“يا مديرَ البيت العظيم، يا أعظم العظماء، إنك أب لليتيم، وزوجٌ للأرملة، وأخٌ لتلك التى نُبِذَت، وغطاءٌ لذلك الذى لا أُمَّ له .. دَعنى أجعل اسمك فى هذه الأرض يتفق مع كل قانون عادل، فتكونَ حاكماً شريفًا مشجعًا للعدل يلبى نداء المستغيث. إني أتكلم، فهل لك أن تسمع؟ .. يا مِثقال الميزان، لا تَمِل، ويا خيطِ الميزان لا تتذبذب. إن الإنسان سيموت مع خدمه، وهل ستكون رجلًا مخلَّدًا؟ إن العدل يفلِت، والقضاةُ ينحازون إلى جانب اللص.. إن الذى يجب عليه أن يَحكُم بالقانون يأْمُرُ بالسرقة، فمن ذا الذى يكبح الباطل إذن؟ وذلك الذى يجب عليه أن يقضى على الفقر يعمل على العكس، والذى يسير في الطريق المستقيم يتعثر، والآَخَرُ ينال الشهرة بالضرر.. والحكمة تقول: عامل الناس بما تحب أن تعامَل به.. يا أيها السيد العظيم، اكبح جماح السارق.. دافع عن الفقير، واحذر من قرب الآخرة.. وقِّع العقاب على من يستحق العقاب.. إنك قيِّم على الميزان”.
أعزائي القراء، هذا مقتطف من شكاوى الفلاح الفصيح منذ أربعين قرنا، والتي خلدها المخرج القدير شادى عبد السلام عام 1970 في فيلمه القصير “شكاوى الفلاح الفصيح”. أقتبسه بمناسبة عيد الفلاح، الذى حَلَّ أمس الأول الموافق 9 سبتمبر. كانت تلك صرخة فلاح عاش في إحدى قرى بنى سويف منذ أربعة آلاف عام، لكنها تبدو كصرخة فلاح معاصر من أي من قرى المحروسة أو نجوعها. يعنى الحال الآن هو كالحال زمان منذ أربعين قرنًا. فما أشبه الليلة بالبارحة! ونظرًا لأن الشكاوى من بؤس الأحوال الآن ليست مقصورة على الفلاحين وحدهم بل أصبحت تشمل معظم فئات الشعب المصرى، فإنى أسترجعها هنا. عَلَّنا نتعظ من الماضى البعيد لإصلاح الحاضر وبناء المستقبل.
لنتأمل معًا أعزائي القراء ما قاله الفلاح “خون ينبو” في شكواه الى المَلِك منذ أربعة آلاف عام تقريبًا.
أليس العار أن الميزان مائل؟ ومقيم العدل منحرف؟
اُنظُر، ها هو العدل يرزح تحت ثِقَلِك
مُشرَّدٌ من مكانه
فالمسئولون يتسببون فى الويلات
والمحققون يقتسمون المسروقات
أى أن من عليه وضع الأمر فى نصابه يُحَرِّفه
ومن يقوم بالقسمة سارق
ومن عليه مكافحة الفقر يُزيدُه
ومن عليه محاربة البؤس يتسبب فى الكوارث
آه يا سيدى، متى تعود لصوابك؟
تصرف كما يُتوَقع منك
اُنظر، أنت شديد وقوى،
كيف يشكو الفقير الذى دمَّرتَه؟
يا من تعرف هموم الناس
ألا تعرف قضيتى؟
لا تُعْمِ عينيك عمّا تراه
ها أنا أشكو إليك ولكنك لا تنصت
أنت الذى يقاوم الجشع ويقيم العدل
الذى يسمع لصيحتى التى يرددها فمى
أنا ذا أتكلم، فاسمع: أقم العدل
أيها الممدوح الذى يمدحه الأفاقون
ارفع المعاناة عنى، فأنا مثقل بالهموم
ونذكر السيد الرئيس السيسي بما قاله في ذكرى الثلاثين من يونيو فى 30 يونيو 2024. قال سيادته: “أتوجه بالحديث إلى كل المصريين.. إلى كل رجل مصرى وسيدة مصرية.. يتحملون مشاق الحياة وارتفاع الأسعار.. خلال الفترة الأخيرة.. مـــن أجــــل توفيـــر الحيـــاة الطيبـــة لأبنائهـــم .. أتوجه بالحديث إلى المكافحين الشرفاء.. من أبناء شعب مصر العظيم على اتساع الوطن .. أقول لهم: إننى أعلم بشكل كامل حجم المعاناة.. وأؤكد لكم.. أن شغلى الشاغل.. والأولوية القصوى للحكومة الجديدة.. هو تخفيف تلك المعاناة.. وإيجاد مزيد من فرص العمل.. وبناء مستقبل أفضل.. لجميع أبناء مصر الكرام”.
تهنئة إلى جميع فلاحى مصر وعموم الشعب المصري بمناسبة عيد الفلاح وكل عام وأنتم بخير.
التعليقات متوقفه