د.جودة عبد الخالق يتحدث عن أبرز مشكلات إدارة الاقتصاد المصري

11

المبادرات لا تصلح أن تكون بديلًا عن وجود سياسات اقتصادية لإدارة الاقتصاد

غياب السياسات الواضحة ينتج عنه خططًا فضفاضة أشبه بالتمنيات

لدينا مشكلات في تداخل الاختصاصات وفي التخطيط.

الأموال الساخنة مثل الجراد الذي ينقض بالملايين على الحقل ليلتهمه خلال ليلة

ضرورة وضع قيود على دخول وخروج الأموال الساخنة حتى لا نتعرض لمخاطر كبيرة

قال الدكتور جودة عبدالخالق، وزير التموين الأسبق وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني، ورئيس اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع، إن إدارة الاقتصاد والأزمة الاقتصادية هي أمر يشغل بال جميع المواطنين في مصر، والسؤال الذي يطرح نفسه هو، إلى أين يذهب الاقتصاد، وماذا سيحدث بعد خفض الفيدرالي الأمريكي لقيمة الفائدة بنصف نقطة أساس، مضيفًا أن إدارة الاقتصاد تعني في الأساس اتخاذ إجراءات معينة لتوجيه الاقتصاد الوطني لتحقيق أهداف مرجوة بالإضافة إلى أنه في حالة الاقتصاديات المفتوحة مثل الحالة المصرية يكون من ضمن الأهداف هو التخفيف من الضغوطات الخارجية على الاقتصاد، مشبهًا المؤسسات والأدوات الاقتصادية للدولة بالآلات الموسيقية التي تعزف في مقطوعة موسيقية متناغمة ولكن يلزمها في النهاية قائد لهذه الاوركسترا حتى تمشي في المسار نفسه بتناغم.
جاء ذلك خلال جلسة للصالون الثقافي بالمنتدى الثقافي المصري بعنوان «إدارة الاقتصاد المصري».
وأضاف«عبد الخالق» أن إدارة الاقتصاد هي عملية لها أكثر من بعد، فهناك إدارة الاقتصاد الكلي من خلال تحديد أمور مثل سعر الصرف والفائدة، والمستوى العام للأسعار والتضخم ومعدلات النمو والسياسات المالية والنقدية وغيرها من الأمور، وهناك أيضا الاقتصاد الجزئي والذي يركز على قطاعات أو ملفات اقتصادية بعينها مثل قطاع النقل والمواصلات، أو قطاع التشييد والبناء وغيرها، لذلك فالتخطيط الجيد على مستوى الاقتصاد الكلي يتحلى بأهمية أكبر نظرًا لأنه المسئول عن رسم السياسات العامة للاقتصاد لتحقيق مستهدفات معينة، مشيرًا إلى أن أهم المشكلات التي تواجه الاقتصاد الكلي المصري هي مسألة سعر الصرف والفائدة فهي الأدوات التي تمكن صانع القرار الاقتصادي من التحكم في الاقتصاد كله.
وتابع «عبد الخالق» قائلًا: متطلبات إدارة الاقتصاد تنقسم إلى مكونين مهمين وهما السياسات الاقتصادية، والمؤسسات الاقتصادية التي تهدف إلى تطبيق هذه السياسات التي تهدف لتحقيق أهداف مخطط لها بعناية، والاقتصاد يكون أساس الإدارة له هي السياسات الاقتصادية المستدامة لا المبادرات مثلما يحدث في الحالة المصرية عبر التوسع في المبادرات الاقتصادية والتي قد تكون مطلوبة أحيانا بشكل استثنائي لمواجهة أحداث استثنائية بالنسبة للدول مثل حالات الصراعات أو الأوبئة وغيرها ولكنها لا تصلح أن تكون بديلًا عن وجود سياسات اقتصادية لإدارة اقتصاديات الدول، كما أن غياب السياسات الواضحة ينتج عنه أمر سلبي أخر وهو أن تضع خططًا فضفاضة أشبه بالتمنيات وهو ما نراه أحيانا في البرامج التي تطرحها الحكومة مثل أن تقول في برنامجها نسعى إلى توسيع التصدير المصري ليكون بـ 100 مليار دولار، دون الكشف عن كيف يحدث ذلك وبأي خطط أو استراتيجيات، فتكون احتمالات الفشل أكبر موجودة منذ البداية، ضاربًا المثال عما حدث في مواجهة التضخم الذي ضرب البلاد بمبادرة كلنا واحد وهي مبادرة جيدة ولكنها تبقى مبادرة مؤقتة لمواجهة محدودة وفي نطاقات ضيقة وليست سياسة لمواجهة التضخم بشكل مخطط له ومستدام.
وأردف «عبد الخالق»: شبهنا المؤسسات والأدوات الاقتصادية بالآلات الموسيقية والتي من المفترض أن يكون لها مايسترو لتعزف بتناغم ونحو هدف واحد، وهذا الأمر متخبط بشكل كبير في مصر، فلدينا مشكلات في تداخل الاختصاصات وفي التخطيط، فمثلًا مصر لديها 37 وزارة لإدارة كل الملفات، ولكن تجد هناك وزارة للزراعة، بينما الزراعة المصرية بنسبة 95 قائمة على الري بالمياه لا الري المطري ونجد أن هناك وزارة أخرى تمامًا للري فهنا الوزارة التي تهدف إلى زيادة الزراعة ليست هي المتحكمة في ملف المياه والتي تعتمد عليه عمليتها الأساسية بنسبة 95%، أو مثلا يسأل صحفي وزارة الكهرباء لماذا تنقطع الكهرباء، فترد الوزارة ليست مشكلتنا أنها مشكلة وزارة البترول فتجد أن التشابكات والتداخلات بين المؤسسات هي عملية تعيق أداء كل مؤسسة ولا تمكنها من إدارة ملفها بالكامل بكل عناصره وعوامله مثل ملف الطاقة الذي ينقسم على الكهرباء مرة والبترول مرة، أو ملف الزراعة الذي ينقسم على الزراعة من جانب والري، من جانب أخر وهي مجرد أمثلة تذكرنا بمقولة تفرق الدم بين القبائل، وإذا ضربنا مثلًا بالولايات المتحدة وهو نموذج نحن مولعين به كثيرًا في السياسة المصرية نجد أن وزارة الخزانة هي المايسترو والمحرك الرئيسي للاقتصاد وصحيح أن البنك الفيدرالي له استقلاليته إلا أنه لا يستطيع أن يخرج عن سياسات وأهداف مسبقة لوزارة الخزانة بينما الأوضاع في مصر كل مؤسسة تعمل وفق البيانات المتاحة لها وبسياسات منفصلة عن الأخرى في كثير من الأحيان وهو ما يعمق الأزمة الاقتصادية، فنجد مثلًا البنك المركزي المصري وهو من أعلن أن هدفه الأساسي والرئيسي هو خفض التضخم ومواجهته ينتظر ليرى قرارات الفيدرالي الأمريكي ليتخذ قراراته في ظل هذا الاقتصاد المفتوح المشتبك مع الاقتصاد العالمي، لا أن تكون هناك سياسات موضوعة مسبقًا بأدوات واضحة لتحقيق الهدف.
وأكمل «عبد الخالق» أن الاقتصاد أيضا يشهد عملية تدفقات خارجة وداخلة، في حالتنا نشهد تدفقات خارجة وهي العمالة مثلًا والصادرات وتدفقات داخلة وهي الاستثمارات والأموال الساخنة وهذه الأموال الساخنة بالذات يجب أن توقف عندها كثيرًا فهي في كثير من الأحيان تكون مثل الجراد الذي ينقض بالملايين على الحقل ليلتهمه خلال ليلة واحدة، وهناك ألاعيب دولية تحدث في هذا الملف تتطلب أن نتوقف عندها فمثلًا نقول إن الفائدة في أمريكا 5% بينما في مصر 25% فهناك من يذهب ليقترض من أمريكا بالفائدة المنخفضة ثم يأتي ليقرض مصر بالفائدة العالية ويحقق الربح من خلال الفارق بين الفائدتين دون أن تدخل هذه الأموال في أي إضافة للاقتصاد أو لخلق أي عملية إنتاجية، كما إنها لا تدفع ضرائب، وتدخل وقتما تشاء ثم تخرج وقتما تشاء ووقت خروجها تضغط على العملة المحلية وتضعفها فرئيس الوزراء قال منذ فترة أن مصر كان قد خرج منها 30 مليار دولار من الأموال الساخنة وإذا فكرنا في الأمر هذه الأموال احتاجت أن تتحول من جنيهات إلى دولارات بما يعادل 30 مليارا إذا السوق شهد ما يعادل ذلك المبلغ من الجنيهات لعملية العرض، ونفس المبلغ كدولار كطلب فزاد الطلب على الدولار فارتفعت قيمته وزاد المعروض من الجنيه فقلت قيمته في نفس الوقت، لذلك كانت من أهم النقاط التي تحدث عنها الحوار الوطني في هذا الأمر هو ضرورة وضع قيود على دخول وخروج الأموال الساخنة بدلًا من أنها تدخل الاقتصاد وتخرج منه في الوقت الذي تريده فتضعفه بشكل مفاجئ وهو ما عرضنا لمخاطر كبيرة.

التعليقات متوقفه