إبراهيم نوار يكتب :الدعم والسياسة الاقتصادية المتحيزة ضد الفقراء!

12

*بقلم /إبراهيم نوار

عشنا لنرى اليوم الذي نرى فيه سياسة اقتصادية رسمية متحيزة ضد الفقراء وغير القادرين. وعشنا لنرى ثقافة آثمة تروج لمسئولية الفقراء عن الأزمة الاقتصادية؛ وأنهم السبب في ضياع ثمار التنمية، لأنهم يتوالدون بكثرة، وأنهم كسالى لا يعملون، وأنهم السبب في الجوع لأنهم يفرطون في التهام الخبز المدعم بأموال الدولة! عشنا لنشهد هذه الهستيريا حول تغيير نظام دعم السلع الغذائية، من عيني إلى نقدي، وسط ارتفاع صارخ لا يحتمل في الأسعار، وقفزات تاريخية في معدل التضخم، وانخفاض حاد في القيمة الشرائية للجنيه. وهي أمور وقعت وقع الكارثة على ميزانية الأسرة لدى فئات الفقراء، وغير القادرين، وأصحاب المعاشات. كما انعكست بصورة محزنة على صحة الأطفال، وكبار السن، وربات البيوت. وبسبب سرعة تدهور مستويات المعيشة، ورغبة الحكومة في التغطية عليها، فإن أجهزة الإحصاء والمعلومات توقفت منذ سنوات عن حساب تأثيرها على مؤشرات الدخل والإنفاق والاستهلاك للأسرة ومعدلات انتشار الفقر.
سياسة متحيزة ضد الفقراء
يؤكد تدهور نصيب دعم السلع التموينية من الناتج المحلي خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة النصف وجود سياسة اقتصادية رسمية متحيزة ضد الفقراء وغير القادرين. في موازنة 2024/2025 بلغ دعم السلع التموينية 134 مليار جنيه، بنسبة 21% من الدعم الكلي، أو ما يعادل 3.5% من مصروفات الموازنة العامة، وما يقل عن 0.8% من الناتج المحلي الإجمالي. أي أن كل هذه الهستيريا عن دعم السلع الغذائية بما فيها الخبز، لا تمس إلا أقل من 1% فقط من الناتج المحلي الإجمالي.
وبمقارنة دعم السلع التموينية حاليا مع ما كان عليه قبل عشر سنوات، نجد أن قيمته في ختامي ميزانية 13/14 بلغت حوالي 35 مليار جنيه، بما يعادل 5.1% من المصروفات العامة، و 1.6% من الناتج المحلي، مقابل 3.5% و 0.78% في موازنة العام الحالي. أي أن نصيب دعم السلع التموينية أنخفض فعليا بنسبة تتجاوز 50% خلال السنوات العشر الأخيرة. وتحقق هذا التخفيض على الرغم من زيادة عدد السكان بنسبة 2% في المتوسط سنويا، وانخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار عدة مرات، وارتفاع أسعار السلع الغذائية المستوردة بسبب الأزمات البيئية واضطرابات سلاسل الإمدادات نتيجة وباء كورونا مرة، والحرب الأوكرانية مرة أخرى.
الدعم واجتثاث الفقر والجوع
تتعلق الأهداف الأربعة الأولى من استراتيجية التنمية المستدامة التي أوصت الأمم المتحدة بتحقيقها بحلول عام 2030 باجتثاث الجوع والفقر وتوفير التعليم الجيد والرعاية الصحية الكافية. ولا يتعلق المفهوم الجديد للفقر بالدخل النقدي فقط، وإنما هو مفهوم متعدد الأبعاد والمستويات يتعين على كل حكومات العالم العمل من أجل اجتثاثه تماما. وهناك عدد من التجارب الرائدة في اجتثاث الفقر والجوع بالمعنى المتعدد الأبعاد، أهمها التجربة الصينية التي أخرجت 800 مليون شخص من هوة الفقر، وكذلك تجربة فيتنام، ومعهما تجربة البرازيل، التي يعيد الرئيس لولا دا سيلفا بناءها بعد أن خربها النظام السابق. ولذلك فإن حصر مناقشة موضوع الدعم داخل حيز هل يكون نقديا أو عينيا يعكس فهما قاصرا، وانقطاعا تاما عن فهم علاقة الدعم بالتنمية.
وقد انطلقت التجربة البرازيلية خلال فترة الرئاسة الأولى للرئيس دا سيلفا بحملة تستهدف “القضاء على الجوع”. وتضمنت إجراءات التدخل الحكومي تنفيذ عدد من برامج الأمن الغذائي والحماية الاجتماعية، بما في ذلك: التحويلات النقدية التي تستهدف أشد الناس فقرا “بولسا فاميليا”؛ والتحويلات النقدية لدعم “الزراعة العائلية”؛ وإتاحة وظائف رسمية، وزيادة الحد الأدنى الحقيقي للأجور؛ وتحسين جودة الوجبات المدرسية؛ و تثقيف الناس حول عادات الأكل الصحية ؛ ودعم المطاعم منخفضة التكلفة. لكن هذه التجربة تم تخريبها خلال حكم بولسنارو، لتقتصر على الدعم النقدي فقط. وهو ما أدى إلى تدهور مؤشرات الفقر والأمن الغذائي؛ فتضاعفت نسبة الجوع أو الفقر المطلق أربع مرات تقريبا من 4% عام 2014 إلى 15% عام 2022. وانخفضت نسبة الأسر الآمنة اقتصاديا من 77% إلى 41%. والآن يعيد لولا بناء نظام الدعم المتعدد المستويات والأدوات من أجل توفير حياة كريمة لمواطنيه، بدلا من تحويلهم إلى متسولين.
تمويل الدعم بضريبة (السلع جدول 1)
وإذا كانت الحكومة تتألم من ارتفاع تكلفة الدعم، ولا تتألم من ارتفاع تكلفة الديون، فإن علاج ألم الدعم بسيط جدا، يتمثل في استخدام الضرائب على سلع الجدول رقم (1)، وهي ضرائب يدفعها الفقراء وغيرهم في تمويل الدعم. وتقدر حصيلة هذه الضريبة في السنة المالية الحالية حوالي 175 مليار جنيه، في حين يقدر دعم السلع التموينية بحوالي 134 مليار جنيه. وتغطي ضرائب الجدول سلعا كثيرة أهمها السجائر والتبغ و المياه الغازية، والأدوية وزيوت الطعام والاسمنت والأسمدة والمبيدات الزراعية والبنزين، والأدوية، و زيوت الطعام، والمقرمشات، والصابون والمنظفات وغيرها. ومع وجود فائض بعد تسوية الحساب، فيمكن استخدامه في زيادة المخزون الاستراتيجي من القمح والسلع التموينية، وتكوين احتياطي للسنوات القادمة..

التعليقات متوقفه