلع الاستهلاكية الأساسية مثل القمح وزيت الطعام، ومستلزمات إنتاج ومواد خام. وبالتالى فإن فرضية انخفاض الواردات لن تتحقق. والنتيجة أن فاتورة الواردات لن تقل، وفاتورة الصادرات لن تزيد، فيزداد عجز الميزان التجاري.
نتائج سلبية
وما النتائج السلبية الأخرى لتحرير سعر الصرف؟
هنا أؤكد أن أيديولوجية صندوق النقد الدولي هي تقديم الدولة التي يقرضها على طبق من فضة للمستثمرين الأجانب، فتخفيض قيمة الجنيه أمام العملات الأخرى يعني انخفاض قيمة الأصول والشركات المصرية والبضائع أيضًا، خاصة أن برنامج الصندوق يركز على بيع الشركات المصرية في إطار الخصخصة. كذلك بالنسبة لرؤوس الأموال الساخنة التى تريد الاستثمار في أذون وسندات الخزانة المصرية. وهذا فيه إغراء للمستثمر الأجنبي بغض النظر عن تأثيره على الموازنة المصرية أو التفريط في أصول البلد.
النقطة الأخرى، عندما تخفض قيمة العملة ترتفع القيمة بالجنيه المصرى للواردات من السلع الأساسية المخصصة للدعم مما يزيد من عجز الموازنة العامة للدولة. ولكن الصندوق يشترط السيطرة على عجز الموازنة العامة للدولة مما يتطلب خفض الإنفاق في بنود معينة لتعويض الزيادة في قيمة بنود أحرى بمفعول التعويم مثل السلع الأساسية، بالإضافة إلى زيادة الإيرادات. وهذا لن يتحقق إلا إذا اتخذت الحكومة إجراءات قاسية تمس الجانب الاجتماعي ومعيشة الفقراء والطبقة الوسطى.
سعر الفائدة
رفع البنك المركزي سعر الفائدة مؤخرا 300 نقطة أساس لكبح التضخم.. ما تأثير ذلك على الاستثمار وعلى الموازنة العامة للدولة؟
البنك المركزي رفع أسعار الفائدة 700 نقطة أساس منذ بداية العام، يعنى 7 بنط مئوى. وهذا الأمر يزيد من خدمة الدين العام من ناحية، ومن ناحية أخرى يضر بالاستثمار لأنه يرفع تكاليف الاستثمار والتشغيل. والمستهلك يتحمل في النهاية ارتفاع التكاليف لأن المنتج يحول عبئها على المستهلك.
فالصندوق يريد أن «يلبِّس المجتمع قميص على مقاسه هو مش على مقاس المجتمع». وبالتالي أرفض استخدام مصطلح الإصلاح في إشارة لما تقوم به الحكومة من إجراءات في إطار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
اقتصاد حرب
لكن ما البديل لصندوق النقد الدولي؟
قدمنا برنامجا بديلا من 10 نقاط. لكن الحكومة لم تهتم به لأنه لا يحقق أهداف المستثمرين في الخارج والمتربحين في الأسواق ومن يتحكمون في دخول الأموال الساخنة إلى البلاد للاستفادة من سعر الفائدة الأعلى ثم الخروج بمكاسبهم دون دفع ضرائب.
قدمنا برنامجًا بديلًا أساسه الاعتماد على الذات، من خلال تطبيق اقتصاد الحرب. في حرب 1967 كان لابد من الاستعداد لاستعادة الأرض، وبالتالى منح أولية لدعم المجهود الحربى سواء بإتاحة سلعً ومعدات أو سلعً استهلاكية للقوات المسلحة.
الآن نحن في حالة حرب اقتصادية، فمعدل التضخم تجاوز 30 % مع استمرار ارتفاع الأسعار بشكل يومي، والتضخم معناه فرض ضريبة على الناس بنفس معدل التضخم على كل فئات المجتمع. لكن الشرائح الفقيرة والوسطى هي الأكثر تضررًا، وهو ما يتناقض مع العدالة الاجتماعية. فكل جنيه أصبح قيمته 70 قرشا. وخطورة هذه الضريبة أنها بدون قانون.
واقتصاد الحرب يشمل التعامل مع الخارج، والأوضاع الداخلية. ففي مجال التعامل مع الخارج من خلال اقتصاد الحرب، ينبغي دراسة دقيقة للواردات المصرية، ووضع أولويات لها، مثل السلع الأساسية (القمح والزيت والأدوية) أولوية بقرار سيادي، ثم نضع قائمة بترتيب الأولويات والسلع التي يمكن الاستغناء عنها، وتعرض قائمة الأولويات على منظمة التجارة العالمية، حتى لا تخضع مصر لعقوبات باعتبارنا عضوًا في المنظمة.
وأذكرك في عام 2016 حصلت مصر على قرض من الصندوق 12 مليار دولار، وقتها قلت لو تم تخفيض الواردات بنسبة 20% فقط من حجم الواردات البالغ 60 مليار دولار عام 2016، لكان المبلغ الذي سيتم توفيره 12 مليار دولار، أى ما يعادل قيمة قرض الصندوق في ذلك الوقت، دون حاجة للانصياع لشروط الصندوق القاسية. إذن لا بد من السيطرة على الواردات ووضع أولويات لها بعد دراسة دقيقة للواردات، واتخاذ إجراءات لذلك.
حاليا نعلق مشاكلنا على الغلاء والحرب الروسية الأوكرانية. وهذه أسطوانة مشروخة. خذ مثلا سلعة أساسية للمواطن المصري مثل الأرز، ما علاقة محصول الأرز بهذه الأحداث؟ فلدينا اكتفاء ذاتي من الأرز وفائض للتصدير، وهناك قرار وزير التموين بإجبار الفلاح على توريد طن أرز على كل فدان، بسعر 6850 أى أقل من سعر السوق الذي يتراوح ما بين 10 إلى 12 آلاف جنيه للطن. ومتوسط إنتاجية الفدان 4 أطنان أى ربع الإنتاج، والأغرب فرض غرامة على من لا يورد بقيمة 10 آلاف جنيه عن كل طن. هنا تفرض ضريبة جائرة على الفلاح، وهذه ليست وسيلة لتشجيع الفلاح على الزراعة وزيادة المساحة المنزرعة. بل بالعكس. والأمر نفسه ينطبق على القمح.
أزمة الأرز
حدث أزمة في الأرز عندما كنت وزيرًا للتموين عام 2011 .. كيف واجهت هذه الأزمة؟ وما نتائجها؟
- عندما حدثت أزمة الأرز عام 2011 لم نفرض تسعيرة إجبارية لسعر الأرز، لأن فرض تسعيرة جبرية يخلق سوقًا سوداء. وكان لدي حل آخر يخلط ما بين السياسة والاقتصاد. قلنا إن الفلاح حر يورد لهيئة السلع التموينية أو للتجار بحسب سعر السوق، ونراجع السعر كل فترة، لم نتحامل على الفلاح ولم نخرج التجار من السوق، وإنما دخلنا في منافسة مع التجار عن طريق هيئة السلع التموينية كصانع للسوق باعتبارها أكبر المتعاملين في السوق وتحدد قواعد اللعبة ليتوازن السوق عند سعر مقبول. وغيرنا نظام المناقصات فجعلنا المناقصة كل 3 شهور لتهدئة السوق. ووضعنا شرطًا يقول إذا كان السعر غير مناسب نلغي المناقصة لمنع التجار من التربيط وتكوين تكتل ضد الهيئة. الهدف كان أن نزلزل الساحة تحت أقدام التجار، ونقدم بديلًا.. والنتيجة أن السعر انخفض من 3500 جنيه للطن في مناقصة يناير- مارس 2012 في ظل المنظومة القديمة الى 3200 جنيها فقط في مناقصة إبريل – يونيو 2011 بعد تعديل المنظومة. هذا مثال كيف ندير موارد الوزارة بالعلم والسياسة، وليس من خلال فرمان يفسد السوق والسلعة تختفي والأسعار تزيد. أيضا أؤكد أنه لابد من الاهتمام بالإنتاج الزراعي والفلاح. والأمر نفسه ينطبق على القمح لتقليل اعتمادنا على الخارج.
وأتمنى أن يرؤف وزير التموين بالغلابة من شعب مصر وأن يتخلى بشيء من السياسة في إدارة ملف التموين والأسعار، وأدعوه إلى الملف الخاص في وزارة التموين الخاص بمنظومة توريد الأرز التى طبقت في موسم 2011-2012 والتي نتج عنها استقرار السوق وتوافر الأرز وانخفاض الأسعار.
الأوضاع الداخلية
وماذا عن الأوضاع الداخلية في «اقتصاد الحرب»؟
أولا: لا بد من وضع سقف للدين العام وإعلان الالتزام به، فلا يوجد بلد لديه إدارة رشيدة تترك الدين العام بلا رقابة. ففى أمريكا تتعطل الحكومة لحين إقرار الكونجرس للميزانية وتحديد حجم الدين.
ثانيا: الإنفاق في الموازنة العامة .. هناك بنود في الموازنة العامة يجب إعادة النظر فيها وإلغاء بعضها، منها على سبيل المثال هناك بند سري يتبع مكتب كل وزير للإنفاق منه على مكتبه، كذلك الإعلانات والاحتفالات والرحلات المستمرة للخارج.
ثالثا: أيضا تخفيض الانفاق على المشروعات التى تقيمها الدولة سواء من الموازنة أو خارج موازنة الدولة، ودراسة مدى أهميتها وجدواها في الوقت الحالى والعائد منها، مثل العاصمة الإدارية الجديدة مش وقتها، لازم نربط الحزام على الطن ونتتخلي عن بعض المشروعات أو تأجيلها، وهو ما يوفر جزءًا كبيرًا من الموازنة يمكن توجيهه إلى الصحة والتعليم وبعض مشروعات الإسكان الاجتماعي.
فهناك مشروعات تقام خارج الموازنة العامة للدولة، ويتم اتخاذ قرارات لها بعيدا عن الشعب ونوابه، ومن هنا نؤكد على الشفافية والحوكمة وهذا ما أكده صندوق النقد الدولى، ونتفق معه، فالشعب يريد أن يعرف ماذا يحدث.
الصناديق
نشهد في الفترة الأخيرة توسع الدولة في إنشاء الصناديق.. وأخيرًا صندوق قناة السويس .. فما تعليقك؟
صندوق قناة السويس والصندوق السيادي بدع، تحول الاقتصاد إلى جزر منعزلة مما يستحيل معه إدارة الاقتصاد بكفاءة ورشد وشفافية. كما قد تكون بابا خلفيا للخصخصة بعيدا عن رقابة الشعب والسلطة التشريعية.
التعليقات متوقفه