تسخين النزاع وفقا لخطة كيسنجر هجوم أوكرانيا على مقاطعة كورسك الروسية.. شو إعلامى الهدف.. الحصول على أوراق ضغط فى أى عملية تفاوض مقبلة قد تحدث بعد الانتخابات الأمريكية

27

 

إذا تحدثنا عن ما يجرى فى المقاطعة الحدودية بين روسيا وأوكرانيا خاصة فيما يتعلق بمقاطعة كورسك، وعلى وجه الخصوص فى مدينة “سودجا” التابعة لكورسك، حيث قامت القوات الأوكرانية بعملية خاطفة استهدفت مدينة “سودجا” التى يوجد بها عداد الغاز الروسي المصدر إلى سلوفاكيا والمجر، حيث يسمح الاتحاد الأوروبى لهاتين الدولتين بالاستمرار فى استيراد غاز روسى رغم مقاطعة كل الدول الأوروبية تقريباً للغاز الروسى، ومحطة “كورتشاتوفسكى” النووية، فهل تكون العملية هى استكمال لقرار أوكرانيا بعدم مرور الغاز والنفط الروسيين المصدر لبعض الدول الأوروبية عبر أراضيها أو الاستيلاء على المحطة النووية.

لكن هذا ليس سبباً لقيام القوات الأوكرانية بعملية انتحارية كهذه وليس لها أى نصيب من النجاح سوى الشو الإعلامي، حيث قامت القوات الأوكرانية بعملية خاطفة وسريعة مستغلة عدم توقع القوات الروسية لهذا الهجوم، بالإضافة إلى انشغال القوات الروسية بعملية توسيع لمناطق سيطرتها فى مقاطعة دنيتسك بهدف الحصول على أوراق ضغط فى أى عملية تفاوض مقبلة قد تحدث بعد الانتخابات الأمريكية، لم تخطر السلطات الأوكرانية حلفاءها سواء من الأمريكيين أو غيرهم بالعملية، وهو ما أعلنه الأمريكيون من خلال إعلانهم أنهم أرسلوا ليستفسروا عن العملية التى لا يعلمون عنها شيئا. هذه العملية وفق الكثير من الخبراء محكوم عليها سلفاً بالفشل، فلا القوات الأوكرانية لديها القدرة على التوغل أكثر مما توغلت فليس لديها لا العتاد ولا القدرة البشرية، والبعض اعتبرها عملية استعراضية ربما الهدف منها توسيع الجبهة وشغل القوات الروسية عن مهامها الأساسية، الجبهة التى تقاتل فيها القوات الأوكرانية فى المنطقة الحدودية ليست متسعة ويمكن للقوات الروسية سحقها، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لا مستقبل لأن تتوغل القوات الأوكرانية أكثر من مدينة “سودجا”.

فيما يتعلق بردود الفعل الغربية على العملية، فهو بلا شك “مندهش” للغاية وفوجيء بها، وبعض وسائل الإعلام الأمريكية تحدثت عن أن الحكومة الأمريكية لم تمانع فى القيام بها بعد أن علمت، الشيء الأهم أنه على عكس ادعاء الأمريكيين بأنهم لا يعلمون شيئا عن العملية، فى واقع الأمر يعلمون، ولديهم ملحقيه عسكرية تقوم بالدور الرئيسي لكل ما يقوم به الجيش الأوكرانى، بالإضافة إلى أن حلف الناتو دعم ممثليته فى أوكرانيا بعد قمته الأخيرة التى عقدت فى واشنطن، كما أن وسائل الإعلام الغربية لم تخف فرحتها وسعادتها بعملية الأوكران فى مقاطعة كورسك، وهذا يؤكد مباركة الغرب لها.

يقرأ بين السطور فى تعليقات الغرب أن اقتحام المقاتلين الأوكران لمقاطعة كورسك يعتبر نجاحا لكييف، وأهم ما دعا رجال البروباجندا الغربيين للسعادة هو أن ما حدث كان بفضل الأسلحة الغربية، وأكدت مصادر غربية أن واشنطن لم تعترض على قيام كييف بهذه العملية وهذا ينفى ما تدعيه واشنطن، أنها لم تكن على علم، بل إنها تمت بعلم واشنطن وبإشراف مستشارين أمريكيين. وتعتبر عملية اقتحام القوات الأوكرانية لمقاطعة كورسك هى الثالثة من نوعها، لكن العمليتين الأوليتين حدثتا فى مناطق أخرى، منها على سبيل المثال محاولة جرت من قبل لاقتحام منطقة بيلجورود، وفشلت وكانت أوكرانيا تسعى لعمل منطقة عازلة لتخفيف الضربات عن مقاطعة خاركوف، ومرة أخرى على إحدى القرى، لكن كييف نسبت العمليتين إلى ما يسمى “بالفيلق الروسى” الذى كما تدعى كييف يقاتل إلى جانبها.

لكن الجميع سواء فى الغرب أو فى روسيا نفسها متفقون على عنصر المفاجأة وإلقاء اللوم على القوات الروسية التى كانت موجودة فى تلك المنطقة، التى اقتحمتها القوة الأوكرانية المكونة من ألف جندى والبعض يقول ألفين، وتعتبر هذه الحادثة هى الأولى منذ الحرب العالمية الثانية المتمثلة فى وقوع عدوان مباشر على الأراضى الروسية. لكن وكما يقول مراقبون: عند اقتحام أراضى منطقة كورسك كان عدد الملقاتين الأوكران 300ـ لكنهم طلبوا دعما عسكريا، وبالإضافة إلى القوات الأوكرانية التى أتت للدعم انضم إليهم مجموعة ميكانيكية تخريبية تسمى “فيلق المتطوعين الروس” وهى منظمة محظورة فى روسيا وتعتبر منظمة إرهابية، بالإضافة لمقاتلين من جورجيا وبولندا وكندا، أى قوات ناتو، وسمها ما شئت لكنها قوات لحلف الناتو غير رسمية.

من الجانب الروسى وصل إلى منطقة كورسك قوات تابعة للمخابرات الروسية تابعة لحرس الحدود العاملة فى منطقة كورسك وقوات خاصة تابعة للشيشان وعدد من قوات “فاجنر” التى أتوا بها من مناطق تمركزها ربما فى أفريقيا أو بعض المناطق الأخرى، وأرسلت وزارة الدفاع الروسية مجموعة كبيرة من القوات بمعداتها الثقيلة، بالإضافة إلى الفيلق الأممى من منطقة الدونباس. ومن الأهداف المعلنة للجانب الأوكرانى أنهم قاموا بهذه العملية بهدف وقف القوات الروسية ومنعها من السيطرة على مدينة أوكرانية كبيرة وهى سومى والتى تقابل كورسك على الجانب الأوكرانى من الحدود، والمدينة تسيطر عليها نيرانيًّا القوات الروسية، وأجلت أوكرانيا سكانها بالكامل تقريباً.

فى تصور بعض الخبراء أن العملية الأوكرانية هى حركة للدعاية ولن تحقق الهدف منها بالاستيلاء على قطعة أرض يمكن المقايضة عليها بأراض تسيطر عليها القوات الروسية فالمساحة التى سيطرت عليها قوات كييف ضئيلة مقارنة بما تسيطر عليه روسيا وهو حوالى 20% من الأراضى الأوكرانية، كما أن القوات الروسية فى يدها وفى مرمى نيرانها مدينة كبيرة مثل سومى وخاركوف ويمكنها السيطرة عليها بعد أن كانت قد انسحبت منها.

لكنّ هناك احتمالا أن يكون التصعيد الأوكرانى تطبيقا لخطة كيسنجر، والتى تعتمد على تسخين النزاع بحيث يرد الجانب المهزوم اعتباره بعملية تليفزيونية ليبدأ التفاوض على أساس أنه لا يوجد منتصر أو مهزوم، بينما يذهب البعض لأبعد من ذلك ويقول إن روسيا ربما تغاضت عن الهجوم الأوكرانى بهدف أن يحفظ المسئولون فى كييف ماء الوجه، بعد أن طال أمد الحرب وأصبح الكسبان الوحيد هو الغرب، أو ربما تكون روسيا من خلال ذلك تريد أن تحض الغرب على عدم توريد سلاح لأوكرانيا لأنه يهدد السلم العالمى للخطر ويدفع أوكرانيا للعدوان، وتصريح نائب وزير الخارجية الروسى سيرجى ريابكوف عن “يوم القيامة” وتبادل الضربات النووية الذى قاله عشية الهجوم الأوكرانى ربما يكون دليلا على ذلك، وقد يكون العكس ربما أرادت أوكرانيا التى على حافة هزيمة فى مقاطعة دنيتسك أن تقول للغرب أنا أحقق نجاحات تشجعوا فى إمدادنا بالسلاح واسمحوا لنا باستخدام الأسلحة البعيدة المدى فى ضرب المدن والأهداف الروسية.

لكن الهدف الأساسي والأهم هو أن الجيش الأوكرانى يسعى لصد هجوم روسى قوى فى اتجاه الحدود الإدارية لمقاطعة دنيتسك، ويسعى الجانب الروسى لتقوية موقفه فى المفاوضات القادمة التى من المحتمل إجراؤها بعد الانتخابات الأمريكية، ومن غير المستبعد أن يكون الجانب الأوكرانى قد أراد أن يقدم نفسه للغرب كشريك يعتمد عليه وأن السلاح الذى حصل عليه لم يذهب هباء وهو الآن يقاتل داخل الأراضى الروسية.

ومن نافلة القول أن الجزء الضئيل من الأراضى التي سيطرت عليه القوات الأوكرانية أقل بكثير من الجزء الذي سيطرت عليه القوات الروسية فى مقاطعة خاركوف مؤخراً، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تعتبر خاركوف واحتمال السيطرة عليها أهم من الناحية السياسية لروسيا من ذلك الجزء الذى سيطرت عليها القوات الأوكرانية، حيث تعتبر خاركوف ثانى أكبر المدن الأوكرانية وهى العاصمة الأولى لأوكرانيا وسيكون لها تأثير معنوي كبير، من حيث رفع معنويات القوات الروسية أو إحباط القوات الأوكرانية.

ورغم طنطنة وكالات الأنباء الغربية حول العملية وأنها “ضربة لبوتين”, أن الحرب التى أشعلها بوتين على أوكرانيا تدور الآن رحاها على الأراضى الروسية، فى تصوري كلام مغرق فى التفاؤل وأن القوات الروسية سوف تسحق القوات الأوكرانية والعصابات التى تساندها بصرف النظر عن عددها، وفى أحسن الأحوال هذه الأخيرة لن تتحرك لأبعد مما وصلت إليه نظراً لأن الأراضى الروسية شاسعة وسوف تفقد هذه القوات الاتجاه الذي تذهب إليه، وحتى الآن لم يتحدث الرئيس بوتين عن العقيدة النووية الروسية، والتى أتصور أنه إذا لم يستخدم هذا لتذكير الغرب بخطئه، بأن يتمادى فى العدوان سواء بإمداد أوكرانيا بالسلاح أو حتى التدخل المباشر.

هناك بعض الخبراء يتحدثون عن احتمال أن تقوم القوات الأوكرانية بعملية إنزال فى محطة زابوروجيا النووية واستعادتها، بينما يرى البعض الآخر أن تقوم القوات الأوكرانية بمحاولة للاستيلاء على محطة “كورتشاتوفسكى” النووية ومقايضتها بمحطة زابوروجيا، وذلك بعد استيلائهم على مقياس الغاز الموصل لأوروبا عبر أوكرانيا.

لكن لا شك أن القوات الأوكرانية ستسعى للصمود فى الأراضى الروسية لأكبر فترة ممكنة، لتعطى إيحاء بنقل المعارك إلى داخل الأراضى الروسية وذلك إثارة الشعب الروسى، وفق خبراء أوكران، لرفض العملية العسكرية الروسية، رغم أنه فى اعتقادي سيرسخ الفكرة الروسية التى تتحدث عن صد عدوان الناتو والقوميين الأوكران هو هدف العملية العسكرية وقد يدفع المواطنين الروس لتشجيع وتأييد العملية العسكرية، بل قد يدفعهم للتطوع فى الجيش دون الحاجة لإعلان تعبئة. وإضافة لذلك تهدف أوكرانيا لإشغال القوات الروسية عن أهدافها الرئيسية على طول الجبهة وتشتيت جهودها، والبقاء فى دائرة الضوء الإعلامي الغربي أكبر فترة ممكنة لاجتذاب المساعدات العسكرية، لكن على ما يبدو روسيا لن تمنحها تحقيق هذه الأهداف وهى الآن تجلى المدنيين من منطقة الحدود، وهذا يعنى أن روسيا ستشن هجوما مضادا سيحرق الأخضر واليابس، وقد تبدأ روسيا عملية السيطرة على خاركوف وسومى من جديد وهو الأمر الذى سيؤثر بدرجة كبيرة على معنويات القوات المواطنين الاوكران.

 

 

التعليقات متوقفه