من يريد تدمير العالم فى السباق المحموم نحو الكارثة؟.. خطط لإعداد مواجهة عسكرية أمريكية – أطلنطية ضد الصين وروسيا

255

الكلمة التي ألقاها نبيل زكي فى الجلسة الأولي للمؤتمر الحادي عشر لمنظمة تضامن الشعوب الأفريقية- الآسيوية فى العاصمة المغربية الرباط يوم 14 نوفمبر الجارى.

هناك من لم يقنعوا بمقتل 16 مليون إنسان فى الحرب العالمية الأولى التي كانوا يحتفلون قبل أيام، بمرور مائة سنة على إندلاعها، كما لم يكتفوا بمقتل أكثر من 60 مليون إنسان فى الحرب العالمية الثانية، وهو رقم كان يشكل فى ذلك الوقت أكثر من 5ر2 % من إجمالي سكان العالم، بينهم عدد يتراوح بين 50 و 52 مليون ضحية من المدنيين.

فى خطاب الوداع الشهير للأمة الأمريكية، حذر الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور من حصول المجمع العسكري – الصناعي فى الولايات على نفوذ لا مبرر له ولا يصح أن يحصل عليه.. حتي لا يلوح احتمال وقوع كارثة صعود عناصر معينة إلى السلطة واستيلائها على موقع لا تستحقه.. وخاصة إذا كان حدوث ذلك.. أمرًا واردًا ومحتملاً.. وإذا كان هذا الاحتمال سيظل ماثلاً.

لماذا نستعيد هذا التحذير من جانب ايزنهاور الآن رغم مرور أكثر من نصف قرن على صدوره؟
لأن هناك حالة هستيرية تجتاح الولايات المتحدة، وبعض الدول التابعة لها، فى الوقت الحاضر، تروج لاستخدام القوة ضد روسيا والصين حتي لو أدي ذلك إلى حرب نووية، كما نشهد حرصًا محمومًا على إحياء أجواء الحرب الباردة وسباقًا للتسلح ولتحديث الترسانات النووية واعتماد أكبر ميزانية عسكرية فى تاريخ الولايات المتحدة.
وتجري فى الشهر الحالي والشهر الذي سبقه أكبر مناورات عسكرية كثيفة ومنسقة منذ نهاية الحرب الباردة تحت اسم trident juncture 2018 بقيادة حلف الأطلنطي.
تشارك فى هذه المناورات التي تجري على تخوم روسيا، 31 دولة بينها 29 دولة عضو فى حلف الاطلنطي إلى جانب فنلنده والسويد. ويبلغ عدد المشاركين فى المناورات 50 الف جندي وعشرة آلاف مركبة مجنزرة ومدرعة وخفيفة و150 طائرة و60 سفينة حربية. وسبق أن أقام الأمريكيون شبكة من الكهوف فى النرويج- الدولة المضيفة للمناورات- لتخزين أسلحة ومعدات حربية تكفى لـ 15 ألف من مشاة الأسطول الأمريكي.
وحتي الآن، كانت الدول الاسكندنافية غير الأعضاء فى حلف الاطلنطي (فنلنده والسويد) تمتنع عن المشاركة فى هذه المناورات، ولذلك تعد مناورات «ترايدنت» تحولاً مثيرًاً فى الموقف.
ولما كانت دول البلطيق تطالب بزيادة الوجود العسكري على أراضيها، يواصل حلف الاطلنطي تخزين الأسلحة والذخيرة فى منطقة البلطيق وبولندا، كما صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فى 19 سبتمبر الماضي بأنه يبحث امكانية إقامة قاعدة عسكرية امريكية دائمة فى بولندا.. أي على حدود روسيا..
اتساع دائرة الخطر
فى هذا العام، قام حلف الأطلنطي بتنظيم حوالي مائة مناورة عسكرية، بزيادة 20% على نفس الفترة من العام الماضي. ويبدو أن المناورات لا تتوقف، فقد وجهت بولندا الدعوة لأعضاء حلف الأطلنطي للقيام بمناورات عسكرية أخري واسعة النطاق تحمل اسم «اناكوندا- 2018» فى نفس الوقت الذي تجري فيه مناورات أخري للحلف، مثل «قلعة بوناس- 18» و»الذئب الحديدي – 18» و»ضيف البلطيق -18». وفى الشهر المقبل سوف تتحرك فرقة امريكية ميكانيكية كاملة وجاهزة للعمل الي العالم القديم. وترابط الآن بالفعل أربع كتائب اطلنطية متعددة الجنسية فى دول البلطيق وبولندا.
وبايجاز، فإن المناورات العسكرية الاطلنطية على حدود روسيا لا تتوقف ولا تنتهي. وكانت روسيا قد قامت بمناورات واسعة النطاق تحمل اسم «فوستوك- 2018» ولكنها جرت فى منطقة الشرق الأقصي حتي لا تستفز حلف الاطلنطي، ولكن يبدو أن الاطلنطي لم يقدر هذا الموقف.
وفى 24 اكتوبر الجاري، صرح وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو بأن حلف الاطلنطي يزيد من أنشطته الاستطلاعية فى منطقتي البلطيق والبحر الأسود، كما أن هناك توسعا ملحوظاً فى تحركات الحلف التجسسية فى هاتين المنطقتين.
وهنا يؤكد شويجو «انه فى هذا العام فقط تم إرسال الطائرات الروسية للتحليق بمنطقة الحدود لمنع انتهاك المجال الجوي لروسيا أكثر من 120 مرة!».
الهدف الخفي
يقول «اليكس جوركا»، الباحث الامريكي فى مؤسسة الثقافة الاستراتيجية، أن الهدف الخفى من وراء هذه المناورات العسكرية هو أن تكون القوات على أهبة الاستعداد لاقتحام الحدود الروسية. ويري عدد من الخبراء الأمريكيين أن هذه المناورات غير المسبوقة بمثابة رسالة مباشرة إلى روسيا.
يقول المحلل الأمريكي «كون هالينان» إن حلف الاطلنطي يحاصر روسيا من ثلاث جهات، فقد نشر أنظمة الصواريخ المضادة فى بولندا رومانيا وإسبانيا وتركيا والبحر الأسود.
سباق نحو الكارثة
ويشير المفكر الأمريكي المعروف ناعوم تشومسكي إلى نشرة علماء الذرة فى الولايات المتحدة التي قامت بتقديم موعد ساعة نهاية العالم دقيقتين قبل منتصف الليل، تعبيرًاً عن القلق المتزايد تجاه الأسلحة النووية وتغير المناخ، ويقول إن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي صدرت فى ديسمبر الماضي تضاعف الأخطار لأنها تقلل من مقدمات الهجوم النووي، أي تختصر الأسباب التي تدعو إلى شن هذا الهجوم، إلى جانب تطوير أسلحة جديدة من شأنها تسهيل إشعال حرب نهاية العالم.. وهذا يعني أن أمريكا تكرس نفسها للتعجيل بالدخول فى السباق نحو الكارثة.
وكتب شالمرز جونسون الكاتب الامريكي فى واحد من سلسلة كتبه بعنوان «أحزان الامبراطورية» يقول إن الامبراطورية الأمريكية لا تشكل تهديدًاً للسلام العالمي والاستقرار الدولي فحسب، بل تشكل تهديداً للولايات المتحدة نفسها أيضا».
وعندما هددت «كاي بايلي هاتشيسون»، المندوبة الأمريكية لدي حلف الاطلنطي، بضرب منظومة الصواريخ الروسية المجنحة متوسطة المدي إذا لم تتراجع موسكو عن برنامج تطوير هذه الصواريخ، علق رئيس الهيئة الأمريكية للرقابة على الأسلحة «داريل كيمبل» بقوله: «لا أستطيع أن أتذكر أنني سمعت شيئاً من هذا القبيل فى فترة مابعد الحرب الباردة».
الصراع على الباسيفيك
ويجمع كبار المعلقين والخبراء فى الشرق والغرب على أن قرار الرئيس الأمريكي ترامب بالانسحاب من معاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدي الموقعة بين موسكو وواشنطن فى عام 1987 سيفتح الطريق للمزيد من سباق التسلح ويمكن أن يؤدي إلى أزمة فى مجال الرقابة على الترسانات النووية ما لم يتم تدارك الموقف وليس هناك ما يمنع الولايات المتحدة الآن من أن تستأنف إنتاج أنظمة الصواريخ المحظورة وتزيد مدي الصواريخ المتوافرة لديها حاليًا وتصنيع أنواع جديدة من الأسلحة النووية الضاربة.
ومنذ عام 2014 تطالب مجلة «ناشيونال انترست» واسعة النفوذ فى الولايات المتحدة، بتعديل معاهدة الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدي لأن هذه المعاهدة تمنع واشنطن من حيازة نوع الصواريخ الذي تريد أمريكا استخدامه فى غربي الباسيفيك لاستهداف الصين. كذلك كان الادميرال هاري هاريس، القائد السابق للأسطول الأمريكي فى الباسيفيك، والسفير الأمريكي الحالي فى كوريا الجنوبية، يعلن عداءه الشديد للمعاهدة لأنها تحد من قدرة الولايات المتحدة على مواجهة الصين.. خاصة أن واشنطن تريد السيطرة العسكرية على الباسيفيك.
ماذا حدث فى بحر الصين؟
ويقول المحلل الأمريكي «اليكس لانتييه» فى 22 أكتوبر الماضي إن روسيا ليست السبب فى قرار ترامب بالانسحاب من المعاهدة، ولكن قطاعات قوية من المؤسسة العسكرية الأمريكية وادارة السياسة الخارجية كانت تسعي منذ سنوات لإلغاء هذه المعاهدة لكي تهدد الصين.
ويكرر المسئولون فى الإدارة الامريكية القول بأن الصين تمثل الخطر الأكبر على الولايات المتحدة. كما أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي تعتبر روسيا والصين من «الدول المرتدة التي تهدد النظام الدولي»!
الخطير فى الأمر أن تصريح هاتشيسون بالتهديد بضرب روسيا جاء بعد ثلاثة أيام فقط من حادث كاد يوشك أن يقع، وهو صدام بين سفينة حربية صينية ومدمرة أمريكية فى بحر الصين الجنوبي، مما اضطر السفينة الأمريكية الي المناورة لتجنب الصدام.
وتولي الجنرال جوزيف دنفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، ابلاغ الكونجرس بأنه يتوقع أن تصبح الصين عام 2025 الخصم الأكبر لبلاده، ووصف روسيا بأنها تظل الخطر الأعظم بشكل شامل!
وكتب «ميشيل كلير» المحلل الشهير فى صحيفة «لوموند ديبلوماتيك» الفرنسية يقول ان المؤسسة العسكرية الأمريكية تعد المسرح لمواجهة مع الصين فى نهاية المطاف».
ويؤكد المحلل الأمريكي «نايلز نيموث» أن الولايات المتحدة تعتبر أن الاستعدادات الحربية التي تقوم بها ضد روسيا.. هي مقدمة لمواجهة عسكرية مع الصين، ولذلك تعزز قواتها البحرية فى الباسيفيك وتقيم منظومات وشبكات صاروخية ومنشآت حربية أخري لمحاصرة الصين.
وطلب القائد الأمريكي للقيادة الأوربية الجنرال كيرتس سكاباروتي المزيد من الآلاف من القوات الأمريكية «لردع العدوان الروسي» فى اوربا! واقترح سحب أي قوات أمريكية تحارب الإرهاب وإرسالها إلى اوربا! وفى ذات الوقت، أعلن البنتاجون عن إرسال شحنات ضخمة من المعدات العسكرية الأمريكية إلى اوربا تشمل دبابات وعربات مجنزرة!
فى 8 نوفمبر الحالي، اعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن مبيعات الأسلحة الأمريكية للحكومات الأجنبية زادت بنسبة 13% وبلغت 192.3 مليار دولار فى العام الذي انتهي يوم 30 سبتمبر. ولا تخفى إدارة ترامب طموحها لأن تصبح الولايات المتحدة.. الأولي فى العالم فى تجارة الأسلحة.
تغيرات جذرية
ما الذي يحدث؟ هل عدنا إلى الاربعينيات؟
وهل يصدق المسئولون العسكريون الأمريكيون أن روسيا على وشك غزو أوربا الغربية؟ وهل من المعقول ان توجد الدبابات الالمانية فى ليتوانيا لأول مرة منذ احتلال النازيين الالمان لهذه الجمهورية فى الحرب العالمية الثانية؟
وهل لا يدرك الأمريكيون أن الأوضاع والظروف قد اختلفت وتغيرت جذريا عما كانت عليه فى السابق؟ نحن نعرف انه فى بداية عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان فى عام 1981، كان للجيش الأحمر السوفيتي 400 ألف جندي فى وسط اوربا يحتلون المساحات الواقعة على كل الضفة الشرقية لنهر الالب، وكانت برلين الغربية محاصرة بقوات روسية، كذلك كانت ألمانيا الشرقية وبولندا وتشيكوسلوفاكيا (الآن الجمهورية التشيكية وسلوفاكيا) والمجر ورومانيا وبلغاريا.. كلها تحت حكم حلفاء موسكو، وكانت كل هذه الدول أعضاء فى حلف وارسو الذي تأسس رداً على قيام حلف الاطلنطي. وكانت كل من ليتوانيا ولاتفيا واستونيا جزءا من الاتحاد السوفيتي (والآن اعضاء فى حلف الاطلنطي). ومع نهاية عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، كان لموسكو وجود قوي فى كل من اثيوبيا وموزمبيق وانجولا فى افريقيا وكذلك فى كوبا على البحر الكاريبي ونيكاراجوا فى أمريكا الوسطي كما احتل السوفيت.. افغانستان.
(أين ذهب ذلك كله؟ وماذا هو الحال اليوم؟)
لم يعد للاتحاد السوفيتي- الذي اصبح جزءاً من التاريخ- إلى 15 دولة. وأصبحت روسيا أصغر مما كانت عليه فى القرن التاسع عشر. ولم يعد لروسيا وجود فى كوبا أو جرينادا أو أمريكا الوسطى أو أثيوبيا أو أنجولا وموزمبيق وأصبح حلف وارسو فى ذمة التاريخ. ولم يعد للجيش الأحمر وجود فى اوربا الشرقية، بل إن الدول التي كانت تنتمي إلى حلف وارسو، بما فى ذلك الجمهوريات السوفيتيية السابقة أستونيا ولاتفيا وليتوانيا أصبحت أعضاء فى حلف الأطلنطي، والآن.. أنضم إلى الحلف الجبل الأسود ومقدونيا.. والدعوة موجهة إلى جورجيا والبوسنة وأوكرانيا للانضمام إلى هذا الحلف.
وأدى تفكك الاتحاد السوفيتي إلى جعل روسيا تشغل ثلثي الأراضي التي كان يشغلها الاتحاد السوفيتي السابق، وأصبحت روسيا لاتضم سوى نصف سكان الاتحاد السوفيتي السابق.
وكان السوفيت قد وافقوا فى مطلب التسعينيات على سحب قواتهم من أوربا الشرقية كلها بشرط أن لا يملأ حلف الاطلنطي الفراغ الناشئ عن هذا الانسحاب وبحيث لا يتم احتواء وتجنيد أعضاء حلف وارسوا السابقين. وقدم وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر وعدا للزعيم السوفيتي جورباتشوف بان حلف الاطلنطي « لن يتحرك بوصة واحدة تجاه الشرق « غير أن هذا الوعد لم يتم تسجيله قط على الورق، وعادت القوات السوفيتية إلى روسيا، وتم حل حلف وارسو فى عام 1991.
أين السلطة الحقيقية ؟
لقد توالى انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقيات ومعاهدات دولية منذ أنسحبت فى عام 2002 من معاهدة ABM حتى لا تقيد نفسها بالتزامات متكافئة مع التزامات شركائها، والواضع أن إعلان العداء لروسيا والصين باعتبارهما يشكلان تهديداً استراتيجياً للولايات المتحدة يخفى وراءه: أولاً من وصول هاتين الدولتين إلى حالة من التكافؤ مع واشنطن على المستوى العلمي أو التكنولوجي أو العسكري، ويخفى وراءه ثانيا: مصالح وفوائد مالية ضخمة لشركات صنع الأسلحة.
والمعروف أن ترامب يربط بين الأسلحة النووية والقوة القومية والعظمة الأمريكية ومعلوم أنه منذ عام 2014، الزمت الولايات المتحدة نفسها بانفاق تريليون دولار لتحديث أسلحتها النووية، وقد ارتفع هذا الرقم إلى 5ر1 تريليون دولار.
وتدور التساؤلات فى أروقة واشنطن حول مركز السلطة الحقيقية هناك، وتؤكد المؤشرات أن هذه السلطة بين أيدي العسكريين المتحالفين مع « وول ستريت « ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وفقا كما يقول المعلق الأمريكي « أندريه دانون».
وهذا يعني أن المجمع العسكري الصناعي فى واشنطن لابد أن يخلق أعداء ويصنع توترات ويحذر من أشباح هجومية لتبرير وضع ميزانية عسكرية تتضخم باستمرار وبلا توقف حتى تستطيع الشركات الكبرى لصناعة الأسلحة أن تضمن تدفق الأرباح الفاحشة بلا انقطاع.
ومع زيادة الانفاق العسكري الأمريكي إلى مستويات وأرقام تاريخية، أقام البنتاجون روابط أكثر تلاحماً مع عمالقة التكنولوجيا لتشكيل وحدة خاصة مقرها وادي السيليكون لضمان التطوير المستمر فى صناعة الأسلحة، ومع هذه الزيادات غير المسبوقة فى الإنفاق على الأسلحة، إزداد تركز الثروة فى أيدي أصحاب المليارات، وتحقق معه المزيد من التكامل بين الشركات الاحتكارية الكبرى وبين أجهزة الدولة.
هكذا ضاع تحذير أيزنهاور لمواطنيه فى خطاب الوداع الشهير، وذهب مع الريح!.

التعليقات متوقفه