شـركـات الاتصالات.. والتـحـول الـرقـمـي

345

أحدثت التحولات الرقمية فى عالم الاتصالات متغيرات جديدة فى قواعد اللعبة، فالعملاء تحولوا رقميا، والمحتوى أصبح رقميا، والمنافسون كلهم تحولوا رقميا. وأصبح لدينا نظام بيئى متكامل تماما، لدرجة جعلت التحول الرقمى أساسيا، خصوصا مع التغيرات الهيكلية التى تمر بها صناعة الاتصالات. وأدى التطور السريع للتكنولوجيات الثورية الهائلة مثل خدمات الجيل الرابع، مثل: التطور طويل المدى 4G LTE وخدمات المراسلة، مثل: “واتساب” و “تليجرام” إلى القضاء تماما، أو قللت إلى حد بعيد من الفروق التقليدية بين خدمات الاتصالات المحمولة، وخدمات الإنترنت، وجلبت بالتالى منافسين جدد لمشغلى شبكات المحمول.
وتعرضت خدمات الصوت التقليدية لتهديدات متزايدة من خدمات نقل الصوت عبر بروتوكولات الإنترنت، وتزايد الاعتماد على نقل البيانات، أما تطبيق الرسائل القصيرة التقليدى SMS، فقد أصبح من خدمات الزمن الماضى، بسبب المنافسة من تطبيقات مثل “واتساب”.

تحديات التحول
كانت رسالة البريد التقليدية تستغرق نحو 13 يوما لتصل من نيويوك إلى الإسكندرية، أما الرسالة من نيويورك إلى مدينة سيدنى الأسترالية، فكانت تستغرق نحو 73 يوما، أما فى عصرنا الرقمي، فلا يستغرق الأمر أكثر من لمسة بسيطة لأحد أزرار شاشات الهاتف الذكى لتنتقل الرسالة، أو مقطع الفيديو، أو الصوت، أو الصور إلى الجانب الآخر من العالم فى أقل من ثانية. وقد نجح علماء فى جامعة “ساوثهامبتون” البريطانية قبل أكثر من 6 سنوات فى تصنيع كابلات ألياف ضوئية، يمكنها أن تنقل البيانات بسرعات تصل إلى حوالى 99.7 % من سرعة الضوء، وبطاقة نقل تصل إلى 73.7 تيرابايت فى الثانية الواحدة. ومن المعروف أن الضوء ينتقل بسرعة تقارب 300 ألف كيلو متر / ثانية (300 مليون متر) أى يمكنه الدوران حول الكرة الأرضية من خط الاستواء حوالى 7.5 مرة فى الثانية الواحدة.

منافسين جدد
وفى الوقت الذى سمحت هذه المتغيرات لشركات الاتصالات المحمولة، بتقديم أنواع جديدة من المنتجات والخدمات كخدمات نقل البيانات بسرعات عالية، إلا أنها سمحت أيضا لمنافسين جدد بالدخول إلى السوق. فعلى سبيل المثال، يواجه كبار اللاعبين فى تقديم خدمات الاتصالات المحمولة بما فى ذلكشركات مثل: “فودافون”، “اتصالات”، و “اورنج” منافسة من شركات الاتصالات والتكنولوجيا غير التقليدية الأخرى التى دخلت على الخط.
وهذه الشركات مثل: “مايكروسوفت” و “جوجل” و “آبل” وفيسبوك” أصبحت توفر وسائل بديلة لإجراء مكالمات صوتية لاسلكية يمكن استخدامها فى حالات معينة بدلا من الخدمة الصوتية التقليدية التى تقدمها شركات المحمول. كما يقدم هؤلاء اللاعبون أيضا وسائل بديلة للوصول إلى محتوى الفيديو.
ولمزيد من التوضيح، يمكننا أن نلاحظ أن تطبيقات المراسلة الفورية مثل: فيسبوك مسنجر، أو سكايب، أو سناب شات، وغيرها، أصبحت هى التطبيقات الأساسية التى تعتمد عليها الأجيال الجديدة من الشباب والفتيات للتواصل. ويقوم مستخدمو هذه التطبيقات بتسجيل الدخول إليها ليس فقط للتحدث مع الأصدقاء، ولكن أيضا للتواصل مع الشركات، والتفاعل مع البضائع والمنتجات، ومشاهدة المحتوى الرقمى التفاعلى. باختصار، فى الوقت الذى فشلت فيه شركات الاتصالات المحمولة فى إحداث أى تطوير لتطبيق الرسائل القصيرة لعشرات السنوات، دخلت شركات أخرى على الخط، وطورت تلك الخدمات البسيطة لتبادل الرسائل، والصور، ومقاطع الفيديو، وملفاتالصور المتحركة GIF بمعزل عن شركات الاتصالات، ونجحت بجدارة فى تحويلها إلى أنظمة بديلة، متكاملة، مزودة بمنصات تطوير، وتطبيقات، وواجهات برمجية منفصلة.

شبكات المستقبل
على مدار السنوات الماضية، بدأت توجهات استهلاكية جديدة فى الظهور، فوجدنا أن المستهلكين قد بدأوا فى التخلص من أجهزة الكمبيوتر المكتبية، ومن أجهزة الكمبيوتر المحمولة، لصالح الهواتف الذكية المتقدمة.
لقد قارب عدد مستخدمى الإنترنت حول العالم حاجز الـ 4 مليار نسمة، حيث وصل إلى 3.89 مليار نسمة فى ديسمبر 2018، ويستخدم هؤلاء المليارات من المستهلكين هواتفهم الذكية كنقاط وصول أساسية للإنترنت، ولا يقتصر استخدامهم لها على تصفح الإنترنت، بل، يمتد ليشمل إدارة جوانب كثيرة، وهامة فى حياتهم اليومية، بما يشمله ذلك تخطيط لمسارات رحلاتهم، أو طلب خدمات سيارات الأجرة، أو التعرف على المطاعم القريبة منهم، وغيرها من الخدمات. وعلى مدار السنوات القليلة القادمة، ستتغير الأمور بمعدلات أسرع مما تغيرت عليه فى الماضى، فمع تمكين تقنيات الجيل الخامس من خدمات الاتصالات، سنلاحظ توافر تزايد توقعات العملاء، حيث سيطالبون بالوصول للخدمات بشكل أسرع، وسيطالبون بخدمات أكثر تنوعا، وثراءا، وفى هذا الإطار ستقوم خدمات الجيل الخامس بتوفير يلى:
– سرعات تصل إلى 100 ضعف معدلات سرعة نقل البيانات عبر خدمات الجيل الرابع، بما يحمله ذلك من ميزة الوصول الفورى إلى الخدمات والتطبيقات.
– خفض زمن الوصول إلى الشبكة، خصوصا فى حالات خدمات النقل الذكى، والسيارات ذاتية القيادة، والتحكم فى الآلات عن بعد.
– زيادة حجم / كمية البيانات الممكن نقلها بحوالى 1000 ضعف.
ومع هذه الوعود الوردية التى تقدمها تقنية الجيل الخامس، فإننا نتحدث بكل قوة وجرأة عن إنترنت الأشياء، والمدن الذكية، وعصر البيانات الضخمة، وغيرها من المفاهيم التى تتجاوز الواقع المعاصر لتنقلنا إلى الواقع المستقبلى المفترض.

الخطوة القادمة
تشهد صناعة مزودى الاتصالات تغيرا سريعا حيث تحول التكنولوجيا الرقمية. وتوفر الابتكارات فى خدمات الرسائل والفيديو المحمول وخدمات OTT للمستهلكين مجموعة من الخيارات الجديدة المتناسبة مع احتياجاتهم.
إن تحديث عناصر تكنولوجيا المعلومات فى شركات الاتصالات يعتبر عنصرا رئيسيا فى أى تحول رقمي، مع العلم، أن التحول الرقمى لا يعتبر هدفا نهائيا بالنسبة لشركات الاتصالات، بل هو مهمة مستمرة.
ويعتمد التحول الرقمى الناجح للشركات بشكل كامل على اتباع نهج إستراتيجى واضح مبنى على المعلومات التى تتم معالجتها، وتحليلها من مصادر متعددة، بهدف الوصول إلى استراتيجية موحدة، ومتكاملة، وآمنة لإدارتها، والتحكم فيها، ومن ثم تحويلها إلى رؤى تخلق فرصا جديدة للبقاء فى السوق.

التعليقات متوقفه