«أرض السلام».. أول فيلم مصري باللهجة الفلسطينية

39

يحكي فيلم أرض السلام عن فدائيين مصريين ينفذون عددا من العمليات الفدائية داخل قرية فلسطينية، 3 شباب يبدأون العملية يستشهد 2 منهم ويبقى الثالث “أحمد” الذي يلجأ لأهالي قرية للاختباء لديهم حتى يشفى من جراحه, تقوم “سلمى” وهي شابة فلسطينية تقوم بحماية الفدائي المصري “أحمد” وتساعده حتى يتمكن من التخفي عن أعين العدو، وتساعده في تنفيذ عمليات فدائية، تبدأ علاقتهما بصداقة وتتحول إلى حب في النهاية, كما رصد الفيلم معارك الفدائيين من أجل تحرير فلسطين وعلاقة الصداقة والحب التي تنشأ بين الأهالي والفدائيين، رصد الفيلم جهاد الأطفال والشيوخ والنساء ضد الاحتلال.

الفيلم إنتاج وقصة حلمي حليم, إخراج كمال الشيخ, سيناريو وحوار: علي الزرقاني, تصوير: محمود نصر, مهندس مناظر: ماهر عبد النور, مهندس الصوت : نصري عبد النور, ألحان: محمد الموجي, كلمات: مرسي جميل عزيز, بطولة: فاتن حمامة, عمر الشريف, عبد السلام النابلسي, عبد الوارث عسر, فايدة كامل, فاخر فاخر, إحسان شريف, توفيق الدقن, صلاح نظمي, حسن حامد, سليمان الجندي, حسين قنديل. كان مزمعا أن يكون اسم الفيلم (الفدائيين) ثم تحول إلي أرض السلام. يعتبر الفيلم هو أول عمل مصري ياللهجة الفلسطينية, وكذلك الأغنيات التي ضمها الفيلم كانت باللهجة الفلسطينية

مصر شعبا وحكومة قدما مساعدة عظيمة ومستمرة للشعب الفلسطيني, لكن السينما المصرية لم تستطع ترجمة هذا العطاء المتواصل, ربما استفادت منه السينما وعزفت على استغلاله جماهيريا, وجاء الترويج والدعاية يشوبهما كثيرا من التعجل, يحسب لفيلم “أرض السلام” أنه استخدم اللهجة الفلسطينية في بادرة هي الأولي, وإن كان اداؤها غير مقنع عند كثير من الممثلين عدا فاتن حمامة, عاب الفيلم إنه أظهر العدو ساذجا, وكان عليه أن يظهر وحشيته, لا شك أن فاتن حمامة وعمر الشريف أعطى العمل ثقلا جماهيريا, كونهما يتمتعان بشعبية عريضة في الوطن العربي, كذلك وجود طفلين ساعد على رصد مجتمع مصغر بكل فئاته إضافة للنساء والشيوخ والرجال, كما أن اشتراك عبد السلام النابلسي في مشاهد قليلة أضفي على الفيلم جو من البهجة وسط أحداث درامية, تفوق إحساس القديرة إحسان شريف على لهجتها وكان صدقها ومعايشتها جواز مرور مثلها مثل توفيق الدقن المنسي دائما رغم الإجادة.

رغم جمال الصورة والديكور المتميز لكن بعض الإكسسوارات تظهر خللا لا يمكن تجاوزه, لكن اختيار موقع القرية ساعد على المعايشة, خصوصا أن هذه النوعية من الأعمال تلقي تعاطفا من الجماهير يمنحها ميزة لا تتوافر في أعمال أخرى, فالمتفرج يمنحها وجدانه قبل أن يشاهدها لشعوره بأن قضية الشعب الفلسطيني هي قضيته الأولى, وكثير من الأفلام استغلت هذا التعاطف وعابثته مستخدمة النعرة العالية الخطابية دون التعمق في المشاكل الحقيقية التي يعانها مواطن سلبت أرضه وقيدت حريته ومررت عليه كل أنواع البطش والغطرسة.. أحيانا الرؤية الشاملة تكون متعجلة ولا تلتفت للتفاصيل الصغيرة, فلا ضرر من تسليط الضوء علي المشاكل الفردية لأنها في النهاية تشكل أزمة للجميع.

يكشف الفيلم عن هويته من المشهد الأول, حيث يطالعنا البطل وهو يكتب رسالة لأمه متكئا علي شجرة تحيطه واحة وماشية وراعي مرتديا ملابس بدوية ممسكا ناي يعزف عليه, ولو أن النغمات لم تعبر عن الموقف وليس لها علاقة بالناي, وأغلب الظن أنها من المنتخبات العالمية, وهو ما أفقد المشهد مصداقيته ومعايشته للصورة البصرية التي تظهر على الشاشة, جلس البطل يكتب : “أمي العزيزة.. أنا مش في الإسكندرية, زي ما قتلتلك قبل ما أسافر, أنا في فلسطين مع الفدائيين, أملنا نحرر الأرض العربية دي من الصهيونيين, ونعيدها لصحابها العرب, وده عمل بنحمي به نفسنا وبلادنا, اننا إذا موقفنهمش عند حدهم, وطردناهم هيزحفوا على مصر والأردن والعراق وسوريا ولبنان.. أعينا بالنصر عشان كل واحد يرجع لبلده وأهله ونعيش كلنا في امن وسلامة”.

هكذا انتهي المشهد مع قصف صهيوني للمعسكر الذي يتدرب به الفدائيون المصريين, والرسالة واضحة وهي استشراف لنوايا العدو وإطماعهم, حيث نكتشف بعد مرور سنوات أنهم استولوا علي الجولان وجنوب لبنان ومارسوا بطشهم على الضفة والقطاع, أيضا جاء التأكيد على أن الأرض عربية, وحمايتها هو في الحقيقة حماية لكل الأقطار العربية الأخرى التي تنوي إسرائيل الاستيلاء عليها عندما تواتيها الفرصة.

على شحيح الضوء نعيش أيامنا نصف المظلمة، نحاول أن نضئ المكان، فلا مصابيح ولا زيت ولا دفء، تبدو الشوارع دامسة عاتمة حالكة.. فنفقد بعض الرؤية..نتحسس الأمكنة والأثاثات.. ولأن وجوهنا تحمل ملامح المكان، تدلنا الريح على مساعينا ومآربنا .. نستعيد من المكان رائحة الماضي، فتتبدد الغربة.. ويصير التآلف.. بيوتنا مليئة بالصور المعلقة على الجدران للشهداء والأحباب .. ونلقي عليهم كل ساعة التحية، ونعدهم باللقاء.. تبدو المسألة بالنسبة لنا محسومة مألوفة.. لا نهاب الموت.. فهو يسكن ويأكل معنا.. وأحيانا يلهو مع الأطفال في الشارع والحارة والمدرسة.. سوف تنفجر أرصفة المدن وتبتلع الغزاة .. لا يعيش هذا العهر في زمن البطولة.. بيننا وبينكم ساحة قتال.. ليس لدينا ما نبكي عليه، ولن نخسر أكثر مما ضاع.. بيننا وبينكم جولات كثيرة في الصمود والتحدي، أنتم وما تملكون من ترسانات ونحن وما نملكه من إيمان.. بيننا وبينكم حكايات لم ترو بعد.. تحية للأحرار الذين لا يحملون الهوية الفلسطينية ولكنهم يعشقون ترابها الذين آمنوا بنا وضحوا بحياتهم من أجلنا.. تحية لهم من قلوبنا..

***

الشيخ مازن: عابد مات بطل, قتل الصهيوني وعمر يده ما داست على زناد, واجب علينا نتشبه بيه وندافع عن حريتنا وكرامتنا, الموت قرار خير افضل من العيشة في ذل وهوان

خالد: وينه الديناميت

أحمد: موجود

خالد: بكون معك, جبريل لم السلاح ووزعه على الشباب, عندك حق يا شيخ مازن عدونا الاول هو الصهيوني, احمد خدني معك انتقم لاخوي ابوي وولدي عابد

أحمد : هنمشي بعد ربع ساعة, في الطريق هاشرحلكم المهمة اللي هنقوم بيها.. شيخ مازن انت تاخد بقيت الجماعة وترحلوا حالا, لانهم لو وجدوا حد هنا بعد النسف مش هيرحموه, عدنان شد الخيل في العربية

الشيخ مازن: لكن ليش انا ما اجي معك؟

احمد : حماية الاطفال والنساء متقلش عن عملنا, ارحل بيهم بأسرع ما يمكن, وفي طريق العين استنونا عند التل, ليه عمر مننا ويرجع هيروح معاكن الخطوط المصرية

الشيخ مازن: عبد الكريم انا رايح معه.. انت تقوم مقامي

عبد الكريم: الله معك

الشيخ مازن: احمد, انا حاربت الصهيوني بدير ياسين لكن ما شفيت غليلي وانا الوحيد اللي عارف المسالك كلها جوه المستعمرة, اسروني بها تلات شهور

احمد: الرسم معايا يا شيخ مازن

الشيخ مازن: الرسم ما يكفي

احمد: فيه احتمال نموت احنا الاتنين, لازم واحد منا يعيش

الشيخ مازن : انت اللي لازم تعيش, بروح معاك عشان احميك وترجع لسلمي

***

كتب هاشم النحاس : أما فيلم “أرض السلام” – 1957 فكان أول فيلم عربي يتطرق إلى موضوع القضية الفلسطينية وإن اكتفى بتقديم رموز القضية دون التعرض لتفاصيلها. والفيلم إذ يقوم بناؤه من بدايته على متابعة عملية فدائية، حافظ على أسلوب المخرج في التشويق وهو ما يتمثل هنا في عمليات التسلل والصدام مع العدو والهروب والاختباء ومفاجآت الهجوم والمطاردة.

أما وليد سيف قال: «أرض السلام» لا يختلف كثيرا عن «فتاة من فلسطين»، فالحبكة هي نفسها مع اختلاف التفاصيل والأحداث وفكرة تجريد فلسطين في صورة بنت جميلة ولا يكون هناك حديث عن القضية ولا الوضع هناك، وهو يعد فيلما استثنائيا بين أفلام كمال الشيخ وكذلك لأبطاله فاتن حمامة وعمر الشريف.

وكتب نبيل محمد: قدم كمال الشيخ قصة مشابهة عن حب مقاتل مصري لفتاة فلسطينية أثناء الحرب. إلّا أنه حاول في الوقت نفسه خلق مميزات جديدة من خلال استخدام اللهجة الفلسطينية، وتوظيف نجوم الصف الأول في الفيلم، حيث لعب بطولته كل من فاتن حمامة وعمر الشريف. كما ركّز الفيلم على جرائم الاحتلال التي لم تكن حاضرة بقوة في أفلام سابقة. وقد يعود الاهتمام الجدي والظاهر في هذا الفيلم بالقضية إلى أنه جاء بعد العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 الذي كانت إسرائيل طرفاً أساسياً فيه.

كتب محمود قاسم : رأى كمال الشيخ في أول أفلامه الوطنية أن التركيب الجسماني لعمر الشريف يصلح أن يعبِّر عن الفدائي المصري الذي يقوم بعمليةٍ فدائية. وقد سبق لممثلٍ آخر أن جسَّد هذا الدور هو جمال فارس، وهو أقرب في ملامحه ووسامته إلى عمر الشريف؛ ما يعني أن وجه الفدائي سينمائيًّا له سماتٌ بعينها، من أبرزها خفة الحركة، وطول القامة بالإضافة إلى سن الشباب. لكن هذا الفدائي يتحرك في صحراءَ بدون أغطية، ولم نَرَه يحمل أسلحة، ولكن هناك شنطة يدٍ صغيرة جدًّا، يحملها بحزام فوق كتفه. وهو أيضًا عاشق، تحرُسُه مشاعرُ سلمى، وما يلبث أهل المخيم أن ينضمُّوا إليه. وفي المرة الأولى لا يمكنه أن يحقِّق العملية، إلا أنه عندما ذهب معه أكثر من فلسطيني من أعمارٍ مختلفة تنجح العملية. هذا المخيم يضُم الأسر، والأطفال، وهناك زوجةٌ حامل، سوف تَلِد في العَربة التي سيَهرُبون بها جميعًا بعد نجاح العملية الكبرى، كما أن الفيلم أبقى على الفدائي، كي يهنأ بعمليته وبعلاقته العاطفية، وأيضًا بعودته سالمًا إلى أمه، التي كتب لها رسالةً قبل أن يتوجه إلى داخل فلسطين.. ولا شك أن دور الفدائي المصري قد أضاف رصيدًا في تاريخ عمر الشريف، الذي نالته الأقلام بعد أن شارك بربارا سترايسند في بطولة فيلم «فتاة مرحة»، الذي عُرض عالميًّا في النصف الأول من عام ١٩٦٧م. كما أنه أدَّى دور الضابط الذي يموت في حرب فلسطين من خلال انفجار لغم في فيلم «نهر الحب»، والفدائي في فيلم كمال الشيخ ينجح في العمليات التي كُلِّف بالقيام بها. وقد أكد الفيلم على ما قاله أحد الفلسطينيين في الفيلم «عدوُّنا الأول هم الصهاينة، انتقم لأخي وأبي.» كما أن أحمد يطلب من الباقين على قيد الحياة سرعة الهرب، حتى لا يتم التنكيل بهم حين يحضر الجنود الصهاينة، ثم تتم العملية كاسحة التي أُرسل أحمد من أجلها، والتي تُسفِر عن موت خالدٍ بطلًا، وهو الذي كان يتصرف بارتياب تجاه الفدائي طوال أحداث الفيلم، ويعود أحمد الفدائي الذي يعرف طريقه ظافرًا قبل أن يشارك الفلسطينيين الهروب.

التعليقات متوقفه