زيلينسكي يرفض.. وموسكو تطالب بالمقاطعات الأربع مبادرة السلام المجرية لحل النزاع في أوكرانيا

17

 

تترأس المجر الاتحاد الأوروبي من أول يوليو وحتى نهاية العام لمدة ستة أشهر قادمة، وأراد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أن يدخل التاريخ من خلال القيام بمبادرة سلام بمجرد تولي بلاده رئاسة الاتحاد الأوروبي، فقام بزيارة كييف وبعدها موسكو ثم بكين وتلاها بزيارة واشنطن، والهدف من هذه الزيارات عرض خطته للسلام على الأطراف المعنية أو المؤثرة.

عرض رئيس الوزراء المجري خطته أولاً على الرئيس الأوكراني زيلينسكي الذي على ما يبدو لم يكن مقتنعاً بكلام أوربان فلم يرد أثناء المؤتمر الصحفي عندما عرض الأخير فكرته للتوصل لحل سلمي، وجاء الرد بعد ذلك بالرفض.

رئيس الوزراء المجري تحدث عن مبادرته للسلام بعد زياراته المتعددة للعواصم التي يعتقد أنها من الممكن أن تكون مؤثرة في حل النزاع والتي ذكرتها في بداية المقال، وقال إن المبادرة المجرية لحل النزاع في أوكرانيا “تتحرك بشكل جيد”.

أثناء زيارة رئيس الوزراء المجري أوربان للعاصمة الأوكرانية كييف، أجرى مباحثات مع الرئيس الأوكراني، وهذه هي الزيارة الأولى له للعاصمة كييف بعد العملية العسكرية الروسية، فيما يتعلق بمباحثات أوربان في كييف فقد اقترح على الرئيس الأوكراني وقفاً فورياً لإطلاق النار وبدء مفاوضات سلام مع روسيا، لكن الرئيس الأوكراني رفض اقتراح رئيس وزراء المجر، وأثناء مباحثاته في موسكو مع الرئيس بوتين، بدا الأخير مصراً على اقتراحه الذي تقدم به قبل زيارة أوربان وأثناء اجتماع بالعاملين في وزارة الخارجية الروسية والذي طالب فيه أوكرانيا بالتخلي عن المقاطعات الأربع التي تسيطر روسيا على الجزء الأكبر منها (دنيتسك ولوجانسك وزابوروجيا وخيرسون) والتخلي عن فكرة الانضمام للناتو.

وهنا أدرك رئيس الوزراء أوربان أن موقف كل من أوكرانيا وروسيا متباعدان للغاية، ووفق أوربان الأمر يحتاج إلى “خطوات كثيرة جداً” لتقريب وجهات النظر والاقتراب من إيجاد حل.

تأثير الصين

ثم قام أوربان بزيارة لبكين، على اعتبار أنها العاصمة الكبرى الأقرب لموسكو في الوقت الراهن ومن الممكن أن يكون لها تأثير عليها، كما أن بكين لها مبادرة سلام كذلك، واختتم زياراته الطامحة لتحقيق السلام بواشنطن حيث كان من المفترض أن تعقد قمة الناتو، والاحتفال بمرور 75 عاماً على إنشاء الحلف، وهناك التقى أوربان مع الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الحالي للرئاسة عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب، وهو الذي صرح بأنه قادر على إنهاء النزاع خلال 24 ساعة، ووفق كلمات أوربان بعد اللقاء أبدى ترامب استعداده لأن يقوم “على الفور” بالوساطة في النزاع بين روسيا وأوكرانيا إذا تم انتخابه رئيساً للولايات المتحدة في نوفمبر القادم.

انتقادات الاتحاد الأوروبي

تعرض رئيس الوزراء المجري لانتقادات كثيرة من قادة الاتحاد الأوروبي باعتبار أنه يقوم بمبادرته دون التشاور مع بقية الأعضاء، لكنه على أي حال قام بتوجيه خطاب لأعضاء الاتحاد الأوروبي يلخص فيه نتائج زياراته ومبادرته للسلام وأشار في خطابه إلى أنه على أوروبا أن تقدم مبادرة للسلام دون انتظار خطوة كهذه من الولايات المتحدة. انتقد القادة الأوروبيون مبادرة رئيس الوزراء المجري، واعتبر بعضهم أن زيارته لروسيا كانت بمبادرة شخصية منه، كما أنه لا يمتلك تفويضا أوروبيا لإجراء مباحثات تتعلق بأوكرانيا، بل وذهب الاتحاد الأوروبي لأبعد من ذلك عندما اتخذ إجراءات منها عدم قيام أعضاء اللجنة الأوروبية بزيارة المجر، رغم أن هذا تقليد يتبع مع الدولة التي تترأس الاتحاد، بالإضافة لهذا تقدم عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي بطلب يحرم المجر من التصويت في الاتحاد الأوروبي، وكما كتبت صحيفة “بوليتكو” سيقاطع الاتحاد الأوروبي لقاء وزراء الخارجية الذي سيعقد في المجر في أغسطس القادم.

موسكو والمفاوضات

جدير بالذكر في الكرملين أعلنوا أكثر من مرة أن موسكو على استعداد للتفاوض مع أوكرانيا مع الأخذ في الاعتبار الوضع القائم على الأرض، أي أن تتنازل أوكرانيا عن الأراضي التي تسيطر عليها روسيا في الوقت الراهن، وأعلنت روسيا كذلك أنها لم تتسلم نص مبادرة السيد أوربان للسلام، لكنها تعرف أساسياتها، وفي تعليقه على رد الفعل الغربي على مبادرة السلام المجرية قال دميتري بيسكوف السكرتير الصحفي للرئيس بوتين “إن الأوروبيين يحاولون إبعاد أوربان وتجريده من أي صلاحيات للعب دور الوسيط”.

في أوروبا وحتى في روسيا استهجن الجميع قيام دولة ليست ذات ثقل سياسي أو اقتصادي بدور الوساطة، بل أن الصحافة المجرية نفسها استكثرت هذا الدور على رئيس الوزراء أوربان، حيث أشارت صحيفة “ماجيار نيزميت” المجرية لتصريحات المستشار السياسي لرئيس الوزراء أوربان التي قال فيها “أن هناك ثلاث أو أربع دول بين متوسطة وكبيرة تستطيع لعب دور حاسم كوسطاء في النزاع الروسي ـ الأوكراني وهي: الولايات المتحدة وأوروبا والصين، وتركيا التي تمكنت من توقيع اتفاقية جزئية هي الوحيدة التي وقعت بين روسيا وأوكرانيا والمتعلقة بممر الحبوب بالبحر الأسود” ثم خرجت منها روسيا بعد ذلك ورفضت العودة رغم طلب تركيا.

وأضاف المستشار السياسي أنه (أوربان) وضع خارطة، لكن ما هي فرص النجاح؟ لا أحد يدري وأشار إلى أنه في اعتقاده لا بد من وسطاء خارجيين، وإلا ستنهار المبادرة المجرية. ويتوقع المراقبون أن يبدأ فيكتور أوربان مباحثات مع وسطاء أقوياء، يستطيعون التأثير على أطراف النزاع.

إعلان نوايا

بعض الخبراء الروس تحدثوا عن جهود رئيس الوزراء المجري وقالوا إن نوايا أوربان تبقى مجرد إعلان نوايا جيد، لأنها تعكس بالنسبة لروسيا، على الأقل، أن الاتحاد الأوروبي ليس على قلب رجل واحد فيما يتعلق بالعداء مع روسيا، ولأن الغرب حتى الآن لم يبد أي رغبة لحل النزاع. بينما اتهم البعض الآخر فيكتور أوربان بأنه يحاول الدفاع عن مصالح المجر بهذه المبادرة، وهو في نفس الوقت يراهن على عودة ترامب للبيت الأبيض من جديد في يناير 2025، والسيد أوربان يريد تغيير توجهاته لتتماهى مع القادم الجديد للبيت الأبيض وما سيطرأ على السياسة الدولية من تغيرات قد تؤثر على حل النزاع الروسي ـ الأوكراني. كما أن رئيس الوزراء المجري يدرك بلا شك أن استمرار النزاع سيغرق الاتحاد الأوروبي في أزمة مالية واقتصادية ليس لها نهاية، مع وجود أكثر من 10 ملايين لاجئ أوكراني، وفي نفس الوقت يرى عدم قدرة البيروقراطية الأوروبية على اتخاذ خطوات مؤثرة للخروج من الأزمة، وهذا واضح من مواقف رئيس الوزراء أوربان من الاتحاد الأوروبي وقراراته فيما يتعلق بالمساعدات والدعم العسكري المقدم لأوكرانيا والتي يعتقد أنها ستطيل أمد النزاع، دون حسم له يلوح في الأفق.

أزمة اقتصادية

يحاول أوربان كذلك ورغم ضآلة قدراته الاقتصادية نسبياً (ناتج إجمالي سنوي حوالي 178 مليار دولار، مع عدد سكان 9,5 مليون نسمة، ويحتل المرتبة 67 في الترتيب العالمي) تجنيب الاتحاد الأوروبي أزمة اقتصادية طاحنة، وهو لا يريد أن تنهار أوروبا ومعها المجر سياسياً واقتصادياً. ويدرك أوربان أن خيوط النزاع الروسي- الأوكراني تقود إلى واشنطن، وهو لا يطرح نفسه بديلا لإنهاء النزاع ولكن كوسيط بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، وهو يسعي لأن يكون مجرد همزة وصل، نظراً لعدم وجود أي عمل مؤثر من جانب الأوروبيين حتى الآن، وهو يريد أن يقدم نفسه للرئيس ترامب، كشريك أوروبي في حال فوزه في الانتخابات في نوفمبر القادم. بل هو يسعى كذلك إلى هندسة العلاقات بين واشنطن وموسكو باعتباره الوحيد في أوروبا صديق الرئيس بوتين، ويعتمد على المحروقات الروسية، التي تصله عن طريق الأنبوب المار بأوكرانيا. وبصرف النظر عن نتائج الوساطة، فإن المجر تحاول أن تتبوأ وضعا استراتيجيا يخدم مصالحها على الساحة الدولية، انطلاقاً من موقف براجماتي ومن مصالحها.

فساد أمريكي

بينما يرى بعض الخبراء أن أسرة الرئيس الأمريكي بايدن غارقة في عمليات فساد داخل أوكرانيا وبمجرد وقف الحرب هناك ستبدأ التحقيقات، وهذا بالطبع ليس في مصلحة بايدن والديمقراطيين، ولهذا لا ترغب واشنطن في وقف الحرب. وربما يكون مسعى أوربان لإنهاء النزاع هو القلق من التغيرات التي من الممكن أن تحدث في السياسة الأمريكية مع وصول ترامب للسلطة في واشنطن، والتي من الممكن أن يجد الاتحاد الأوروبي نفسه وجهاً لوجه في مواجهة روسيا دون الولايات المتحدة، وكلنا يذكر قول ترامب فيما يتعلق باستعادة روسيا للقرم، والتي قال فيها يجب سؤال أوباما عن ذلك وطالب الأوروبيين بحل مشاكلهم بأنفسهم، ومن يدري ربما تكون مبادرة أوربان هي طوق النجاة للأوروبيين، خاصة أنهم يحاولون التملص من مساعدة أوكرانيا، فنجد بولندا رفضت التصدي للصواريخ الروسية التي تمر بأوكرانيا دون موافقة دول الناتو، وتلتها ألمانيا عندما رفض شولتز نفس الطلب من الرئيس الأوكراني.

من غير المتوقع حدوث أي شيء جدي سواء من مبادرة فيكتور أوربان أو المبادرة الصينية التي أدخلت عليها تعديلات لتناسب الموقف الأوكراني أو مبادرة الرئيس التركي أردوغان، والجميع يحبس أنفاسه في انتظار عودة ترامب ومعرفة قدرته على حل النزاع في 24 ساعة، رغم أن الرئيس الأوكراني قال إنه لا تنازل عن أراض أوكرانية مقابل السلام، ومبادرة ترامب كما يتوقع الجميع هي تخلي أوكرانيا عن أراض والانضمام للناتو، وهو الأمر الذي استبق فيه الناتو ترامب بإعلانه أنه لا عودة عن ضم أوكرانيا للحلف.

 

التعليقات متوقفه