د. جودة عبدالخالق يكتب :25 يناير .. المعنى والمغزى

2

لقطات

25 يناير .. المعنى المغزى

د. جودة عبدالخالق
اليوم يوافق 25 يناير. فيه تحل مناسبتان عزيزتان على قلوب المصريين. المناسبة الأولى مضى عليها واحد وسبعون عامًا. حيث إنه في 25 يناير 1952، دارت في الإسماعيلية موقعة الشرف والبطولة، عندما تصدى رجال الشرطة البواسل (وكان من بينهم على سبيل المثال النقيب صلاح ذو الفقار) للقوات البريطانية التي كانت تتفوق عليهم عددًا وعدة. لم يستسلموا رغم الحاح الإنجليز عليهم بالاستسلام. سقط منهم الشهداء. وجُرِح منهم من جُرِح. لكنهم فضلوا الصمود حتى آخر طلقة. فاثبتوا أن مصر هي مصنع الأبطال وأن جندها هم خير أجناد الأرض. واستحقوا أن يكون 25 يناير أكثر من مجرد يوم للشرطة وحدها، بل عيدا وطنيا لمصر كلها.
أما المناسبة الثانية فقد مضى عليها اثنا عشر عاما. أعنى بذلك انطلاق شرارة ثورة 25 يناير عام 2011. وقد ارتفعت في السنوات الأخيرة أصوات تشكك في طبيعة ما حدث في ذلك اليوم العظيم، وتهيل التراب على ما جرى. وحمل بعضهم الثورة المسئولية عما تعانيه البلاد من مصاعب ومتاعب اقتصادية واجتماعية. كما أن هناك ما يبدو أنه التباس في الموقف الرسمى من هذا الحدث الوطنى العظيم. دليلى على ذلك أن ذكرى هذا الحدث أصبحت تمر مرور الكرام تقريبا، وتخلو من أي مظاهر احتفالية ولو من قبيل إحياء الذاكرة الوطنية، ناهيك عن أي استدعاء للحدث وبحث أسبابه ونتائجه وتداعياته. وكأن الثورة قد حدثت في بلد آخر، وليس المحروسة. وللأسف، فقد أصبح المظهر الأوضح لهذه المناسبة الجليلة هو جعلها إجازة رسمية!
وكل هذه الأحوال تُناقِض تماما ما جاء في وثيقة دستور 2014 من أن 25 يناير هى من الثورات الكبرى في تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية التي قُدِّرَت بعشرات الملايين، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وبِتجاوزِ الجماهير للطبقات والأيديولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة، وبحماية جيش الشعب للإرادة الشعبية، وبمباركة الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية لها. كما أنها تتميز بسلميتها، وبطموحها أن تحقق الحرية والعدالة الاجتماعية معا. إنها إشارة وبشارة: إشارة الى ماض ما زال حاضرا، وبشارة بمستقبل تتطلع اليه الإنسانية كلها. وليس أدل على ذلك من أن ميدان التحرير، بؤرة الثورة ورمزها الأكبر، أصبح أيقونة بين ميادين العالم تتطلع إليه أنظار كل الباحثين عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية في كل مكان في العالم.
وبالنسبة لى، فإن 25 يناير يمثل أهم حدث في حياتى حتى الآن. فما زلت أذكر كيف أصبح ميدان التحرير واحة للأمن والأمان تفد اليه الناس من بحرى والصعيد، ومن كل مكان. وما زلت أتذكر كل البسطاء من عمال مصر وفلاحيها الذين تعرفت إليهم وتناقشت معهم ونحن نفترش أرض ميدان التحرير في تآخ مدهش وحميمية دافئة. ولا أزال على تواصل مع بعضهم حتى الآن. ولكنى لن أنس أبدا الفلاح هريدى القادم من المنيا، الذى حيانى بلهجته الصعيدية “أهلا يد دكتور .. كيفك يا وِدْ عم؟” لن أنس صوته. ولن تفارقنى صورته وهو جالس بجانبى فى ميدان التحرير، بجلبابه الصعيدى الرمادى وعمامته البيضاء، ومعه صُرَّةٌ بها ما تيسر له من “عيش وجبنة”، هي كل زاده الذى يعيش عليه أيامه في الميدان. جاء هريدى من المنيا، كما جئت أنا وكل تلك الملايين، يبحث عن بارقة أمل في مستقبل أفضل لأبنائه وأحفاده، وليس لنفسه.
لقد كان للثورة موجتان حتى الآن، وتم سرقتها مرتين. لكن عجلة التاريخ لن تكف عن الدوران.
تهنئة: بمناسبة 25 يناير الى الشعب المصرى العظيم، الذى قدم أبطاله وشهداءه في ملحمة الإسماعيلية ودراما التحرير.

التعليقات متوقفه