انخفاض الدخول والتضخم المرتفع.. تحديات تواجه الخطط الحكومية لرفع معدل الادخار.. مدخرات الأفراد تمثل 82%.. و18% لقطاع الأعمال.. و«الحكومية» صفر

11

– يمن الحماقي: ضرورة زيادة معدل الاستثمار والإنتاجية وتعديل السياسة الائتمانية

– هاني الحسيني: يجب رفع دخول الأفراد والسيطرة على التضخم والاهتمام بالتثقيف المالي

 

تحقيق: محمد مختار

في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها الدولة، والتي تشمل ارتفاع معدلات التضخم وضغط الأوضاع المالية على الأفراد، تسعى الحكومة إلى تحقيق هدف طموح لزيادة معدل الادخار إلى 10.3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2025/2026، كخطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي ودعم النمو المستدام من خلال رفع مستوى الادخار المحلي.. ولكن يرى خبراء الاقتصاد، أن تنفيذ هذا الهدف ليس بالمهمة السهلة، ويستلزم مواجهة مجموعة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية في ظل الظروف الراهنة، حيث يجب تطبيق عدة آليات وإصلاحات تساعد على تحفيز الادخار في وجه التضخم وضغوط المعيشة المتزايدة، تؤثر سلبا على القدرة الشرائية للأفراد ويدفعهم إلى تقليص النفقات، إضافة إلى ذلك، فإن الاقتصاد الوطني يمر بمرحلة من التحولات الهيكلية والإصلاحات، والتي تهدف إلى تحسين النمو الاقتصادي وتعزيز الاستقرار المالي، مشددين على ضرورة تحسين الظروف الاقتصادية، وزيادة مستويات الدخل، وتعزيز التثقيف المالي، وتقديم حوافز ادخار جذابة لبناء الثقة ودعم الادخار.

بيانات حكومية

وتستهدف خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية متوسطة المدي زيادة معدل الادخار ليصل إلي نحو 10.3% بنهاية الخطة عام 2025/2026، مقارنة بنحو 6.8% في عام 2022/2023 و8.1% في عام2023/2024، وتختلف معدلات الادخار بين الفئات الاجتماعية والمناطق الجغرافية، وتشمل عمليات الادخار كلا من المدخرات الفردية من حسابات التوفير والودائع، وكذلك المدخرات المؤسسية، التي تشمل الصناديق الاستثمارية والشركات، ويلعب القطاع المصرفي دورا مهما في الادخار من خلال تقديم منتجات ادخار متنوعة، مثل الحسابات الجارية وحسابات التوفير والشهادات الإدخارية.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن مدخرات المواطنين في مصر تشكل نحو 82% من إجمالي الادخار المحلي، مما يجعلها المصدر الرئيسي لتمويل النشاط الاقتصادي وسد عجز الموازنة العامة، ورغم ذلك، هناك فرصة كبيرة لزيادة معدلات المدخرات، وعلى سبيل المثال، تفيد البيانات الرسمية بأن إجمالي المدخرات في دفاتر توفير البريد، والتي تم إيداعها من قبل عامة الشعب في القرى والنجوع والفئات الدنيا للطبقة المتوسطة، يصل إلى نحو 150 مليار جنيه.

وتعتبر مدخرات قطاع الأعمال جزءا مهما من النظام المالي في مصر، حيث تحتفظ المشروعات والهيئات الاقتصادية المختلفة بجزء من أرباحها السنوية لاستخدامه في تمويل توسعاتها الاستثمارية، ومع ذلك، تمثل هذه المدخرات ما لا يتجاوز 18% من إجمالي الادخار في مصر، مما يبرز الاعتماد الكبير على مدخرات الأفراد في دعم النشاط الاقتصادي وتمويل عجز الموازنة العامة، ورفع معدلات ادخار قطاع الأعمال في مصر يتطلب أكثر من مجرد تشغيل المشروعات المتوقفة أو رفع كفاءتها، بل يجب أيضا تحسين التنافسية وتمكين المشروعات من تغطية نفقاتها وتحقيق أرباح معتبرة، ومع ذلك، لا يكفي هذا وحده لزيادة المدخرات، ويتعين الاحتفاظ بجزء كبير من الأرباح وعدم توزيعها بالكامل على المساهمين وأصحاب المشروعات، ومن الضروري أيضا إلزام المشروعات، سواء كانت عامة أو خاصة، محلية أو أجنبية، بالاحتفاظ بجزء كبير من الأرباح لتحقيق إعادة استثمار فعّالة وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام.

وفيما يخص المدخرات الحكومية، فإن الوضع يشير إلى أنها سالبة، حيث لا تكفي إيرادات الحكومة لتغطية مصروفاتها، مما يؤدي إلى عجز في الموازنة العامة. لتغطية هذا العجز، تعتمد الحكومة على استخدام جزء من مدخرات القطاعات الأخرى، مما يساهم في تقليص معدل الادخار المحلي الإجمالي بشكل عام.

دخول منخفضة

أكد هاني الحسيني، الخبير الاقتصادي، وأمين اللجنة الاقتصادية لحزب التجمع، أن هناك عدة عوامل تعيق رفع معدل الادخار، منها انخفاض مستويات الدخل، حيث أن الأفراد ذوو الدخل المنخفض قد لا يكون لديهم القدرة على الادخار بعد تلبية احتياجاتهم الأساسية، وارتفاع مستويات الدخل وزيادة القدرة الشرائية يمكن أن يساعد في زيادة معدلات الادخار.

وتابع «الحسيني» أن ما شهدته الأوضاع الاقتصادية خلال الفترة الماضية ووصول التضخم لمستويات قياسية والارتفاع الجنوني لأسعار السلع والخدمات، ساهمت بصورة كبيرة في تقليل مدخرات المواطنين، والاحتفاظ بالنقد إن وجد لمواجهة الظروف الطارئة، فضلا عن قلة التثقيف المالي، والافتقار إلى وجود برامج توعية وتعليم مالي فعالة تجعل الأفراد مدركين لأهمية الادخار وطرق الاستثمار، مشيرا إلى أنه من العوامل أيضا وجود أزمة ثقة بسبب ما شهده الاقتصاد خلال الفترة الماضية.

وشدد على أن السياسات الضريبية يجب أن تشجع للتوسع في هذا الأمر من خلال دفع حوافز الادخار والاستثمار، مشيرا إلى أنه في ظل الظروف الحالية، فإن ارتفاع مستوى الديون الشخصية بين الأفراد تقلل بطبيعة الأمر من قدرتهم على الادخار، فالأفراد المثقلون بالديون يفضلون استخدام دخلهم لسداد الديون بدلا من الادخار.

وتابع أمين اللجنة الاقتصادية لحزب التجمع، أن الحكومة تسعى لزيادة معدل الادخار الوطني إلى نحو 10.3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025/2026، في محاولة لتحسين الوضع الاقتصادي وتعزيز الاستقرار المالي، موضحا أنه مع ذلك، تبقى هذه النسبة متواضعة مقارنة بمعدلات الادخار في الدول ذات الدخل المماثل، التي تتجاوز 28%، والدول الفقيرة التي تصل إلى حوالي 17%.

وتابع «الحسيني»، يعتبر الهدف الحكومي المعلن عنه، خطوة غير طموحة بما يكفي، حيث يعكس عدم رغبة في تحقيق قفزة كبيرة في معدلات الادخار تتناسب مع تطلعات التنمية المستدامة، قائلا: “تثير هذه الأرقام تساؤلات حول جدوى السياسات المعلنة ومدى قدرتها على تحقيق تحسين حقيقي في الأداء الاقتصادي”.

وأوضح عضو اللجنة الاقتصادية لحزب التجمع، أن معدلات الادخار الحالية، بالإضافة إلى الأهداف المستهدفة، لا تكفي لتلبية متطلبات الاستثمارات الكبيرة اللازمة لتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، من توفير مياه نقية، وصرف صحي، وكهرباء، ووسائل نقل، وطرق، ومستشفيات، ومدارس، مشيرا إلى أن الزيادة المعلن عنها في معدل الادخار، والتي تستهدف الوصول إلى حوالي 10.3%، تظل غير كافية لمواجهة احتياجات البنية التحتية والتنمية المستدامة، مما يستدعي ضرورة تبني استراتيجيات أكثر طموحاً لتحقيق تحسينات جوهرية في هذا المجال.

وأوضح، أن هذه المعدلات لا تكفي أيضا لتمويل المشروعات الإنتاجية اللازمة لرفع مستويات التشغيل ومعدلات النمو، مما يعيق تحقيق نقلة حقيقية في مستويات المعيشة، موضحا أن الحكومة تستهدف معدل استثمار يتراوح بين 18% و19%، إلا أن مدخراتنا المحلية لا تفي حتى بتمويل هذه الاستثمارات المتواضعة، مما يبرز الحاجة الملحة لإعادة النظر في استراتيجيات الادخار والاستثمار لتحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوة.

وتابع الخبير الاقتصادي، أن برنامج الحكومة يعتمد بشكل كبير على التمويل الخارجي لسد الفجوة بين معدلات الادخار والاستثمار في مصر، قائلا: الحكومة تعتمد على القروض، الاستثمارات، وتدفقات رؤوس الأموال في البورصة كوسائل رئيسية لتحقيق هذا الهدف.

تعزيز الإنتاج

من جانبها، أكدت الدكتورة يمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن الادخار يمثل عنصرا حيويا في تعزيز النمو الاقتصادي لأي بلد، ويواجه العديد من الدول، بما في ذلك مصر، تحديات في زيادة معدلات الادخار المحلي، موضحة أن هناك مقولة شائعة في الاقتصاد بان الادخار هي الأموال التي إيداعها في البنوك، ولكن هذا اعتقاد خاطئ، لأن الإدخار لأي دولة يعتبر قدرتها على الإنتاج واستهلاك ما قيمته نصف هذا الإنتاج، وبذلك يكون هناك ادخار بنحو 50%، قائلة: تعريف الادخار هو الفائض من الدخل بعد الإنتاج.

وأوضحت، الادخار لا يعبر عنه قيمة الوادئع في البنوك بسبب أن فرص استثمار هذه الأموال ضعيفة، والمناخ الاستثماري سيئ، والطاقات الإنتاجية ضعيفة، والموارد البشرية مستواها منخفض الأمر الذي يؤدي إلى ضعف الاستثمار وبالتالي الإنتاج بطبيعة الأمر، وهنا يسيطر الاستهلاك مما ينخفض معدل الادخار.

وشددت على ضرورة رفع معدل الاستثمار مع زيادة الدخول لخفض الاستهلاك، مؤكدة أن هذا النوع من الادخار هو الذي يعود بالنفع على المواطينن والاقتصاد الكلي من خلال اتساع دائرة الإنتاج والتشغيل وزيادة الدخول.

ولفتت إلى أن السياسية الائتمانية للبنوك يجب أن يكون لها نظرة مغايرة تعمل على زيادة حزافز الاستثمارات التي لها تأثير إيجابي على زيادة الإدخار، وتقديم حوافز تمويلية للصناعات التي لها ميزة نسبية، موضحة أن القرى والنجوع بها طاقات ادخارية كبيرة، ولكننا لم نحسن استغلالها، مشددة على ضرورة تعظيم دور السياسية الائتمانية من أجل الوصول لمعدلات الادخار المستهدفة، مشيرة إلى ضرورة تعزيز الشمول المالي وتوفير خدمات مالية ميسرة وسهلة الوصول يمكن لتشجيع الأفراد على فتح حسابات توفير واستثمار أموالهم بشكل أكثر فعالية، فضلا عن الانتباه جيدا بمستوى الدين العام، فهو يؤثر على قدرة الحكومة على دعم السياسات الداعمة للادخار، قائلة إن تخفيض الدين العام من خلال تحسين إدارة المالية العامة يتيح للحكومة فرصة أكبر للاستثمار في المبادرات التي تشجع الادخار.

تقديم حوافز

وأوضحت أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن هناك عدة عوامل تؤثر على معدلات الادخار، أبرزها، الأوضاع الاقتصادية والمالية، حيث أنه في فترات الأزمات الاقتصادية أو عدم الاستقرار، قد يميل الأفراد إلى تقليل مدخراتهم والاعتماد أكثر على التمويل الخارجي، وأيضا مستويات الدخل لأن الأفراد ذوي الدخل المنخفض قد لا يكون لديهم القدرة على الادخار بشكل كبير، وتحسين مستوى المعيشة وزيادة الدخل يمكن أن يسهم في رفع معدلات الادخار، مشيرا إلى أن التثقيف المالي والتوعية حول أهمية الادخار والاستثمار أمر هام، ويمكن أن تشجع الأفراد على زيادة مدخراتهم، من خلال برامج التثقيف المالي المختلفة، فضلا عن السياسات الحكومية، والتي تلعب دورا مهما في تعزيز الادخار من خلال إنشاء حوافز ضريبية، تقديم برامج ادخار حكومية، وتحسين البيئة الاستثمارية، موضحة انه من العوامل أيضا ضرورة بناء الثقة في النظام المالي والمصرفي من خلال تحسين الشفافية وتقليل المخاطر لتشجيع الأفراد على التوسع في الادخار.

وشددت على ضرورة تبني الإصلاحات الهيكلية، مثل تحسين جودة الخدمات العامة، زيادة كفاءة القطاع الحكومي، وتعزيز البنية التحتية الاقتصادية، موضحة أن هذه الإصلاحات يمكن أن تؤدي إلى استقرار اقتصادي أكبر، مما يعزز ثقة الأفراد في القدرة على الادخار، وأيضا تشجيع الاستثمار المحلي من خلال تقديم عدة حوافز، مثل تحسين مناخ الأعمال وتبسيط الإجراءات الإدارية، لتحفيز الأفراد على استثمار مدخراتهم بدلاً من الاعتماد على التمويل الخارجي.

التعليقات متوقفه