لقطات ..د.جودة عبدالخالق يكتب :العرب والبكاء بين يدي زرقاء اليمامة

47

نعم، تمخض الجبل فولد فأرا. فلم أجد أدق من هذا المثل للتعليق على بيان “القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية لبحث العدوان الاسرائيلى على الشعب الفلسطيني”، التي اختتمت أعمالها في الرياض يوم السبت الماضى 11 نوفمبر. فبعد انتظار طال .. وطال .. وطال، حتى زاد عن الثلاثين يوما منذ بدء المحرقة الاسرائيلية في قطاع غزة، اجتمع قادة الأمتين العربية والإسلامية. اجتمعوا، وتناقشوا، واختلفوا، واتفقوا، وتحفظوا، ثم أعلنوا. خرجوا على الملأ ببيان لا يُسمن ولا يُغنى من جوع. بل هو الهوان نفسه. وتحفظت على البيان دولتان هما العراق وتونس، كما أعلنت إيران أن لها بعض التحفظات. معلوم أن القادة الذين حضروا هم ملوك وأمراء ورؤساء وسلاطين لدول يبلغ عدد شعوبها 2 مليار نسمة، يمثلون أكثر من ربع سكان العالم. وتختزن أراضيهم ومياههم الجزء الأكبر من مصادر الطاقة من نفط وغاز وشمس. وتقدر أرصدتهم المالية بمئات المليارات من الدولارات. وكل هذه، بالحساب الإستراتيجي، أوراق مهمة للضغط.

فهل جاءت قرارات القمة المشتركة ملبية لتطلعات وتوقعات الشعوب العربية والإسلامية ومتناسبة مع ما لديها من أوراق ضغط؟ بالتأكيد لا. فالبيان تضمن الكثير من الكلام والقليل من الفعل. فقد احتوى على ديباجة طويلة تضمنت أحد عشر بندا، وتلاها قرارات القمة وعددها 31 قرارا. بنود الديباجة تراوحت بين الشكر والترحيب والتحذير والتأكيد والتذكير والإدانة والاستنكار، ليس إلا. ولعل أهم ما جاء في الديباجة التأكيد على “مركزية القضية الفلسطينية ووقوفنا بكل طاقاتنا وإمكانياتنا إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق في نضاله وكفاحه المشروعين لتحرير كل أراضيه المحتلة، وتلبية جميع حقوقه غير القابلة للتصرف، وخصوصا حقه في تقرير المصير والعيش في دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشريف”.
أما عن قرارات القمة، فنتوقف عند أربعة منها نعتبرها الأكثر أهمية. القرار الأول فى قائمة الـ 31 قرارا ينص على: “إدانة العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها حكومة الاحتلال الاستعماري خلاله، وضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية والمطالبة بضرورة وقفه فورا.” يعنى ادانة العدوان والمطالبة بوقفه. القرار السادس ” مطالبة جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطات الاحتلال التي يستخدمها جيشها والمستوطنون الإرهابيون في قتل الشعب الفلسطيني وتدمير بيوته ومستشفياته ومدارسه ومساجده وكنائسه وكل مقدراته.” والسؤال: أليست أمريكا هي أكبر مورد للسلاح والأموال والمعلومات الاستخباراتية لإسرائيل وأكبر الداعمين لها دبلوماسيا وسياسيا؟ القرار الثلاثون “تفعيل شبكة الأمان المالية العربية والاسلامية … وتوفير الدعم المالى والاقتصادي والانسانى …”
يبدو أن بيان القمة الاستثنائية ربما جاءت من قبيل ذر الرماد في العيون. وربما لم يكن يتوقع منها أكثر من ذلك. فأمريكا، وهى أكبر الداعمين لإسرائيل، تتواجد بقواتها وقواعدها العسكرية على أراضى أكثر من دولة عربية وإسلامية. بل إن الدول العربية في الخليج تقدم المساعدات لإسرائيل من خلال “الاستثمار” في سندات الخزانة الأمريكية، التي تعيد تدويرها كمساعدات للكيان الصهيوني. وقد قُمتُ بإثبات ذلك بالأرقام في دراسة مستفيضة نشرْتُها منذ حوالى أربعين عاما بعنوان “من يساعد إسرائيل؟”. ولا ننسى دور العرب الصهاينة في الإمارات الذين يعطون الجنسية الإماراتية لمواطنى إسرائيل، بل زادوا على ذلك ببناء “حائط مبكى” في عاصمة بلادهم. فهل يذهب العرب الصهاينة الى حائط المبكى الذى أقاموه عندهم للنواح على أرواح ضحايا الحرب من الشعب الفلسطيني؟! وأخيرًا، إذا كانت المظاهرات قد اندلعت في الكثير من دول العالم المنددة بحرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقى في فلسطين، فلماذا لا تسمح السلطات في العالم العربى والاسلامى للناس بالتعبير عن مكنون الغضب لديهم وهو ليس بالقليل؟
أيتها العرافة المقدَّسةْ ..
جئتُ إليك .. مثخنًا بالطعنات والدماءْ
أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدّسة
مُنكَسِرَ السيف، مُغَبَّرَ الجبين والأعضاءْ.
أسأل يا زرقاءْ ..َ
من قصيدة “البكاء بين يدى زرقاء اليمامة” لأمل دنقل

التعليقات متوقفه